الدخول الأدبي في فرنسا... حضور للكُتَّاب الجدد والمغاربة يتصدرون «الفرنكوفونيين»

567 رواية ومجموعة قصصية بينها 381 فرنسية و186 أجنبية

أغلفة بعض الكتب الصادرة
أغلفة بعض الكتب الصادرة
TT

الدخول الأدبي في فرنسا... حضور للكُتَّاب الجدد والمغاربة يتصدرون «الفرنكوفونيين»

أغلفة بعض الكتب الصادرة
أغلفة بعض الكتب الصادرة

انطلق موسم الدخول الأدبي بفرنسا ابتداء من منتصف شهر أغسطس (آب)، وهو التقليد الثقافي الذي تحتفل به فرنسا كل سنة. يسجل هذا العام صدور 567 رواية ومجموعة قصصية 381 منها فرنسية و186 أجنبية، وإن كان في تراجع مقارنة بالسنة الماضية التي وصلت فيها عدد الإصدارات لـ581. إلا أن كثيرا من دور النشر الفرنسية والفرنكوفونية قد راهنت هذه المرة على القيمة الأدبية والانفتاح على الجديد بدل الاتجاه نحو تكثيف الإنتاج، فمن بين مجموع دور النشر المشاركة في هذا الدخول 186 (أكثر من النصف) أي 54 في المائة اكتفت بعرض رواية واحدة. التجدد ميز أيضاً هذا الموسم الذي عرف تحول بعض الكتاب من نوع أدبي إلى آخر: الكاتب أنتونان فارين المعروف برواياته البوليسية ينشر هذه السنة مثلاً رواية من أدب الواقع بعنوان «شبكة العالم»'. فريدريك بولان ينشر تحليلا جيوسياسيا عن ظهور الإرهاب في فرنسا بعد أن كان محسوباً هو الآخر ضمن سجل كتاب الروايات البوليسية. وعرفت الروايات الأجنبية أيضاً تراجعاً بـ186 رواية هذه السنة مقابل 191 السنة الماضية وهي النسبة الأخفض منذ العشرية الأخيرة. واللافت للانتباه هذه السنة ارتفاع عدد إصدارات الكُتاب الجدّد الذي وصل لـ94 رواية وهو ما يعادل ربع الإنتاج الفرنسي وهي نسبة عالية لم يسجلها أي دخول أدبي منذ أكثر من عشر سنوات، حيث إن آخر مرة سجل فيها الروائيون الجّدد حضوراً قوياً كان عام 2007 حيث وصل عددهم آنذاك لـ102.
- البطاقة الرابحة لدور النشر
بماذا نفسر الحضور القوي للروائيين الجدد في هذا الموسم الأدبي؟ تساءلت صحيفة هوفينتغون بوست في نسختها الفرنسية في مقال مُطول بعنوان «الدخول الأدبي 2018 لماذا هذا الحضور الكبير للكّتاب الجدد؟». الإجابة حسب هيلوويس دارموسون مديرة النشر قد نجدها عند الناشرين أنفسهم الذين أصبحوا يشجعون صدور الروايات الأولى لأنها ببساطة تعتبر بالنسبة لهم «ناجحة تسويقياً».
حصّة الأسد تعود للناشرين المستقلين الذين قدموا كلهم ومن دون استثناء على الأقل كاتبا واحداً جديداً. أما دور النشر الكبيرة، وإن كانت لم تشارك جميعها بروايات أولى، إلا البعض الذي شارك طرح بأكثر من كاتب جديد. «فلاماريون» قدمت 5 روائيين جدد، و«ألبان ميشال» أربعا كلهن نساء في مقتبل العمر أصغرهن لا تتعدى السادسة والعشرين. وشاركت دار «روبرت لافون» بأربعة كُتاب جدد مقابل واحد فقط السنة الفارطة وكلهم يدخل مجال الكتابة الأدبية للمرة الأولى.
هل أصبحت الروايات الأولى فعلاً البطاقة الرابحة لدور النشر؟ ربما والأكيد هو أن الظاهرة أصبحت حقيقة ساطعة بدليل النجاحات الأخيرة التي حصدها بعض الكتاب الجدد منذ العمل الأول: «البلد الصغير» للكاتب غاييل فاي بيعت بأكثر من 500 ألف نسخة، ليتيسيا كولومباني وروايتها «الضفيرة» بيعت بأكثر من 330 ألف نسخة أما أوليفي بوردو وروايته «في انتظار بوجوغل» فأكثر من 350 ألف نسخة. هذا لا يعني بأن القيمة الأدبية لم تكن عالية، والدليل تقدمه بالأرقام صحيفة هوفينتغون بوست التي نشرت دراسة تفيد بأنه من بين الثمانين جائزة التي منحت للروائيين منذ عام 2008 (11) منها كانت لروائيين جدّد تمكنوا من انتزاع اعتراف النّقاد منذ العمل الأول. وتقول السيدة دارموسون بأن مجرد إضافة عبارة «الرواية الأولى» لوحدها أصبحت كفيلة باستقطاب اهتمام الصحافة التي تخصص في كل موسم دخول أدبي صفحاتها الأولى للروائيين الجدد مراهنة على مواهب جديدة.
- الكتب المنتظرة
موسم الدخول الأدبي ليس فقط فرصة لانتقاء الأعمال الأدبية الجيدة وتسليط الضوء عليها ولكن أيضاً تقديمها للجوائز الأدبية. من الكتب الفرنسية المنتظرة رواية كريستوفر بولتانسكي «المراقب» الكاتب الفرنسي الذي كان قد فاز عام 2015 على جائزة فيمينا عن روايته «المخبأ». وهو يعود هذه السنة مع رواية من وحي الواقع تستكشف أجزاء متناثرة من حياة والدته، الناشطة السابقة ضد الحرب في الجزائر والمولعة بالقصص البوليسية. وككل سنة تعود الروائية البلجيكية أميلي نوتومب، وهي المتعودة على تصدر قائمة الكتاب الأكثر مبيعاً، هذه المرة برواية «أسماء محايدة بين الجنسين» وهي الرواية الخامسة والعشرون مع دار نشر ألبان ميشال القصّة. وتغوص الرواية في أعماق العلاقة التي تربط أبا بابنته.
عشاق الأدب يترقبون أيضاً الرواية الجديدة لجيروم فيراري الفائز بجائزة «غونكور» عام 2012 وعدة جوائز فرنسية أخرى.
أما الممثل الفرنسي فيليب تورتون، فهو فاجأ الجميع بنشره للمرة الأولى رواية «جاك في الحرب». وقد سبق وأن نشر مجموعة نصوص مسرحية بعنوان «جدتي» قوبلت بالترحيب. الرواية الجديدة للممثل الفرنسي تروي حكاية والده ومشاركته في «حرب الأندوشين» بداية الخمسينيات.
دائماً ضمن سجل الروائيين الجدّد الذين يثيرون اهتمام النّقاد ندرج اسم آلان موبونكو وروايته «اللقالق الخالدة» التي تدور أحداثها في الكونغو وطنه الأصلي عبر أعين مراهق يعيش تجربة الاستعمار.
بالنسبة للكتاب الفرنكوفونيين يحتل المغاربة الصدارة دون مفاجأة بمواضيع العنف والأصولية التي سبق وأن تناولوها مراراً. الجزائري ياسمينة خضرا يحاول في روايته «خليل» تحليل دوافع شاب مغربي سقط في فخّ شبكة إرهابية. وفي نفس الوقت يصدر مواطنه بوعلام صنصال روايته الجديدة «قطار إغلنغر أو تحول الرب» للتحذير من أخطار الأصولية.
- أميركا ضيفة الشرف
ثلث إصدارات الدخول الأدبي لهذا الخريف هي أجنبية المصدر على أن حصّة الأسد فيها (54 في المائة) تعود للأدب الأنجلوسكسوني. من بين مجموع الروايات الأجنبية المعروضة هذه السنة 46 هي لروائيين جدد أيضاً يكتبون للمرة الأولى.
من الروايات المنتظرة هذه السنة «الضغينة» لدان شاؤون الحائز على جائزة الأكاديمي أووارد عام 2006 وهي رواية تتناول إشكالية البحث عن الهوية في قالب بوليسي. الصحافة النقدية اعتبرتها «أحسن رواية لـ2018» بحسب نيويورك تايمز، الواشنطن بوست ولوس أنجليس تايمز. وستتحول القصّة قريباً لمسلسل تلفزيوني.
جيفري اوجينيدس الحائز على البوليتزر عام 2004 يعود هذه السنة بمجموعة قصصية جديدة لفتت الانتباه بعنوان «دواعي التذمر» وهي تستحضر عدة شخصيات من واقع حياة الأميركي المتوسط في أسلوب سردي ساخر وحزين في نفس الوقت.
الحضور النسوي جسدته الكاتبة البريطانية زادي سميث التي تلقت منذ بداياتها الكثير من الثناء النقدي وكانت رواياتها «أسنان بيضاء» قد أدرجت ضمن أفضل الروايات البريطانية حسب مجلة التايم كما فازت بجائزة أنسفيلد وولف عام 2006. وهي تنشر هذه السنة روايتها الجديدة «سوينغ تايم» عن الصداقة القوية بين فتاتين والصّلة الوثيقة بين الفرد والجماعة. المنتظر أيضاً جديد سلمان رشدي «دار غولدن» والكاتب الآيسلندي جون كالمان ستيفانسون الذي سبق وحصد عدة جوائز للروايات الأجنبية في فرنسا وهو يعود هذه السنة برواية مؤثرة عن الحب المستحيل بعنوان «أستا».
على أن تنظيم الدخول الأدبي يتمّ هذه السنة تحت راية «مهرجان أميركا» الذي ينظم كل سنتين، هذه السنة تكريماً للأدب الأميركي في 22 و23 من شهر سبتمبر (أيلول) في معرض فنسان مع الكاتب جون إرفينغ كضيف شرف حيث تقوم دار نشر «لو سوي» بإعادة طبع روايته «العالم حسب غارب» وبحضور مجموعة من الروائيين من أميركا وكندا.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك
TT

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية ضد مظاهرة للطلبة في تلاتيلوكو عام 1968. وعلى الرغم من مشاعر الاحترام التي تكنها الشاعرة لزميلها المكسيكي الكبير فإنها لم تستطع تلبية طلبه هذا، لأنها وجدت القصيدة سيئة. ربما يكون هذا مقياساً لعصرنا الذي ينطوي من جديد على صحوة سياسية، ليس أقلها بين الشباب، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الشرطة للمتظاهرين وتطلق النار عليهم كما حدث عام 1968، فإن شاعرة «غير سياسية» بشكل نموذجي مثل أليخاندرا بيثارنيك تشهد اليوم انبعاثاً جديداً، ففي إسبانيا لقيت أعمالها الشعرية نجاحاً حقيقياً وهي مدرجة بانتظام في قوائم أهم شعراء اللغة الإسبانية للألفية الفائتة، وهي تُقرأ وتُذكر في كل مكان، بالضبط كما حدث ذلك في الأرجنتين خلال السبعينات.

وإذا لم أكن مخطئاً، فإن هذا النوع المميز من شعرها «الخالص» يُفهم على أنه أبعد ما يكون عن السياسة. إن انجذابها للاعتراف، وسيرتها الذاتية الأساسية، إلى جانب التعقيد اللغوي، تمنح شعرها إمكانية قوية لمحو الحدود بين الحياة والقصيدة، تبدو معه كل استعراضات الواقع في العالم، كأنها زائفة وتجارية في الأساس. إنها تعطينا القصيدة كأسلوب حياة، الحياة كمعطى شعري. وفي هذا السياق يأتي شعرها في الوقت المناسب، في إسبانيا كما في السويد، حيث يتحرك العديد من الشعراء الشباب، بشكل خاص، في ما بين هذه الحدود، أي بين الحياة والقصيدة.

تماماَ مثل آخرين عديدين من كبار الشعراء في القرن العشرين كانت جذور أليخاندرا بيثارنيك تنتمي إلى الثقافة اليهودية في أوروبا الشرقية. هاجر والداها إلى الأرجنتين عام 1934 دون أن يعرفا كلمة واحدة من الإسبانية، وبقيا يستخدمان لغة اليديش بينهما في المنزل، وباستثناء عم لها كان يقيم في باريس، أبيدت عائلتها بالكامل في المحرقة. في الوطن الجديد، سرعان ما اندمجت العائلة في الطبقة الوسطى الأرجنتينية، وقد رزقت مباشرة بعد وصولها بفتاة، وفي عام 1936 ولدت أليخاندرا التي حملت في البداية اسم فلورا. لقد كانت علاقة أليخاندرا بوالديها قوية وإشكالية في الوقت نفسه، لاعتمادها لوقت طويل اقتصادياً عليهما، خاصة الأم التي كانت قريبة كثيراً منها سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، وقد أهدتها مجموعتها الأكثر شهرة «استخلاص حجر الجنون».

في سن المراهقة كرست أليخاندرا حياتها للشعر، أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» ووفقاً لنزعات واتجاهات الخمسينات الأدبية ساقها طموحها إلى السُريالية، وربما كان ذلك، لحسن حظها، ظرفاً مؤاتياً. كما أعتقد بشكل خاص، أنه كان شيئاً حاسماً بالنسبة لها، مواجهتها الفكرة السريالية القائلة بعدم الفصل بين الحياة والشعر. ومبكراً أيضاً بدأت بخلق «الشخصية الأليخاندرية»، ما يعني من بين أشياء أُخرى أنها قد اتخذت لها اسم أليخاندرا. ووفقاً لواحد من كتاب سيرتها هو سيزار آيرا، فإنها كانت حريصة إلى أبعد حد على تكوين صداقات مع النخب الأدبية سواء في بوينس آيرس أو في باريس، لاحقاً، أيضاً، لأنها كانت ترى أن العظمة الفنية لها جانبها الودي. توصف بيثارنيك بأنها اجتماعية بشكل مبالغ فيه، في الوقت الذي كانت نقطة انطلاق شعرها، دائماً تقريباً، من العزلة الليلية التي عملت على تنميتها أيضاً.

بعد أن عملت على تثبيت اسمها في بلادها ارتحلت إلى باريس عام 1960، وسرعان ما عقدت صداقات مع مختلف الشخصيات المشهورة، مثل خوليو كورتاثار، أوكتافيو باث، مارغريت دوراس، إيتالو كالفينو، وسواهم. عند عودتها عام 1964 إلى الأرجنتين كانت في نظر الجمهور تلك الشاعرة الكبيرة التي تمنت أن تكون، حيث الاحتفاء والإعجاب بها وتقليدها. في السنوات التالية نشرت أعمالها الرئيسية وطورت قصيدة النثر بشكليها المكتمل والشذري، على أساس من الاعتراف الذي أهلها لأن تكون في طليعة شعراء القرن العشرين. لكن قلقها واضطرابها الداخلي سينموان أيضاً ويكتبان نهايتها في الأخير.

أدمنت أليخاندرا منذ مراهقتها العقاقير الطبية والمخدرات وقامت بعدة محاولات للانتحار لينتهي بها المطاف في مصحة نفسية، ما ترك أثره في كتابتها الشعرية، بطبيعة الحال. وهو ما يعني أنها لم تكن بعيدة بأي حال عن الموت أو الأشكال المفزعة، إلى حد ما، في عالم الظل في شعرها بما يحوز من ألم، يعلن عن نفسه غالباً، بذكاء، دافعا القارئ إلى الانحناء على القصيدة بتعاطف، وكأنه يستمع بكل ما أوتي من مقدرة، ليستفيد من كل الفروق، مهما كانت دقيقة في هذا الصوت، في حده الإنساني. على الرغم من هذه الحقيقة فإن ذلك لا ينبغي أن يحمل القارئ على تفسير القصائد على أنها انعكاسات لحياتها.

بنفس القدر عاشت أليخاندرا بيثارنيك قصيدتها مثلما كتبت حياتها، والاعتراف الذي تبنته هو نوع ينشأ من خلال «التعرية». إن الحياة العارية تتخلق في الكتابة ومن خلالها، وهو ما وعته أليخاندرا بعمق. في سن التاسعة عشرة، أفرغت في كتابها الأول حياتها بشكل طقوسي وحولتها إلى قصيدة، تعكس نظرة لانهائية، في انعطافة كبيرة لا رجعة فيها وشجاعة للغاية لا تقل أهمية فيها عن رامبو. وهذا ما سوف يحدد أيضاً، كما هو مفترض، مصيرها.

وهكذا كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عبارة عن قصيدة، في الشدة والرخاء، في الصعود والانحدار، انتهاءً بموتها عام 1972 بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب، وقد تركت على السبورة في مكتبها قصيدة عجيبة، تنتهي بثلاثة نداءات هي مزيج من الحزن والنشوة:«أيتها الحياة/ أيتها اللغة/ يا إيزيدور».

ومما له دلالته في شعرها أنها بهذه المكونات الثلاثة، بالتحديد، تنهي عملها: «الحياة»، و«اللغة»، و«الخطاب» (يمثله المتلقي). هذه هي المعايير الرئيسية الثلاثة للاحتكام إلى أسلوبها الكتابي في شكله المتحرك بين القصائد المختزلة المحكمة، وقصائد النثر، والشظايا النثرية. ولربما هذه الأخيرة هي الأكثر جوهرية وصلاحية لعصرنا، حيث تطور بيثارنيك فن التأمل والتفكير الذي لا ينفصل مطلقاً عن التشابك اللغوي للشعر، لكن مع ذلك فهو يحمل سمات الملاحظة، أثر الذاكرة، واليوميات. في هذه القصائد يمكن تمييز نوع من فلسفة الإسقاط. شعر يسعى إلى الإمساك بالحياة بكل تناقضاتها واستحالاتها، لكن لا يقدم هذه الحياة أبداً، كما لو كانت مثالية، وبالكاد يمكن تعريفها، على العكس من ذلك يخبرنا أن الحياة لا يمكن مضاهاتها أو فهمها، لكن ولهذا السبب بالتحديد هي حقيقية. في قصائد أليخاندرا بيثارنيك نقرأ بالضبط ما لم نكنه وما لن يمكن أن نكونه أبداً، حدنا المطلق الذي يحيط بمصيرنا الحقيقي الذي لا مفر منه، دائماً وفي كل لحظة.

* ماغنوس وليام أولسون Olsson ـ William Magnus: شاعر وناقد ومترجم سويدي. أصدر العديد من الدواوين والدراسات الشعرية والترجمات. المقال المترجَم له، هنا عن الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك، هو بعض من الاهتمام الذي أولاه للشاعرة، فقد ترجم لها أيضاً مختارات شعرية بعنوان «طُرق المرآة» كما أصدر قبل سنوات قليلة، مجلداً عن الشاعرة بعنوان «عمل الشاعر» يتكون من قصائد ورسائل ويوميات لها، مع نصوص للشاعر وليام أولسون، نفسه. وفقاً لصحيفة «أفتون بلادت». على أمل أن تكون لنا قراءة قادمة لهذا العمل. والمقال أعلاه مأخوذ عن الصحيفة المذكورة وتمت ترجمته بإذن خاص من الشاعر.