توفي السيناتور الأميركي جون ماكين، بطل الحرب السابق وأحد أعمدة السياسة الأميركية، أول من أمس، عن عمر 81 عاماً بعد صراع مع سرطان الدماغ. وعمل الجمهوري ماكين في مجال السياسة لمدة 35 عاماً عرف خلالها باستقلاليته في الرأي وكاد أن يفوز برئاسة البيت الأبيض أمام الرئيس السابق باراك أوباما.
وأعلن مكتب السناتور الجمهوري مساء السبت في بيان أنه توفي بعد الظهر «محاطاً بزوجته سيندي وعائلتهما». وأضاف البيان أن بطل الحرب السابق الذي يحظى باحترام كبير في بلاده «خدم الولايات المتحدة الأميركية بإخلاص لمدة 60 عاماً». وتُوفِّي عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا غداة إعلان عائلته أنه قرّر التوقّف عن تلقّي العلاج من الغليوبلاستوما، وهو نوع من سرطان الدماغ شديد الخطورة نسبة النجاة منه متدنية للغاية. وظل ماكين يصارع المرض منذ اكتشاف إصابته به في يوليو (تموز) 2017 ولم يشاهد في الكونغرس خلال 2018.
وفوق مبنى الكونغرس نكست الأعلام تكريماً لماكين. وسيسجى جثمانه في باحة مبنى الكونغرس قبل مراسم جنازته التي ستجري في كاتدرائية «ناشيونال كاثيدرال»، حسب ما أفادت به صحيفة «نيويورك تايمز». وسيوارى في الأكاديمية الحربية في أنابوليس بولاية ميريلاند. ولم يعلن على الفور موعد الجنازة أو الدفن.
وتوالت ردود فعل الطبقة السياسية الأميركية، تكريماً لذكرى ماكين الذي كان من ركائز الحزب الجمهوري والذي أغضب كثيرين ينتمي بعضهم إلى دائرته السياسية، لكنه لم يخسر يوماً تقدير الأميركيين لإخلاصه الوطني.
وقال الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما الذي هزم ماكين في الانتخابات الرئاسية في 2008: «جون وأنا كنا ننتمي إلى جيلين مختلفين، كانت لدينا أصول مختلفة تماماً، وتواجَهنا على أعلى مستوى في السياسة، لكننا تَشاركنا، على الرغم من اختلافاتنا، ولاءَنا لما هو أسمى، للمُثل التي ناضلت وضحّت من أجلها أجيال كاملة من الأميركيين والمهاجرين». ودعا زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى إطلاق اسم جون ماكين على مبنى في الكونغرس حيث كان مكتبه.
أما الرئيس دونالد ترمب الذي كان على خصام علني مع ماكين، فاكتفى بتقديم تعازيه في تغريدة مقتضبة لم يذكر فيها بتاتاً حياة ماكين أو مساره السياسي. وكتب ترمب: «أقدم تعازي وأصدق احترامي لعائلة السيناتور جون ماكين. قلوبنا وصلواتنا معكم!». وكان ماكين قال إنه لا يرغب في أن يشارك ترمب في جنازته، حسب الإعلام الأميركي.
بالمقابل، أصدر معظم أفراد الطبقة السياسية، من حاليين وسابقين، بعد دقائق من إعلان وفاة ماكين، بيانات عدّدوا فيها بعضاً من مآثره. فقد أشاد الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن خصوصا بـ«رجل ذي قناعة عميقة ووطني لأعلى درجة». واعتبر الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون أن ماكين «غالباً ما وضع الانتماء الحزبي جانباً» من أجل خدمة البلاد.
كما قال آل غور، نائب الرئيس في عهد كلينتون: «لطالما قدّرت واحترمت جون»، لأنه كان دوما يعمل «في سبيل إيجاد أرضية تفاهم مهما كان ذلك صعباً». أما السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام فقال إن «أميركا والحرية خسرتا واحدا من أعظم أبطالهما».
ومن خارج الولايات المتحدة، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن «حياة ماكين وخدمته العامة شكلتا مصدر إلهام لكثيرين». وأشاد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقال إنه «مواطن أميركي رائع، لم يتغير دعمه لإسرائيل قطّ». كما قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن ماكين سيُذكر بأنه «مؤيد للتقارب الأطلسي» وداعم للحلف، بينما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن ماكين «مثل أميركا يمكن الاعتماد عليها، يتولى المسؤولية عن الآخرين انطلاقا من القوة ويدافع عن القيم والمبادئ». كما وصفته صحيفة «تشاينا ديلي» بأنه «عملاق السياسة الأميركية، وضمير الحزب الجمهوري». وكتبت ابنة السناتور الراحل ميغان ماكين في حسابها على «تويتر» أنها بقيت بجانب والدها حتى النهاية «مثلما كان بجانبي في بداياتي».
وكان ماكين يتلقى العلاج في ولايته أريزونا، حيث كان يزوره أصدقاؤه وزملاؤه بشكل متواصل منذ شهور، مدركين أن النهاية باتت قريبة. وعلى الرغم من علاجه الذي حتم عليه التغيب عن واشنطن منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بقي ناشطا سياسيا بشكل نسبي. وفي صيف 2017، تحدى ترمب إذ صوَّت في موقف لافت ضد إصلاحه لنظام الضمان الصحي. وكان ينتقد علنا الرئيس من غير أن يخفي يوما ازدراءه لسلوكه وأفكاره، فيصفه بأنه «نزق» و«غير مطلع». وفي مذكراته الصادرة في مايو (أيار) 2018، ندد مرة جديدة بتودد ترمب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي جابهه ماكين من مقعده في مجلس الشيوخ.
واستهدف السيناتور نفسه بالعقوبات التي فرضتها روسيا ردّاً على عقوبات واشنطن، وهو ما شكَّل بالنسبة له مصدر اعتزاز غالباً ما كان يتباهى به ممازحاً.
وبدأ ماكين الآتي من عائلة من العسكريين حيث كان والده وجده أدميرالين في البحرية الأميركية، حياته العسكرية كطيار حربي شارك في حرب فيتنام حيث أصيب ووقع في الأسر لأكثر من خمس سنوات.
وتعرض ماكين للتعذيب في فيتنام، وأصبح لاحقاً طوال حياته السياسية من أشد معارضي التعذيب، منتقداً بشدة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) لعمليات الاستجواب «المشددة» التي أجرتها في عهد جورج بوش الابن.
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة عند انتهاء حرب فيتنام، انتخب في مجلس النواب ثم عام 1986 في مجلس الشيوخ حيث احتفظ بمقعده منذ ذلك الحين. وواجه أصعب انتخابات تشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 إذ لم يغفر له قسم من الناخبين المحافظين انتقاداته لدونالد ترمب.
وخسر ماكين الذي عرف بصورة جمهوري مستقل يبدي آراءه بصراحة، في الانتخابات التمهيدية لحزبه عام 2000 أمام جورج بوش، ثم عاد وفاز بالترشيح الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2008، لكنه هزم أمام باراك أوباما. وبقي بعد ذلك في مجلس الشيوخ حيث قضى ثلاثين عاما. وكان ماكين يعتبر من أنصار نهج التدخل في السياسة الخارجية، مقتنعا بأن من واجب أميركا الدفاع عن قيمها في العالم، وكان من أشد مؤيدي حرب العراق، ومن الدعاة لدور عسكري أميركي قوي في الخارج.
وأدت هذه المواقف إلى تهميشه عاما بعد عام في حزب جمهوري بات يرغب في إعادة تركيز عمله على الأولويات الداخلية، وشهد بقلق خلال العقد الحالي صعود حركة «حزب الشاي» (تي بارتي). وكان يدعو باستمرار إلى زيادة الميزانية العسكرية وترأس حتى وفاته لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. ودافع عن كثير من القضايا خلال حياته، أبرزها إصلاح نظام الهجرة وقانون التمويل الانتخابي.
وفاة السيناتور البارز ماكين بعد صراع مع السرطان
إشادات واسعة من داخل أميركا وخارجها بـ {بطل} حرب فيتنام والمرشح الرئاسي السابق
وفاة السيناتور البارز ماكين بعد صراع مع السرطان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة