رحلة المخرج داميان شازيل الطويلة نحو الفضاء

«فينيسيا» يفتتح دورته الـ75 بفيلمه الجديد «الرجل الأول»

داميان شازيل
داميان شازيل
TT

رحلة المخرج داميان شازيل الطويلة نحو الفضاء

داميان شازيل
داميان شازيل

بعد نجاح فيلماه «وبلاش» و«لا لا لاند» يستعد المخرج داميان شازيل لتقديم فيلمه الثالث «فيرست مان» في افتتاح الدورة الجديدة من مهرجان فينيسيا التي ستنطلق في التاسع والعشرين من هذا الشهر وتستمر حتى الثامن من الشهر المقبل.
إنها الدورة الخامسة والسبعين. مهرجان فينيسيا هو شيخ المهرجانات العالمية منها وكل مهرجان آخر مهما كبر أو صغر. وهو شهد أول لقاء بينه وبين المخرج الأميركي الشاب شازيل قبل عامين عندما قدم فيلمه «لا لا لاند» على شاشته في الدورة 73.
آنذاك لم يفز «لا لا لاند» بجائزة أفضل فيلم في المهرجان الإيطالي العريق، لكن بطلته إيما ستون نالت جائزة أفضل ممثلة. بالأهمية ذاتها دخل ذلك الفيلم الموسيقي - العاطفي ترشيحات الأوسكار في العام التالي (2017) وخرج بستة أوسكارات في الإخراج والتصوير «لينو ساندغرِن» والموسيقى «جستين هورفيتز» وأفضل أغنية كتبت خصيصاً للفيلم «بنجي باسك وجستين بول» وأفضل تصميم، كما نالت ممثلته الأولى إيما ستون أوسكار أفضل ممثلة.
هذا من بين 12 ترشيحاً من بينها أفضل فيلم وأفضل سيناريو «شازيل» وأفضل تمثيل رجالي أول «ريان غوزلينغ».
لكن هذا الفوز في نصف عدد الترشيحات شهد حدثاً غريباً من نوعه عندما تم الإعلان، بخطأ غير مقصود، عن أن «لا لا لاند» هو الذي نال أوسكار أفضل فيلم. هذا بدا منطقياً له وللمنتجين فصعدوا المنصة وانتظروا التتويج. لكن الخطأ تبدى عندما أعلن أن الفيلم الفائز هو «مونلايت» وبدأ صعود مخرجه باري جنكينز وفريق إنتاجه إلى المنصة. هذا الخطأ هو الوحيد من نوعه في تاريخ الأوسكار ووقوف فريقي فيلمين مختلفين على المنصة لقبول جائزة أفضل فيلم أمر لم يقع له مثيل من قبل.
قبل ذلك وخلال موسم الجوائز الممتد من سبتمبر (أيلول) إلى نهاية فبراير (شباط) حظي الفيلم الذي أعاد فن الميوزيكال إلى الشاشة بنجاح كبير حصد الفيلم أكثر من 220 جائزة أخرى ولو أن معظمها ليس من مناسبات سنوية كبيرة والكثير منها جوائز من جمعيات نقدية حول العالم.
في الوقت ذاته بلغت أرباحه العالمية 445 مليون و636 ألف دولار وهو الذي تكلف 30 مليون فقط دولار لصنعه.
فيلم شازيل الأول «وبلاش» كان نوعاً من إعلان الولادة السينمائية له. ووسط صفحات من المباركات النقدية تسلل ذلك الفيلم إلى نجاح مقبل قدره 50 مليون دولار. الرقم كبير بالنسبة لميزانية ذلك الفيلم التي لم تتعد ثلاثة ملايين و300 ألف دولار.
- وهج رومانسي
الآن في فيلمه الجديد، «الرجل الأول»، ينتقل المخرج إلى عداد الميزانيات الكبيرة في هذا الفيلم الذي يتناول سيرة نيل أرمسترونغ (1930 - 2012) أول ملاح فضائي يمشي على سطح القمر.
أكثر من أن الرحلة التي أطلقتها ناسا في مارس (آذار) 1966 كانت تمهيداً لنقلة تاريخية يقدم عليها الإنسان للمرة الأولى، فإنها كانت خطوة خطرة تجاه المجهول. كانت السينما وزعت أشراراً ومخلوقات متوحشة على كل كوكب كبير رصدته، والقمر في بعض تلك الأفلام، كان من بينها. لكن تأليف حكايات من المغامرات الخيال علمية شيء وولوج المغامرة فعلياً شيء آخر. هذا ما يوجه شازيل التفكير إليه في مقابلاته القليلة التي أجراها حول فيلمه الجديد.
يقول لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر»، على سبيل المثال، «لا نفكر بكم هو خطر القيام، في ذلك الحين برحلات فضائية. ربما نتذكر بعض الكوارث التي حدثت لكن تفكيرنا السائد يقودنا إلى الانتصارات المنجزة. ما نراه هو العلم وهو يخفق وما نسمعه هو الترومبيت وهو يُعزف، وكل هذا يبدو (فعلاً) نبيلاً وسهلاً».
ما نستنتجه من هذا الكلام هو أن شازيل أراد نقلنا إلى مزج بين الحقيقة والواقع وكلاهما غير ما ساد ولا يزال حول رحلات الفضاء التي تتمتع اليوم بقدر أقل من وهج الأيام السالفة التي كان الفضاء مجال منافسة وسباق بين القوتين العظمتين. وما يرغب به المخرج بالتالي هو نوع من إيقاف الوهج الرومانسي حول تلك الرحلات وتقديم وجه أكثر واقعاً، وإذا ما كان أكثر واقعية فهو أكثر إثارة للخوف.
داميان شازيل يبقى أصغر سينمائي نال أوسكار الإخراج. عمره آنذاك كان 31 سنة (من مواليد سنة 1985) وهو ولد من أب أميركي وأم فرنسية وعاش متنقلاً بين البلدين مكتسباً هوية وطنين وثقافتين أيضاً. بواعثه لكي يصبح مخرجاً بدأت في جذورها في سن مبكرة. لم يكن يعرف بعد ما هو الإخراج لكنه في سن الخامسة تعلق بالسينما عندما كانت والدته تصطحبه معها لمشاهدة الأفلام.
بعد ذلك تحول التعجب من تلك الصور المتحركة إلى إدمان لازمه حتى دخل جامعة هارفارد في الثامنة عشرة من عمره ليتخرج في كلية الفنون البصرية. كان شغفه كبيراً لدرجة أنه خلال فترة دراسته حقق فيلماً قصيراً بالإسبانية من دون أن يجيد كلمة واحدة منها.
رغم ذلك الشغف والبذل لم يجد شازيل النجاح مقدماً له على طبق جاهز. حين انتقل لكي يعمل ويعيش في هوليوود وجد نفسه غير قادر على تأمين سكن صغير لأنه غالباً ما كان يمضي الوقت بحثاً عن عمل. انتقل كثيراً ما بين الشقق الصغيرة واضطر لمشاركة السكن مع أشخاص آخرين.
في سنة 2008 قرر أن المعجزات لن تحدث وأن عليه تغيير وجهته وعوض أن يكتب لنفسه سيناريوهات لا يريد تنفيذها أحد قرر أن يكتب سيناريوهات لسواه من تلك التي تبيع. أول سيناريو باعه، حسب قوله وليس حسب مراجع متداولة، كان «الادعاء» (The Claim) سنة 2000 وهو وسترن (سيء التنفيذ من المخرج مايكل وينتربوتوم) تمت إعادة كتابته ولم يظهر اسم شازيل عليه. ما هو مؤكد أنه شارك كتابة «10 كلوفيرفيلد لاين» الذي كان فيلم رعب تم لاحقاً خلق أجزاء أخرى منه.
في عام 2016 قام شازيل بتصوير 18 دقيقة من «سوط» (Whiplash) وعرضه في مهرجان صندانس. استرعى الفيلم انتباه شركة باراماونت فعرضت عليه إخراج «10 كلوفيرفيلد لاين (قبل أن يتولى إخراجه شاب آخر اسمه دان تراشتنبيرغ) لكن شازيل أبى وتمسك برغبة تحقيق فيلم طويل مستمد من الفيلم القصير الذي قام بتحقيقه. هذا الإصرار قاده إلى تحقيق النسخة التي شاهدناها في مهرجان صندانس سنة 2014 قبل أن تلف العالم بأسره.
صوره شازيل في 19 يوماً وجلب إليه ممثلين غير نجوم بينهم ج. ك. سيمونز ومايلز تَلر ودار حول تلميذ يتدرب على الطبل (درمرز) ومعلمه الذي أراد فرض منهجه القاسي ليتأكد من موهبة تلميذه.
إنجاز «لا لا لاند» كان معركة أخرى. بدأت عندما سعى شازيل لتحقيق الفيلم وأخفق في إيجاد التمويل المطلوب. قرر استبداله بمشروعه الحالي «ذ فيرست مان»، لكن رايان غوزلينغ كان سمع بـ«لا لا لاند» وحبذه. هذا ما أعاد الكرة إلى ملعب ذلك الفيلم الموسيقي. مع اسم غوزلينغ استطاع شازيل التغلب عن المصاعب الإنتاجية وتم له تحقيق ذلك الفيلم الموسيقي قبل الالتفات إلى فيلم الفضاء الذي سيرتسم على شاشة مهرجان فينيسيا بعد أيام.


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.