كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين

علاقتها بموسكو تثير حفيظة خصومها داخل البلاد وخارجها

كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين
TT

كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين

كارين كنايسل... وزيرة «مستعربة» تدافع عن نهج اليمين النمسوي ضد اللاجئين

بالكثير من الحميمية والقليل من الدبلوماسية، رقصت وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حفل زفافها. وتمايلت الوزيرة اليمينية بين ذراعي «سيد الكرملين» أمام عدسات الكاميرات و200 مدعو. ولم تتردد، في اختتام الرقصة التقليدية بالانحناء أمامه انحناءة عميقة وطويلة، في تقليد تؤديه عادة الراقصات في النمسا... متناسية أنها و«شريكها» ليسا مجرد راقصين. فهي وزيرة خارجية دولة في الاتحاد الأوروبي تشغل حالياً رئاسة الاتحاد، أي تمثل أوروبا، وهو رئيس دولة عزلتها أوروبا في السنوات الماضية بسبب «تصرفاتها العدائية» في أوكرانيا بشكل أساسي. وبالتالي، التقطت الكاميرا الانحناءة وترجمتها الصحافة، ومعها، المعارضة السياسية بأنها دليل على «خضوعها» لسياسات موسكو.
الصور التي خرجت أخيراً من حفل زفاف وزيرة الخارجية النمساوية اليمينية كارين كنايسل تسببت في ضجة كبيرة، وانتقادات قاسية، ليس فقط من الأحزاب المعارضة في النمسا، لكن من الصحافة المحلية والأوروبية أيضاً. أما أوكرانيا فقد علّقت فوراً بأن «أي وساطة قد تريد النمسا أن تلعبها، بينها وبين روسيا، قد انتهت قبل أن تبدأ؛ لأنها لم تعد دولة حيادية».
ما زاد من غرابة هذا الزفاف أن كنايسل ليست صديقة مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ذلك أن علاقتها به فتية لا تتعدى الأشهر القليلة منذ تسلمها منصبها نهاية العام الماضي. وزفافها من المفترض أنه خاص وحميم. وهي لم تحوّله إلى «مهرجان سياسي»، ولم تدعُ من الزعماء الأجانب إلا بوتين، كما أن عدد المدعوين لم يتخط المائتين. فما سر هذه الحميمية مع بوتين؟ وما الضرر الذي تسببت فيه؟
الواقع، أن كنايسل لا تنتمي رسمياً إلى أي حزب سياسي، لكن حزب الحرية اليميني المتطرف، الشريك في الائتلاف الحكومي الحالي، هو الذي سماها لمنصب وزيرة الخارجية. قبول كنايسل هذه التسمية بدا للبعض بأنه يتناقض مع شخصيتها وتاريخها، فهي تعتبر نفسها «مستعربة»، تفهم العرب والمسلمين وتعرف تاريخهم جيداً. إذ عاشت الوزيرة طفولتها في الأردن، حيث كان والدها طياراً مع العاهل الراحل الملك حسين، ويقال إنه لعب دوراً بإنشاء الطيران الملكي الأردني. وهي تتحدث العربية بطلاقة، وسبق لها أن حاضرت لفترة في جامعة القديس يوسف (اليسوعية) في العاصمة اللبنانية بيروت. وهي تقول عن علاقتها بالشرق الأوسط، إنها «لم تكن لتصبح الشخص الذي هي عليه اليوم» لو لم تعش طفولتها هناك. ومن هنا، كان قبلوها تمثيل حزب متطرّف يعادي المسلمين واللاجئين السوريين ويرفض استقبالهم، أمراً مستغرباً عند كثيرين.

طفولة في عمّان
لكن الحقيقة، أن كنايسل، رغم أنها تربّت في الأردن وتنقّلت بين عمّان وبيروت والقدس لسنوات طويلة، وتتحدث العربية بطلاقة من بين لغات أخرى، تحمل أفكاراً قريبة جداً من أفكار اليمين المتطرّف.
وبعد قبولها تولي حقيبة الخارجية في حكومة المستشار النمساوي اليميني سيباستيان كورتز، أجرت معها مجلة «در شبيغل» الألمانية مقابلة في فبراير (شباط) من العام الحالي، وسألتها عن سبب قبولها تمثيل حزب متطرّف. فردّت بأن قرارها لم يكن سهلاً. لكن قلقها وتردّدها، أو تفكيرها الطويل قبل قبول المنصب، لم يكن له علاقة بسياسة الحزب، بل بعملها الذي كانت تؤديها. وأضافت إنها «تحب ما تفعله»، أي الصحافة والتعليم، ولم تكن تريد التغيير.
وعندما سألتها «در شبيغل» عن رأيها بالهجرة، وتقاربها في ذلك من موقف حزب الحرية، قالت «في خريف عام 2015 عندما كان الجميع في أوروبا يتكلّم عن سياسة الترحيب (باللاجئين) عبّرت أنا عن آراء مختلفة، وقلت حينذاك أن انتبهوا لأن الأمر أكثر تعقيداً!». وأضافت تروي، أنها هي شخصياً أوت عائلات سورية لاجئة، وساعدت أفرادها على الانتقال إلى ملجأ. وتابعت تقول «الواقع أن هناك كماً كبيراً من الشبان الغاضبين تركوا بلادهم لعجزهم عن إيجاد وظائف ومن دون أي رؤية لمستقبلهم». وبهذا حذفت كنايسل الهدف الأساسي الذي دفع مئات آلاف السوريين إلى المخاطرة بحياتهم وعبور البحار والغابات للوصول إلى أوروبا طلباً للحماية من نظام يقتلهم ويدمّر منازلهم.
لكن لعل تصريحاتها تلك في عام 2015 كانت مفتاح دخولها إلى الحكومة. إذ اتصل بها حزب الحرية الذي أعجبته أفكارها المعادية للمهاجرين على الرغم من خلفيتها الشرق أوسطية، وطلب منها إلقاء محاضرات. وهكذا بدأت علاقتها بالحزب المتطرّف، ومن ثم توثّقت، لتنتهي بأن يطلب منها تمثيله في الحكومة.

العرب واللاجئون
في مقابلة كنايسل مع «در شبيغل» تفصح الوزيرة النمساوية أكثر من ذلك عن طريقة تفكيرها ورأيها بالعرب واللاجئين. إذ بدأت بأنها تدعو لاستقبال مهاجرين «يحملون الأموال» وليس من هم في حاجة إلى حماية. وقالت عندما سُئلت إذا ما كانت تريد إغلاق حدود النمسا كما فعلت المجر لمنع دخول اللاجئين «بالطبع، أوروبا في حاجة إلى مهاجرين يغطّون النقص في سوق العمل. لكن مهندس برامج كومبيوتر هندياً لن يأتي إلى النمسا؛ لأنه يفضل الذهاب إلى دول تتكلم الإنجليزية. إضافة إلى ذلك، فإن هناك أشخاصاً من الشرق الأوسط أعرفهم يقولون لي إن البيروقراطية والقوانين الزائدة تضيف علينا عبئاً، وتجعل من الصعب نقل أعمالنا إلى دولتكم. إنهم يفضلون الذهاب إلى أماكن أخرى. خذوا مثلاً الملياردير (المكسيكي) كارلوس سليم: إنه من قرية في جنوب لبنان وذهب إلى المكسيك مع عائلته حاملين بضعة أكياس بلاستيكية. بالتأكيد علينا أن نغير شيئاً ما في أوروبا…».
إجابتها هذه تخلط بين اللاجئين والمهاجرين، وهو ما سارع محدّثها الصحافي إلى لفت نظرها إليه، فقال لها «لكننا في الوقت الحالي نتحدث عن لاجئين لا عن مهاجرين يبحثون عن فرص عمل». فكان ردها «النمسا لطالما كانت دولة مرحبة. لكن علينا أن نسأل أنفسنا أي أشخاص نرحب بهم!».
وتابعت «أذكر عندما تم إعلان حالة الطوارئ في بولندا وجدنا في صفنا بالمدرسة فجأة 5 تلاميذ من بولندا أتوا بمفردهم. وصلوا إلى النمسا من دون ذويهم... أعرف أيضاً الأمر نفسه حصل مع أشخاص من تشيكوسلوفاكيا والمجر... حافلات محمّلة بأشخاص من كل الأعمار، كبار السن... أطفال... مرضى... ليس فقط رجال يعانون الكبت الجنسي (!). بل أشخاص من دول مجاورة يشاركونا ثقافتنا!».
وبعدما انتقدت سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لقرارها السماح بدخول ما يزيد على مليون لاجئ سوري، أنهت كنايسل حديثها بالإجابة عن سؤال أثار ضجة كبيرة في ألمانيا حول ما إذا كان الإسلام ينتمي للنمسا، فقالت «ليس الإسلام، لكن المسلمين النمساويين هم جزء من النمسا».

سوريا والكيماوي
آراء وزيرة الخارجية النمساوية حول الحرب في سوريا متقاربة أيضاً من الموقف الروسي. إذ كتب فلوريان ماركل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيينا سابقاً ومدير معهد «مينا ووتش» في النمسا، في معرض انتقاده لاختيارها وزيرة للخارجية «بعد أسبوع من الاعتداء الكيماوي المدمّر على ضواحي دمشق، في أغسطس (آب) 2013، أجرت كنايسل مقابلة مع قناة (أو آر أف) تشرح فيها لماذا قرّر (الرئيس الأميركي حينها) أوباما توجيه (تهديد) للنظام السوري. ولم تقتنع كنايسل بأن الاعتداء بالغاز السام الذي وقع ضحيته أكثر من ألف مدني… كان هو السبب». وأضاف أن كنايسل راحت تتحدث «بنظرية بعيدة كل البعد عما حصل، وتقول إن الولايات المتحدة تريد أن تنشط في سوريا لأن هذا سيرفع أسعار النفط وهذا سيفيدها…». وتابع ماركل مستهزئاً برأيها «إذا كان (اعتداء الغوطة) عملية اخترعت لمصالح أميركية… وبهذا التحليل تكون كنايسل قد برّأت الأسد الديكتاتور من أي مسؤولية».
وأضاف ماركل أن وزيرة الخارجية اعتمدت أيضاً موقفاً شبيهاً بعدما رفضت تحميل الأسد مسؤولية اعتداء كيماوي ثانٍ وقع في أبريل (نيسان) 2017، فكتب «نقلت كنايسل في حوار تلفزيوني عن صحافي تركي اسمه كان دوندار عن وجود أدلة تشير إلى أن الاستخبارات التركية هي وراء الاعتداء، وأنها زوّدت (جبهة النصرة) بالأسلحة، وهي التي نفذت الهجوم الكيماوي». وأضاف أن «المثير في رواية كنايسل أن الصحافي دوندار نفسه نفى ما نقل عنه، ووصف الرواية بأنها هراء تام». ورأى الكاتب بأن كنايسل متأثرة بالبروباغندا الروسية - السورية التي تحاول إخفاء الحقيقة.
بطاقة تعريف

- ولدت كارين كنايسل في فيينا عام 1965، وعاشت جزءاً من طفولتها في عمّان، حيث كان والدها يعمل طياراً خاصاً للملك حسين.
- عام 1982 سكنت لفترة لدى عائلة فرنسية أثناء دراستها تساعد في الاهتمام بالأطفال، وكانت تتابع أخبار الحرب اللبنانية بتفاصيلها. ويقال أنها كتبت رسالة للرئيس – آنذاك – أمين الجميل وأنه رد عليها.
- درست القانون واللغة العربية في جامعة فيينا بين عامي 1983 و1987.
- درست العلاقات الدولية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة وفي الجامعة الأردنية في عمّان.
- حصلت على دكتوراه في شؤون الشرق الأوسط بعدما أجرت أبحاثها في مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون بواشنطن.
- تتحدث إلى جانب الألمانية الإنجليزية والفرنسية والعربية والعبرية والإيطالية والإسبانية والمجرية.
- درّست في جامعة القديس يوسف في بيروت، وجامعة فيينا من بين جامعات أخرى، وعلمت صحافية لفترة، وكتبت لعدد من الصحف النمساوية.
- بين عامي 1990 و1998 عملت في مكتب القانون الدولي لمجلس الوزراء النمساوي قبل أن تترك السياسة وتنتقل إلى التعليم والصحافة.
- عادت إلى السياسة عام 2005 عضواً مستقلاً في مجلس بلدية سيبرسدورف.
- بين عامي 2011 و2015 كانت نائباً لرئيس الجمعية النمساوية للدراسات السياسية العسكرية.
- عام 2015 قالت في مقابلة تلفزيونية إن موجة اللجوء التي تشهدها أوروبا أسبابها اقتصادية.
- انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشدة بسبب سياستها الإيجابية إزاء اللجوء، ووصفت صورها «السيلفي» مع اللاجئين بأنها «إهمال فظيع».
- عام 2016 كان زعيم حزب الحرية اليميني المتطرف هاينز كريستيان شتراخا على وشك أن يسميها مرشحته للرئاسة، لكنه عاد فاختار نوربرت هوفر الذي خسر أمام البيئي اليساري الكسندر فان دير بيلين.
- وجهت انتقادات لاذعة للرئيس النمساوي فان دير بيلين تتعلق بشخصية، ومشككة بذكائه. وانتقدت أيضاً البابا فرنسيس لتشبيهه معسكرات اللجوء بمعسكرات الاعتقال النازية.
- عُينت وزيرة للخارجية النمساوية في ديسمبر (كانون الأول) 2017 بعدما سماها حزب الحرية اليميني المتطرف لتمثله.
- تزوجت أخيراً رجل الأعمال وولفغاغ ميلينغر (54 سنة) في حفل في قرية صغيرة على الحدود مع سلوفينيا.


مقالات ذات صلة

يهود يمنعون رئيس البرلمان النمسوي من تكريم ضحايا الهولوكوست

أوروبا رئيس البرلمان النمسوي فالتر روزنكرانتس (أ.ف.ب)

يهود يمنعون رئيس البرلمان النمسوي من تكريم ضحايا الهولوكوست

منع طلاب يهود، الجمعة، أول رئيس للبرلمان النمسوي من اليمين المتطرف، من وضع إكليل من الزهور على نصب تذكاري لضحايا الهولوكوست، واتهموه بـ«البصق في وجوه أسلافنا».

«الشرق الأوسط» (فيينا)
يوميات الشرق المغنية الأميركية تايلور سويفت (أ.ب)

تايلور سويفت شعرت بـ«الخوف والذنب» بعد إحباط خطة لتفجير بإحدى حفلاتها

قالت المغنية الأميركية تايلور سويفت إنها شعرت بـ«الخوف» و«الذنب»، أمس (الأربعاء)، بعد إلغاء حفلاتها الثلاث في فيينا بسبب اكتشاف خطة لتفجير انتحاري خلال إحداها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أعلنت السلطات النمسوية توقيف رجل ثالث بعد الكشف عن خطة لتنفيذ هجوم انتحاري خلال إحدى حفلات سويفت في فيينا (ا.ب)

واشنطن تؤكد تزويد النمسا بمعلومات استخبارية لإحباط هجوم ضد حفلات سويفت

أعلن البيت الأبيض، الجمعة، أن الولايات المتحدة زودت النمسا معلومات استخبارية للمساعدة في إحباط هجوم جهادي» كان سيستهدف حفلات لنجمة البوب الأميركية تايلور سويفت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا المغنية تايلور سويفت في نيو جيرسي بالولايات المتحدة في 28 أغسطس 2022 (رويترز)

الشرطة النمساوية: المشتبه به الرئيسي في «المؤامرة الإرهابية» لعروض تايلور سويفت أدلى باعترافات كاملة

أفادت الشرطة النمساوية بأن المشتبه به الرئيسي في المؤامرة الإرهابية المزعومة التي كانت تستهدف عروضاً للمغنية تايلور سويفت في فيينا، أدلى باعترافات كاملة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا تايلور سويفت خلال حفل بفرنسا في 2 يونيو 2024 (أ.ب)

إلغاء حفلات تايلور سويفت في فيينا بعد كشف مخطط هجوم إرهابي

ألغيت ثلاث حفلات للنجمة الأميركية تايلور سويفت كانت مقرّرة في فيينا هذا الأسبوع، وفق ما أعلن المنظمون الأربعاء، بعد إعلان الشرطة كشف مخطط لهجوم إرهابي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.