مصائر مختلفة لروايات تركها أصحابها غير منتهية

قناة بريطانية ستحول رواية «سانديتون» لجين أوستن إلى دراما تلفزيونية

نابوكوف في مكتبه مع زوجته فيرا
نابوكوف في مكتبه مع زوجته فيرا
TT

مصائر مختلفة لروايات تركها أصحابها غير منتهية

نابوكوف في مكتبه مع زوجته فيرا
نابوكوف في مكتبه مع زوجته فيرا

فاجأت قناة «ITV» البريطانية جمهورها بقرار تحويل رواية «سانديتون» غير المكتملة للروائية جين أوستن، إلى عمل درامي ينطلق تصويره في ربيع عام 2019. الخبر الدرامي يفتح التساؤل على مصير النصوص التي يموت كتابها قبل أن ينتهوا منها، وإن كان للنص غير المكتمل لجين أوستن فرصة إضافة فصول أخرى ونهايات متعددة، فإن بعض الأعمال تواجه مصيراً تراجيدياً.
تتناول رواية «سانديتون» حكاية الشابة شارلوت هايوود التي تنتقل إلى قرية هادئة قرب الساحل، حيث تلتقي شاباً يحاول أن يحول المنطقة إلى منتجع سياحي جاذب. الرواية كتبت عام 1817، أي قبل شهور فقط من رحيل الكاتبة بمرض لم يمهلها طويلاً.
عندما توفيت أوستن في يونيو (حزيران) من ذلك العام، كانت روايتان من أعمالها وهما «نورذانغر آبي» و«بيروسويشن» لم تطبعا بعد، قبل أن تظهر مخطوطة «سانديتون» بـ11 فصلاً فقط، التي وصفتها صحيفة «الغارديان» بأنها لافتة من ناحية تعاملها مع «الجنسوية» قياساً بمسار أعمال أوستن.
كما اكتشفت مخطوطة رواية أخرى غير مكتملة لا تحمل مقدمة ولا نهاية، تحمل فقط عنواناً عرفت به في الأوساط الأدبية وهو «آل واتسون».
أما رواية «سانديتون» محل الإنتاج التلفزيوني المقبل، فقد استكملت من قبل أكثر من كاتبة، بينها واحدة مجهولة، في عام 1932، ظهرت نسخة باسم أليس كوبيت، وظهرت رواية عام 1975 تحمل اسم كاتبين (جين أوستن وسيدة أخرى). وهذه الكاتبة الأخرى، سارت على خط أوستن في الكتابة، «غير أنها منحت شخصياتها مزيداً من التحرر». وكشفت الروائية عن اسمها لاحقاً، وهي ماري دوبس. غير أن نهاية أخرى للرواية ظهرت باسم الكاتبة آن تلسكومب. واستمرت النسخ تتوالى حتى وصلت إلى سبع على الأقل، بحسب كاثلين جيمس كفان الباحثة المختصة بالروائية جين أوستن، التي قدمت بحثاً عن الرواية في مؤتمر استضافه جامعة كامبردج صيف عام 2017. وكشفت الباحثة كفان عن أن ابنة أخ الكاتبة جين أوستن، آن، قدمت تكملة للرواية قد تكون هي الأكثر إقناعاً، باعتبار أن جين ناقشت معها القصة والشخصيات ولا بد، وهي مطلعة على كثير من التفاصيل. وتابعت أن غالبية من أكملوا الرواية أضافوا شخصيات جديدة، وتخلوا عن الحس الكوميدي فيها، وأخذوها باتجاه آخر. كما أن بعضهم حاول أن يقلد أسلوب الكاتبة، فجاء مسطحاً، بحسب قولها.
بعض النسخ أعادت فيها المؤلفات إنشاء سرد جين أوستن الذي يتسم بالسلاسة. لكن ما يحدث عادة في استكمال أعمال أدبية، هو إعداد أو تقليد، ما يقودنا لكتابة مختلفة تماماً عما هو متوقع من الكاتب الأصلي للنص.
الكلام عن نسخة غير مكتملة لرواية جين أوستن يقودنا إلى الحديث عن ظاهرة الأعمال غير المكتملة، التي تضع ورثة الكاتب في مأزق اتخاذ القرار، كما حصل مع زوجة وابن الكاتب الروسي الأصل الأميركي الجنسية فلاديمير نابوكوف صاحب رواية «لوليتا» التي ساهمت في شهرته الواسعة عندما صدرت بالإنجليزية عام 1955، واعتبرت من أهم روايات القرن العشرين. نابوكوف ولد عام 1899 وتوفي عام 1977، غير أنه أوصى زوجته عندما كان مريضاً، أن تحرق مخطوطة «ذي أوريجينال أوف لورا» إن هو توفي قبل أن يكملها. وهذا ما حصل فقد رحل الروائي الشهير بعد شهرين من وصيته.
غير أن الزوجة فيرا لم تقتنع بتنفيذ الوصية، وتركت المخطوطة تنتظر في خزانة البيت، وأوصت ابنها ديمتري «ألا يحرق (لوراً)»، مشددة عليه: «اترك المخطوطة تجمع الغبار». هكذا أوصت فيرا زوجة فلاديمير نابوكوف ابنها ديمتري قبل وفاتها عام 1991، بعدما رفضت أن تحرقها هي شخصياً.
بعد وفاة الأم عاش فلاديمير الابن وهو موسيقي ومغني أوبرا ومترجم، حيرة حيال مخطوطة «لورا»، فكتب لصحافي أميركي يدعى رون روزنبيرغ، عام 2007، أنه ربما يتخلص من المخطوطة احتراماً لرغبة والده - وليس رغبة والدته -، لأنه يشعر بنفسه مريضاً وقد يتوفى في أي لحظة (كان في الواحدة والسبعين من العمر). وقال إنه يحفظها في خزانة خاصة في بنك سويسري بمعرفة صديق.
ونشر روزنبيرغ مضمون الرسالة الإلكترونية في صحيفة «نيويورك أوبزيرفر»، لتثير ضجة أدبية تناقلتها الصحف الأخرى عبر المحيط الأطلنطي مروراً بأوروبا وصولاً إلى روسيا. فالخبر المنشور أزعج الدارسين المهتمين بالأدب وبأعمال نابوكوف تحديداً.
لا تتعدى صفحات المخطوطة غير المكتملة ولم يكن يعرف عن مضمونها إلا القليل. وتوقع روزنباوم، نقلاً عن معلومات قريبة من عائلة نابوكوف، أن يكون الروائي الشهير قد حقق في المسودة الأولية لهذه الرواية ثورة في الشكل الأدبي. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» كشفت عام 1989 أن نابوكوف كان ينوي أن يجعل منها رواية قصيرة. أما الروائي نفسه فلم يتحدث عنها علناً، وربما كانت المرة الوحيدة التي نوّه بها إلى أحد، عندما بعث رسالة إلى صديق قبل موته بثمانية أشهر، قال له فيها: «بدأت أكتب (ذي أوريجينال أوف لورا) قبل مرضي، وهي مكتملة تماماً في رأسي، وربما راجعتها خمسين مرة. وقرأتها بصوت عال على جمهور حالم محدود، في حديقتي المسورة. وكان جمهوري يتألف من طواويس وحمام ومن والدي المتوفين منذ دهر، وممرضات شابات يتحركن من حولي، إضافة إلى طبيب للأسرة طاعن في السن إلى حد أنه يكاد يكون غير مرئي».
الضجة التي أحدثها التقرير الصحافي دفعت دار «بنغوين» الشهيرة إلى نشرها عام 2009 تحت عنوان فرعي: «مقتطفات من رواية» مع عنوان فرعي: «الموت هو بهجة».
وبسبب أن نابوكوف كان يكتب بقلم رصاص على بطاقات صغيرة (كما يفعل الباحثون) كل ما يخطر بباله حول الرواية من أفكار. ظهرت المقاطع المنشورة في الكتاب من دون رابط واضح، وترك للقارئ نباهة الربط بينها! وهو أمر أثار استياء النقاد ومراجعي الكتب في الصحف.
يتناول النص غير المكتمل شخصية د. فيليب وايلد، الرجل شديد الذكاء ذي الثروة الهائلة، الذي يتعرض للإذلال على يد زوجته، الأصغر سناً والقاسية. تسجل الرواية خيانتها له عبر رسائل من أحد عشاقها واستمراء وايلد لهذه الإهانة.
غير أن مراجعات النقاد لم تتحمس للنسخة التي طلب صاحبها أن تحرق، ولم تلقَ الوصية آذاناً صاغية.
يفضل عشاق جمع المخطوطات، من جهتهم، أن تبقى النسخة غير المكتملة كما هي والاقتناع بما وصل إليه الكاتب في كتابتها قبل رحيله. وقد بيعت نسخة أصلية من رواية غير مكتملة لجين أوستن في أغسطس (آب) 2011، في مزاد علني بمبلغ يقارب المليون دولار، وهو أكثر ثلاثة أضعاف السعر الذي وضع لها في الأساس. النسخة لا تحمل مقدمة ولا نهاية، تحمل فقط عنواناً عرفت به في الأوساط الأدبية وهو «آل واتسون». ويشير الباحثون في أعمال وحياة جين أوستن، الروائية الأكثر إلهاماً لأفلام السينما والدراما التلفزيونية مع مواطنها الروائي تشارلز ديكنز، أنها توقفت عن كتابة نص الرواية عندما شعرت أنها غير قادرة على التمييز بين مجريات حياتها الخاصة وبين حبكة النص الروائي.
غير أن المخطوطة شهدت محاولة إكمالها من قبل أكثر من جهة بينها ابنة أخت الروائية منتصف القرن التاسع عشر، وظهرت في القرن العشرين في عدة نسخ، بينها واحدة للكاتبة جوان إيكن المتخصصة في أدب الأطفال، تحت عنوان «إيما واتسون... استكمال آل واتسون».
في كل الأحوال لم تنجح أي من النسخ التي استكملت الروايتين الخاصتين بجين أوستن في أن تفرض نفسها على عالم الأدب في بريطانيا.
ومن الروايات الأخرى غير المنتهية التي حظيت باهتمام أدبي وإعلامي، وكنا أشرنا لها سابقاً، رواية للكاتب تشارلز ديكنز عنوانها «غموض إدوين درود» التي كان يشتغل عليها وتوفي بجلطة دماغية عام 1870، قبل أن يحلّ ملابسات اختفاء الشخصية الرئيسية، وهو رجل يحمل الاسم نفسه الموجود في عنوان الرواية. هناك علاقة ملتبسة تربطه بخطيبته روزا باد وخاله جون غاسبر مدرب الغناء الكنسي الذي يحب روزا التي هي تلميذته في الوقت نفسه. إلا أن كاتبة السيناريو البريطانية غوينز هيوز، وضعت خاتمة من خيالها عندما أعدت دراما تلفزيونية تستند إلى هذه الرواية بتكليف من تلفزيون «بي بي سي» عرضت عام 2011.
قبل ذلك، حاول بعض الكتاب وضع خاتمة للرواية مستندين إلى بضعة أسطر أرسلها ديكنز إلى جون فورستر كاتب سيرته وصديقه، من ذلك ما نشره روبرت نيويل الكاتب الأميركي الساخر بعد وفاة ديكنز بقليل، محاكاة للرواية بعنوان «القدم المتشققة». أما في عام 1986 فقد عرض النص كمسرحية موسيقية على مسارح برودواي في مدينة نيويورك، وفتح باب النقاش مع الجمهور لحل غموض اختفاء إدوين درود.
الأمثلة على المصير الذي تواجهه المخطوطات الروائية غير المكتملة كثيرة في تاريخ الأدب. لكنها كلها تقودنا إلى نتيجة أنه من الأفضل أن يترك النص الذي تركه صاحبه كما هو للدارسين وهواة اقتناء الوثائق من أفراد ومتاحف، لأن الدخول في عقول الراحلين صعب تحقيقه.



مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».