شربل روحانا في تحية إلى روح سيد درويش وعبقريته

اختتام «مهرجانات بيبلوس الدولية» بالنشيد الوطني المصري

الحفل الختامي لمهرجانات بيبلوس كرم شيخ الملحنين سيد درويش
الحفل الختامي لمهرجانات بيبلوس كرم شيخ الملحنين سيد درويش
TT

شربل روحانا في تحية إلى روح سيد درويش وعبقريته

الحفل الختامي لمهرجانات بيبلوس كرم شيخ الملحنين سيد درويش
الحفل الختامي لمهرجانات بيبلوس كرم شيخ الملحنين سيد درويش

عشرات الفنانين اللبنانيين من عازفين موسيقيين ومغنين وكورس، بقيادة الملحن والمغني وأحد أشهر عازفي العود في لبنان شربل روحانا، اجتمعوا معاً في حفل ختامي لـ«مهرجانات بيبلوس الدولية» لتكريم الكبير سيد درويش شيخ الملحنين ورائد النهضة العربية الموسيقية، وهو الذي أنزل الألحان الراقية من الصالونات المترفة إلى قارعة الطريق، فاستحق من منظمي المهرجان لفتة لمكانته المرموقة ومن شربل روحانا عملاً جاداً ومبدعاً، لتوليف باقة من أجمل ما ترك مع إعادة توزيع، وتحديث، واختيار الأصوات التي بمقدورها أداء تلك الأغنيات الخالدة والمستمرة منذ أكثر من ثمانين سنة، كأنها ابنة اليوم، وطالعة من رحم الراهن.
عزف عذب لمقطوعات موسيقية مختارة بعناية، موشحات، طرب وطقاطيق، وعودة بين الحين والآخر إلى سيرة شيخ الملحنين الاستثنائية، إن في قصرها حيث مات ميتة غامضة عن عمر 31 عاماً، أو في كثافة نتاجها وعمقه وعلو شأنه وقدرته على الاستمرار والتأثير في الأجيال اللاحقة في كل المنطقة العربية. فترة لا تزيد عن عشر سنوات ألف خلالها سيد درويش كل تلك الروائع التي خلفها وراءه، حتى بدا وكأنه ينضح بالموسيقى ولا يستدعيها، ويرشح بالألحان ولا يطاردها لتلين له.
جيلبير رحباني ورفقة فارس غنيا معاً، أو كل منهما بشكل منفرد غالبية الموشحات المختارة في مطلع الحفل، من «يا شادي الألحان» إلى ذاك الموشح القديم الذي لحنه سيد درويش «نم دمعي من عيوني ونما. في فؤادي قلق. لم أكن أعهده يجري دماً. قبل عهد الأرق»، ثم «زاد وجدي وانحنى لتقبيل الورد من شفاهك»، و«يا بهجة الروح جد لي بالوصال. دا الفؤاد مجروح ولا له احتمال»، وكذلك تلك الأغنية الشهيرة جداً «خفيف الروح بيتعاجب برمش العين والحاجب. خفيف الروح».
تحدث شربل روحانا مفتتحاً الحفل قائلاً: «إنها ليلة سيد درويش الآتي من شط إسكندرية إلى شاطئ جبيل حاملاً معه عبق الماضي بقساوته وحنانه محاكياً هذا الزمن. سيد درويش الذي كان يحلو له أن ينهي مقالاته بعبارة (خادم الموسيقى العربية) لم يكن في الواقع سوى سيد من أسيادها».
على آلات شرقية وغربية عزفت الفرقة وأطربت، وبقي شربل روحانا يعزف وقوفاً ينطق عوده أعذب الترانيم والمقطوعات، مشرفاً على مسار الحفل، مشاركاً قليلاً جداً في الغناء، وكأنما كل ما يعنيه هو أن يكون سيد درويش هو المتوج هذه الليلة، وسيرته كما إرثه موضع إعادة اكتشاف من الحضور، وبينهم شباب يانعون. حتى تلك الأغنيات التي لا يعرفها الجمهور كثيراً، بدت ضرورية لإكمال المشهد، قبل أن يأتي دور الأغاني الشعبية المشهورة التي ذاع صيتها في كل العالم العربي، وأداها المغنون تكراراً إعجاباً واعترافاً بالجميل، كما «سالمة يا سلامة»، و«طلعت يا محلا نورها»، و«أنا هويت وانتهيت».
يكتب للفنان عيسى غندور الذي أدى عدداً كبيراً من الأغنيات بحيوية ومهارة كبيرتين أنه أضاف للحفل نكهة خاصة، فهو ممن يعرفون هذا العبقري جيداً، وكان قد أصدر ألبوماً «درويشياً» خاصاً. مقاربة سيد درويش صوتاً ولحناً وثقافة تحتاج إعادة اندماج بفترة تبدو بعيدة للبعض اليوم بسبب الاغتراب وفقدان البوصلة. عيسى غندور على تماس مع التراث ومصر والتاريخ، وهذا بدا جلياً في الصوت وتلاوين الحنجرة والاندغام في اللحن.
حين وصل دور أغنية «يا بلح زغلول» شرح غندور أن سيد درويش (الذي لم تغب صورته بشعره الكثيف عن الشاشة العملاقة) كان يحب المناضل سعد زغلول كما هو معلوم، ولما أخذ الاستعمار الإنجليزي يعاقب كل من ينطق باسمه، غنى هذه الأغنية، التي أخذ يرددها الناس، وصار اسمه على كل شفة ولسان دون أن يتمكن أحد من أن يقف حائلاً دون ذلك.
رسم مايسترو الحفل شربل روحانا مساراً تصاعدياً لحماس الجمهور، وخبأ للحضور الأغنيات الأكثر شعبية إلى النصف الأخير من الحفل. وبعد «زنجي زنجي» السودانية الكلمات، الطريفة المعاني، و«الشيالين» التي هي واحدة من «ريبرتوار» العمال والكادحين الذين غنى لهم درويش وأبدع، كانت «أهو دا اللي صار» ثم «زوروني كل سنة مرة»، و«يا عزيز عيني أنا بدي أروح بلدي». هذا الزواج الفني بين كاتب كلمات غالبية الأغنيات بديع خيري وفنان الشعب سيد درويش اتضح بأبهى حلة في هذه الليلة المخصصة للأصالة الحديثة التي لا تذوي.
ومفاجأتان في النهاية؛ أغنية ألفها ولحنها شربل روحانا مهداة إلى سيد درويش أداها المغنون الثلاثة، وهم يرددون «سيد درويش خليتنا نعيش مع الصنايعيه المساكين...»، وينادونه: «فينك يا شيخ سيد فينك الناس كلها جات علشانك». أما المفاجأة الثانية فهي ترك النشيد الوطني المصري الذي لحنه سيد درويش للنهاية، حيث وقف على المسرح المغنون المشاركون في الحفل، مع شربل روحانا عازفاً والجوقة معهم ليؤدوا بصوت حماسي واحد هذا النشيد الجميل «بلادي بلادي بلادي. لك حبي وفؤادي. مصر يا أم البلاد. أنت غايتي والمراد»، ويقف الجمهور تصفيقاً وتحية لدرويش ومصر والموسيقىص العربية التي رفعها «فنان الكادحين» و«نصير الثوار» إلى حيث تتسامى بالناس جميعاً إلى أنبل المقامات. وهذا هو عمل المبدعين حين يكونون أصيلين. كسب شربل روحانا التحدي، وهو الذي لم نعتده بهذا القرب من سيد درويش، وقدم بإمكانات متواضعة واحداً من أجمل وأغنى حفلات الصيف اللبناني.
وكان محقاً مارسيل خليفة حين كتب لابن خالته شربل، الذي رافقه لسنوات طويلة في مشواره الفني، عشية هذا الحفل مشجعاً: «لن تلقي يا شربل تحيتك العابرة للسيّد هذا المساء، بل سترخي على حيرة الروح رهافة الموسيقى وتعيدها إلى السماء ترّف الليلة تعود إلى جبيل، لتغنّي وتعزف وأنت تسير إلى البحر. ارم للسيّد عباءة روحك لكي يستريح نجم السماء البعيد. خذنا إلى بحر إسكندريّة. إن كل البلاد وطن». تحية لروح سيد درويش.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.