ما زالت أزمة المياه الخانقة التي يعاني منها العراق تلقي بظلالها القاتمة على بلاد النهرين، وتهدد بمزيد من المشكلات والنزاعات، سواء على مستوى العلاقة بين وزارة الموارد المائية في الحكومة الاتحادية ببغداد، وبين محافظات وسط وجنوب العراق، أو بين تلك المحافظات بعضها مع بعض. وفي ظل حالة الجفاف وشحة الموارد المائية القائمة، وتسببها في خسارة آلاف الهكتارات والمساحات الزراعية، فضلا عن عدم توفر مياه الشرب للسكان في بعض المناطق، بات من غير المستغرب إمكانية وقوع «حرب مياه» بين المحافظات، وإن بطرق قانونية وليست عسكرية بالضرورة.
وفيما تتهم محافظات جنوبية وزارة الموارد المائية بعدم تزويدها بحصتها الكاملة من الإطلاقات المائية، وتالياً التأثير على مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، تنفي الوزارة ذلك، وتعزو أسبابه إلى قلة الموارد المائية والتجاوزات التي تحدث على الحصص المائية من قبل بعض المحافظات.
وفي هذا الإطار، وفي معرض رده على اتهامات نائب محافظ ذي قار لوزارة الموارد ومحافظتي الديوانية وواسط المجاورتين، بالتسبب في خفض مناسيب مياه نهر الفرات هناك، يقول مستشار وزير الموارد المائية ظافر حسين عبد الله، إن «التجاوزات على الحصص المائية المقررة في المحافظات هي التي تسببت في انخفاض مناسيب المياه في نهر الفرات في محافظة ذي قار».
ويرى عبد الله في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «حل مشكلة التجاوزات يكمن في تطبيق القانون، نحن كوزارة ليس أمامنا إلا رفع دعاوى قضائية ضد المتجاوزين والأمر متروك للقضاء». ويشير إلى أن التجاوز يعني «حصول الأشخاص أو المحافظات على حصص مائية أكثر من التي تقررها الوزارة، لذلك نلجأ إلى القضاء لمحاسبة المتجاوزين؛ لكن المشكلة أننا نقوم برفع التجاوز في الصباح ثم تعود ظهرا».
وباستثناء محافظة ميسان التي تلتزم بحصصها المقررة، يقول مستشار الموارد المائية، إن «كثيرا من المحافظين ومجالس المحافظات ينحازون إلى محافظاتهم، ولا يقومون بمحاسبة المتجاوزين».
وحول ما إذا قامت محافظات غرب وشمال العراق (نينوى، وصلاح الدين، والأنبار) القريبة من منابع نهري دجلة والفرات بالتجاوز على الحصص المائية، يقول عبد الله، إن «التجاوزات قليلة جدا هناك؛ لأنها محافظات تقع في صدر النهرين، وأراضيها عالية قياسا بأراضي محافظات الوسط والجنوب».
وكان نائب محافظ ذي قار عادل الدخيلي، قد حمّل، أمس، وزارة الموارد المائية مسؤولية الجفاف الكبير الذي أصاب نهر الفرات بعد انخفاض مناسيبه، وهدد محافظات واسط والمثنى المجاورة بعدم السكوت أمام تجاوزاتها على حصة المحافظة من المياه. وقال الدخيلي في بيان صادر إن «وزارة الموارد المائية لم تلتزم بزيادة حصة محافظة ذي قار من الإطلاقات المائية، وهي تتحمل مسؤولية الجفاف الكبير الذي أصاب نهر الفرات بعد انخفاض مناسيب المياه فيه إلى حدٍ مخيف». وأضاف الدخيلي أن «الحكومة المحلية سئمت من الوعود التي كانت مجرد حبر على ورق، رغم مواصلة المخاطبات والمتابعة مع مسؤولي الوزارة».
ودان نائب المحافظ «استمرار التجاوزات على الحصة المائية من قبل المحافظات المجاورة، والواقعة أعالي مستوى نهر الفرات»، وطالب الحكومات المحلية في محافظتي واسط والمثنى بـ«وضع حد لتجفيف مياه ذي قار، وتسببهم في إلحاق الضرر الكبير بأهالي المحافظة»، ملوحا بـ«اللجوء إلى القضاء إن تطلب الأمر».
من جانبه، يستبعد رئيس مجلس محافظة ذي قار، حميد الغزي، اندلاع «حرب مياه» بين المحافظات العراقية، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «موضوع المياه قضية سيادية وأمنية، وهو من مسؤولية الحكومة الاتحادية وليس المحافظات، ويفترض أن تقوم بإجراءات صارمة لتوزيع الحصص المائية بين المحافظات بالتساوي». ويرى الغزي أن «وزارة الموارد المائية تقوم بما وسعها، لكن عتبنا عليها يتمحور حول عدم قيامها بخطوات عملية لمعالجة الأزمة الحالية، التي يتوقع أن تتصاعد في الأيام المقبلة».
ويؤكد الغزي أن «انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات نتيجة تجاوزات المحافظات المجاورة، نجم عنه غلق بعض المجاميع المائية في المحافظة، وهناك مجاميع أخرى معرضة للغلق إن استمرت الأزمة».
وفي سياق متصل بأزمة المياه القائمة في محافظة البصرة، أصدرت وزارة الموارد المائية أمس، بيانا قالت فيه، إن «أسباب التلوث في مياه الشرب واضحة، ولا تريد الوزارة الدخول في تفاصيل ذلك»، مؤكدة «إنجاز الوزارة التزامها بخصوص توصيل المياه العذبة إلى منطقة (R0) في منطقة أبو صخير في البصرة، عن طريق قناة البدعة، وهي بكميات كافية لثلاثة ملايين مواطن، على أساس 200 لتر في اليوم للشخص، وبنوعية جيدة قابلة للمعاينة والقياس من قبل المواطنين».
ودعا بيان الوزارة التي تقول إنها ملتزمة بالإطلاقات المائية إلى محافظة البصرة رغم «قسوة الشحة المائية»، إلى «الكف عن التشويه (سمعتها) ووضع مصلحة الوطن ومحافظة البصرة أولا، كما تدعو إلى احترام مطالب مواطني البصرة الكرام الذين يحتجون ضد سوء الخدمات والفساد».
صراع على المياه في الجنوب العراقي
ذي قار حذرت محافظتين أخريين من التجاوز على حصتها
صراع على المياه في الجنوب العراقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة