«ممنوع من الصرف»... المسرح يضيء على مشكلة المياه العادمة في غزة

ضمن مشروع «سمّعهم صوتك»

مشهد من المسرحية («الشرق الأوسط»)
مشهد من المسرحية («الشرق الأوسط»)
TT

«ممنوع من الصرف»... المسرح يضيء على مشكلة المياه العادمة في غزة

مشهد من المسرحية («الشرق الأوسط»)
مشهد من المسرحية («الشرق الأوسط»)

في جوّ من الراحة والهدوء، يجلس المواطن الفلسطيني أبو أدهم وزوجته في فناء منزلهما المطل على شارع رئيسي في أحد الأحياء الشرقية لمدينة غزة، قبل أن تفسد صفاءهما رائحة مياه عادمة منبعثة من الجوار.
نهض أبو أدهم باحثاً عن مصدر الرائحة الكريهة، ليكتشف أنها منبعثة من منزل جاره الذي لا يبالي بحُسن الجيرة. لاحقاً، تقدّم بشكوى ضده، لكن ذلك لم يعالج المشكلة، إنما وضع المتضرر في مواجهة مع "نفوذ الجار"، والروتين البطيء لموظّفي البلدية، وسوء تعامل الشرطة مع المشكلة.
هذه القصة هي سيناريو عرض مسرحي يجوب قطاع غزة تحت عنوان: "ممنوع من الصرف"، يسلّط الضوء على المشكلات التي تواجه المناطق الشرقية للقطاع نتيجة عدم وجود شبكة صرف صحّي للمياه العادمة.
تنتمي مسرحية "ممنوع من الصرف" إلى مسرح المضطهدين أو المقهورين الذي طوره البرازيلي أوغستو بوال (1931 – 2009) لتسليط الضوء على قضايا المجتمع ومشكلاته. واستحضار التجربة في غزة يجعلها من أحدث أشكال الاعتراض والشكوى في القطاع ضد معضلة المياه العادمة.
وتأتي المسرحية ضمن مشروع "سمّعهم صوتك" الذي تنفذه "جمعية حكاوى للثقافة والفنون"، بدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان والوكالة السويسرية للتعاون والتنمية. وقد نفّذت الجمعية خمسة عروض في المنطقة الشرقية لغزة تناولت جميعها قضية "المياه العادمة"، ومن المقرر أن تنفذ عشرة عروض أخرى تجوب محافظات القطاع الخمس.
منسق المشروع محمد أبو كويك يعتبر أن هذا النوع من المسرح هو إحدى الأدوات الفاعلة لطرح مشكلة ثم إعطاء الجمهور فرصة اقتراح حلول. ويقول لـ "الشرق الأوسط" إن جزءاً رئيسياً من مسرحية "ممنوع من الصرف" يستهدف توعية الجمهور بآليات العمل المدني، والتعامل الحضاري مع مشكلات المجتمع.
واعتبر أبو كويك أن المسرحية تؤدي دوراً تكاملياً بين الجمهور والبلدية ولا تحرّضه عليها، مضيفاً: "يمكن للبلدية أن توظف هذا الدور التكاملي باعتباره مطلباً جماهيرياً يمكن أن تتوجه به إلى وزارة الحكم المحلي".
من جانبه، يؤمن رامي السالمي مخرج مسرحية "ممنوع من الصرف" بأن المسرح هو من وسائل التغيير على العالم، خصوصاً أنه "أبو الفنون". ويقول لـ "الشرق الأوسط": "عرضنا مشكلة المياه العادمة في غزة ضمن قالب مسرحي تناول قصصاً حيّة من المناطق الشرقية للقطاع. نحن اليوم أمام ظاهرة جديدة في التعامل مع مشكلاتنا المجتمعية، على عكس السابق حين كنّا نستخدم وسائل مواجهة مع الجهات الحكومية".
ولفت السالمي إلى أن المسرح يأخذ الجمهور إلى منطقة مدنية سلمية لا يمكن لأي مسؤول حكومي أن يعترض عليها، مضيفاً أنه بهذه الوسيلة "استطعنا تشكيل لوبي ضاغط على الحكومة تجاه القضايا التي فيها قهر مجتمعي". وأوضح أن "ممنوع من الصرف" تهدف إلى تسليط الضوء على مشكلة "المياه العادمة" كهدف أول، ثمّ رفع وعي الناس بأهمية وجود "الرقابة المجتمعية".
وأكد السالمي أن "مسرحية ممنوع من الصرف استطاعت أن تحقق ضغطا ومناصرة وأن تستقطب اهتمام الناس بمشكلة المياه العادمة"، وأن من أولى ثمارها تشكيل لجنة مجتمعية في منطقة عبسان شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، لمتابعة أزمة المياه العادمة في المنطقة.
الفنان محمد أبو دقة يؤدي دور البطولة في مسرحية "ممنوع من الصرف"، ويقول لـ "الشرق الأوسط" إنه يجسّد "المواطن الفلسطيني المضطهد". ويضيف: "يتعاطف كثيرون مع الدور الذي أؤديه في المسرحية، ويحاولون بالتالي اقتراح حلول للمشكلة"، معتبراً أن هذا الأمر يمنحه قوة كي يواصل أداء دور المضطهد ويطالب بحقوقه.
تجدر الإشارة إلى أن أرقام مركز المعلومات الوطني الفلسطيني تفيد بأن شبكات الصرف الصحي في غزة تغطي 60 في المائة فقط من المساكن، في حين يعتمد 40 في المائة منها على الحفر الامتصاصية التي ترشح منها المياه العادمة فتتسرب إلى المياه الجوفية. وكان ذلك سبباً لعدم صلاحية 97 في المائة من المياه الجوفية في القطاع للشرب، وفق تقرير "واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال عام ٢٠١٧"، الذي أعدّه مركز الميزان لحقوق الإنسان.
وسبق للأمم المتحدة أن حذّرت في تقرير لها بعنوان "غزة عام 2020" من واقع تصريف نحو 90 ألف متر مكعب من المياه العادمة إلى البحر يومياً، أي 33 مليون متر مكعب سنوياً، مع ما لذلك من أثر كارثي على البيئة البحرية، والثروة السمكية تحديداً.

*من «مبادرة المراسل العربي»


مقالات ذات صلة

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يوميات الشرق يهدف الحفل إلى تزويد اللبنانيين بجرعات أمل من خلال الموسيقى (الجامعة الأميركية)

بيروت تحتفل بـ«التناغم في الوحدة والتضامن»... الموسيقى تولّد الأمل

يمثّل الحفل لحظات يلتقي خلالها الناس مع الفرح، وهو يتألّف من 3 أقسام تتوزّع على أغنيات روحانية، وأخرى وطنية، وترانيم ميلادية...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)
أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)
TT

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)
أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

تُعد دراما السيرة الذاتية للمشاهير والشخصيات العامة من أهم أنواع الدراما التي يُقبل عليها المشاهد عالمياً، لكن الأزمة الأساسية التي تواجه هذا النوع الدرامي تتعلق بالصراع مع الورثة حول أحقية تقديم العمل من عدمه، وفق متابعين ونقاد.

وفي الآونة الأخيرة، طالعتنا وسائل إعلام بتصريحات على لسان الممثل كريم نجل النجم الراحل محمود عبد العزيز أنه «يرفض تحويل حياة والده إلى عمل درامي».

في حين أن محمود عبد العزيز قدم أحد أشهر مسلسلات السيرة الذاتية وهو «رأفت الهجان» عن قصة عميل المخابرات المصرية الذي عاش في إسرائيل رفعت الجمال، وحقّق العمل الذي بُث الجزء الأول منه لأول مرة عام 1988 نجاحاً ساحقاً في أجزائه الثلاثة.

مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

وعلى الرغم من أن الفنان الراحل أحمد زكي قدم 3 أفلام سيرة ذاتية عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر «ناصر 56» عام 1996، والرئيس الراحل أنور السادات «أيام السادات» عام 2001، والمطرب الراحل عبد الحليم حافظ «حليم» عام 2006، بيد أن شقيقته إيمان زكي رفضت رفضاً قاطعاً تقديم قصة حياته في مسلسل.

حق عام بضوابط

قال حسن حافظ الباحث في تاريخ مصر لـ«الشرق الأوسط»: إن «سيرة أي شخصية مشهورة هي ملكية عامة، ومن حق أي مبدع تقديمها في عمل فني». وتابع: «بيد أن هناك بعض المعايير، أهمها الاحتفاظ بالسياق التاريخي للأحداث دون تزييف، مع حق المبدع أن يتعمّق في دوافع الشخصية لفهم القرارات التي اتخذتها، وهنا يكون الورثة أحد مكونات عملية البحث، مع التدقيق في ما يقولونه».

أمر آخر لا بد من أخذه في عين الاعتبار حسب حافظ، وهو أن العمل الدرامي لا يحكي قصة الشخصية العامة كما جرت بالضبط، بل هو مبني في جزء منه على الخيال، بعكس العمل الوثائقي.

ويتفق معه الناقد الفني أمجد مصطفى، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يحق للورثة حتى طلب أموال مقابل السماح بتناول القصة، ولكن من حقهم الاطمئنان لخروج العمل الدرامي دون تشويه للشخصية، فهناك بعض كتاب الأعمال الدرامية الذين يتعمدون إضافة أشياء قد تكون غير حقيقية وربما جارحة من أجل التشويق والإثارة».

ولفت إلى أن ذلك لا يعني أن العمل الدرامي يجب أن يُركّز فقط على الجوانب الإيجابية في حياة الشخصية، فهناك أمور قد لا تفيد في رصد حياة الشخصية، وفق مصطفى.

تخليد للشخصية وشركائها

من أهم السير التي قّدّمت وخلقت حالة في مصر، مسلسل «أم كلثوم» (إنتاج 1999)، وحقق نجاحاً كبيراً، وفق نقاد، ومع ذلك يقول حسن حافظ إن «هذا المسلسل قدم سيرة بيضاء لأم كلثوم، ولم ينخرط مثلاً في صراعاتها مع نجوم عصرها».

في حين يرى أمجد مصطفى أن «مسلسل (أم كلثوم) إلى جانب أنه يخلّد سيرتها، فإنه كذلك يرصد حياة جميع من شاركوا في قصة نجاحها من ملحنين وشعراء، ولكن هذا المسلسل مثلاً تجاهل دور الموسيقار محمد الموجي في حياة أم كلثوم، ومن هنا يجب على كاتب دراما السيرة الذاتية أن يكون أميناً في الرصد».

سيرة أم كلثوم في مسلسل من بطولة صابرين (يوتيوب)

الجدية شرط النجاح

على المستوى العالمي هناك انفتاح لتقديم دراما السيرة الذاتية سواء في أميركا أو أوروبا، مثل مسلسل «كليوباترا» الذي عرضته منصة «نتفليكس» الأميركية في مايو (أيار) 2023 وأثار الجدل لأنه قدم الملكة المصرية الفرعونية ذات بشرة سمراء، وهو ما عدّته السلطات المصرية «تزييفاً للتاريخ»؛ لأن المصادر تؤكد أن كليوباترا كانت بشرتها فاتحة اللون.

في حين أن مسلسل «التاج» (The Crown)، الذي يتناول سيرة الملكة إليزابيث الثانية، حقق نجاحاً كبيراً.

ويُرجع حافظ سبب نجاحه إلى «ما لمسه المشاهد من جدية القائمين عليه لتقديمه في أحسن صورة وأدق تفاصيل».

وشدّد على أن «غياب الجدّية والدقة تسبب في فشل مسلسلات عن سير المشاهير في مصر خلال السنوات الأخيرة، مثل مسلسلات (العندليب) عن سيرة عبد الحليم حافظ، و(السندريلا) عن سيرة سعاد حسني، و(الضاحك الباكي) عن سيرة نجيب الريحاني».

ويرى أمجد مصطفى كذلك أن «فيلم حليم لأنه كان في آخر أيام أحمد زكي وقت مرضه أُنجز بسرعة ولم يكن متّقناً بالقدر اللازم لنجاحه».

تصبح المهمة أسهل حينما تكون للشخصية المشهورة مذكرات كتبتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت، الذي يقول نجله الشاعر محمد بهجت لـ«الشرق الأوسط»: «لم يواجه والدي مشكلات مع الورثة عند كتابة الفيلم لأنه اعتمد على كتاب البحث عن الذات للرئيس السادات، وكذلك بعض كتب الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، وأيضاً مذكرات جيهان السادات التي كانت على قيد الحياة وقتها وأثنت على سيناريو الفيلم قبل تصويره حينما عرضه عليها والدي والفنان أحمد زكي».

أحمد زكي في فيلم «أيام السادات» (فيسبوك)

موقف القانون

وعن موقف القانون من دراما السيرة الذاتية يقول المحامي بالنقض محمد إصلاح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وفق المبادئ القانونية المستقرة في القانون المدني المصري فإن مجرد التجسيد لا يرتب حقاً قانونياً للورثة في الاعتراض، ولكن لهم رفع دعوى تعويض إذا أثبتوا أن النشر والتجسيد قد أضرّ بسمعة المتوفى، ولا يستطيعون رفع دعوى منع ما لم يتمكنوا من إثبات تحقّق هذا الضرر للمحكمة من واقع العمل الفني».