مخاوف من عودة هجمات «داعش» على المناطق الغربية في العراق

البغدادي يكذب أنباء موته

TT

مخاوف من عودة هجمات «داعش» على المناطق الغربية في العراق

لم يكن الهجوم الانتحاري الذي نفذه تنظيم داعش على إحدى مناطق الشرقاط (شمال الموصل)، أول من أمس (الثلاثاء)، والذي استهدف فيه الحشد العشائري هناك، هو الأول من نوعه، ومن غير المتوقع أن يكون الأخير، في ظل غياب الحلول السياسية الصحيحة لأزمة تلك المناطق، مثلما يرى السياسيون والخبراء المتخصصون العراقيون.
كان تنظيم داعش، رغم هزيمته العسكرية في العراق أواخر عام 2017، قد شن كثيراً من الهجمات، التي تنوعت بين العمليات الانتحارية والانغماسية والهجمات بمجاميع مسلحة على عدد من المناطق والمدن، بما فيها مناطق قريبة من العاصمة بغداد، مثل التاجي، فضلاً عن نصب السيطرات الوهمية على الطرق الرابطة بين محافظات كركوك وديالى وبغداد، التي جعلت القوات الأمنية العراقية تقوم بعمليات عسكرية مضادة من أجل الحد من تلك الهجمات، ووضع حد نهائي لنشاطه.
وفي وقت أعلنت فيه الجهات الاستخبارية العراقية أنباء أفادت بموت البغدادي سريرياً، وهو ما رفضت واشنطن التعليق عليه، بينما نفاها بعض الخبراء المتخصصين بشؤون الجماعات المسلحة، فإن التسجيل المنسوب إليه أخيراً أعاد إلى الأذهان إمكانية أن يعاود هذا التنظيم أنشطته، خصوصاً في المناطق التي لا يزال له نشاط أو «خلايا نائمة» فيها، وهي المناطق الصحراوية بين نينوى والأنبار التي تنفتح على سوريا، في وقت لا تزال فيه الحدود بين البلدين شبه مفتوحة، بالإضافة إلى المناطق المحصورة بين ديالى وكركوك وصلاح الدين، مثل جبال حمرين والمناطق المحيطة بها.
البغدادي الذي أقر بخسارته الأرض، طبقاً للرسالة، دعا أتباعه إلى مواصلة ما سماه «الجهاد»، وعدم اليأس بعد الخسائر العسكرية التي تعرض لها. ويقول الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» إن «رسالة البغدادي تكشف أربعة أمور مهمة، وهي أنه بالكاد قادر على إطلاق رسالة واحدة في السنة، حيث إنه بعد الخطبة في جامع النوري، التي تم فيها إعلان خليفة (داعش)، زادت المدة الزمنية بين رسائله، أولاً إلى 100 يوم، ثم 200 يوم، ثم 300 يوم».
ويضيف الهاشمي أن «رسالته الأخيرة قبل هذه الرسالة كانت قبل 328 يوماً. وحتى التطورات الكبرى، مثل فقدان الموصل وهزيمة (داعش) العسكرية الشاملة في العراق وسوريا، إضافة إلى وفاة ابنه، لم تكن قادرة على تحسين هذا الروتين»، مبيناً أن «ذلك قد يكون مرتبطاً بكثير من العوامل، إلا أن اختبائه المستمر هو العامل الرئيسي الذي يحد بشكل كبير من قدرته على الاستجابة للأحداث الكبرى، وإظهار قيادة فعالة لمسلحيه».
والأمر الثاني، مثلما يرى الهاشمي، أن «البغدادي يريد شن هجمات على الغرب، وهو أمر جديد، حيث إنه يبين من جهة أنه اعتراف واضح بأن (داعش) تدهور بشدة في مناطق عملياته التقليدية، وبالتالي بدأ بالبحث عن هجمات قوية وكبيرة من قبل المسلحين والمتعاطفين معه في الخارج. ومن جهة أخرى، هذا الأمر يؤكد كيف أن البغدادي منقطع عن الواقع، حيث إن كثيراً من مقاتليه الأجانب يريدون فقط الحفاظ على حياتهم، والاختفاء عن الأنظار. يريد البغدادي لمقاتليه الموت حتى يتمكن من الاستمرار في خداعه لبضعة أشهر أخرى».
ويتابع الهاشمي قائلاً: «الأمر الثالث هو مشكلة المصداقية، حيث إن البغدادي يطلب الآن من مسلحيه ألا يهتموا لفقدانهم المدن، لكن هذا لم يكن الحال في رسائله السابقة، عندما وعدهم بانتصارات مجيدة»، موضحاً أن «الأمر الرابع هو ما يتعلق بجودة الصوت، حيث بدت ضعيفة مملة، وهو ما يعني أن وسائل إعلام (داعش) لم تعد قادرة على إنتاج منتجات عالية الجودة مثل الأفلام، حيث من الواضح أن فريق الدعاية في (داعش) قد رحل، ولم يتمكن (داعش) من استبداله. وهذه ليست قضية ثانوية، فقد كانت هذه الدعاية ذات القدرات الإنتاجية العالية واحدة من أفضل أدوات (داعش) في جذب المقاتلين الشبان الأجانب، الذين أمضوا طفولتهم وشبابهم في ثقافة البوب العالمية».
من جانبه، يرى الخبير العسكري العميد ضياء الوكيل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان التنظيم قادراً على معاودة شن الهجمات ثانية بطريقة تثير المخاوف، أن «تنظيم داعش انتهى عسكرياً بلا شك، وفقد كثيراً من حواضنه، ولم يعد المجتمع المحلي يتعاطف معه، لكن المشكلة لا تزال تكمن في البدائل التي يجب اتباعها من أجل عدم إنهاك القوات المسلحة بهجمات مستمرة هنا وهناك، وعدم منح التنظيم الفرصة لإعادة تنظيم وضعه»، مشيراً إلى أن «الحلول في تلك المناطق التي لا يزال لـ(داعش) وجود فيها، بشكل أو بآخر، ليست عسكرية، بل سياسية، مثل إعادة النازحين وتعويضهم، وبناء المدن المدمرة، وإجراء مصالحة حقيقية من أجل دمج الجميع في عجلة الدولة».
ويضيف الوكيل أن «(داعش) يحاول اتباع سياسة استنزاف المؤسسة العسكرية، من خلال قيامه بهجمات مسلحة في مناطق مختلفة هنا وهناك، وفيما بينها مساحات شاسعة، الأمر الذي يجعل من حركة القطعات أمراً في غاية الصعوبة، يضاف إلى ذلك أنه دون التقدم في الحل السياسي، فإن الحل العسكري غير مضمون، لأنه من الصعوبة بمكان نشر جيش وشرطة وحشد في كل هذه المساحات الشاسعة من الأرض».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.