مقبرة رومانية في غزّة... أسرار دفينة تنتظر «الخروج»

المقبرة الرومانية على أطراف غزّة («الشرق الأوسط»)
المقبرة الرومانية على أطراف غزّة («الشرق الأوسط»)
TT

مقبرة رومانية في غزّة... أسرار دفينة تنتظر «الخروج»

المقبرة الرومانية على أطراف غزّة («الشرق الأوسط»)
المقبرة الرومانية على أطراف غزّة («الشرق الأوسط»)

اكتشفت في الشتاء الماضي على الأطراف الشرقية لقطاع غزة مقبرة رومانية، حين فوجئ الشاب محمد الكفارنة برائحة كريهة تنبعث من حفرة صغيرة في الأرض تسببت بها مياه الأمطار، فتعاون مع أصدقائه في الحفر بحثاً عن مصدر الرائحة.
"في البداية خلنا أن ثمة جيفة حيوان فيها. وراحت الرائحة تزداد قوة كلما عمّقنا الحفر، فخشينا أن يكون في الحفرة جثة إنسان، وأن جريمة ما ارتكبت هنا". وأضاف الكفارنة لـ"الشرق الأوسط": "واصلنا الحفر حتى اصطدمنا بحجر عريض يسد فوهة المكان، وعندما أزحناه رأينا سلماً حجرياً صغيراً يقود إلى الأسفل وفخارتين على جانبيه، وفي بهو الحفرة مداخل منفصلة لستّ غرف صغيرة فيها عظام متهالكة".
فهم الكفارنة وأصدقاؤه على الفور أنهم حققوا اكتشافاً أثرياً، فتواصلوا مع رئيس بلدية قرية بيت حانون الذي أبلغ بدروه وزارة السياحة والآثار. وبعد معاينة المكان، أكد المدير العام للسياحة والآثار في قطاع غزة الدكتور جمال أبو الرب أن المقبرة تعود إلى العصر الروماني مستدلاً بقطع من الفخار وجدت في المكان، ناهيك بالعشوائية في اتجاه القبور.
وقال أبو الرب: "الرومان كانوا وثنيين، لذا لم تتخذ قبورهم اتجاها واحدا كالمسلمين نحو القبلة، أو كالمسيحيين أقدام الجثث غرباً والرؤوس شرقاً. وهذا كان دليلاً كافياً لنستنتج ما هي الحقبة التي تعود إليها هذه المقبرة".
المدفن عبارة عن غرفة صغيرة تحت سطح الأرض تتفرع منها ست حجرات غير مسقوفة، في داخل كل منها بقايا عظام، والقليل من الفخاريات التي تسلمتها وزارة السياحة والآثار قبل أن تأمر بردم المكان الذي لن تستطيع التنقيب فيه بسبب غياب الإمكانات المادية واللوجستية.
أوضح أبو الرب: "نعتقد أن مساحة المدفن تبلغ نحو ثلاثة دونمات على أقل تقدير. للأسف لا تملك وزارة السياحة والآثار المبلغ اللازم لاستملاك الأرض وإجراء عمليات التنقيب، لذا كان الحل ردم الموقع إلى أن يتوافر المال اللازم للعمل".
ورجّحت عالمة الآثار والخبيرة في التاريخ الفلسطيني هيام البيطار بعد معاينتها للمقبرة أنها بنيت بين 103 و100 قبل الميلاد، وتعود غالب الظن إلى عمال مقيمين في المنطقة التي كانت صحراوية في ذلك الوقت وتبعد عن قلب مدينة غزة.
تاريخياً كانت بلدة بيت حانون في الحقبة الرومانية مقلعاً لحجارة الكركار – حجر رمليّ - لأنها مبنية على تلة من الكركار، وكان فيها عدد من العمال المقيمين في المنطقة للعمل كمبتعثين، يبقون فيها فترة، ومن يتوفّاه الله منهم يُدفن في المكان.
وأضافت البيطار: "عادة ما تبنى المقابر على أطراف المدن، ووجود المقبرة في هذا المكان النائي في ذلك الوقت يستبعد أن تكون خاصة بالعائلات أو الجنود والقادة الرومان، كتلك التي نقبنا عنها ما بين العامين 1996 و1997 شرق مدينة غزة وقرب أطراف المدينة".
ولفتت البيطار إلى أن فلسطين تضم الكثير من الآثار الرومانية في مدنها، كالكنيسة البيزنطية في البيرة، وكنيسة جباليا البيزنطية، ومقبرة العسكر وملعب سباق الخيل والمسرح الروماني وقبر النبي يحيى في نابلس، والحمام البيزنطي في النقب.
وتتميز المقابر الرومانية بالنقش على الصخور والحجارة، ناهيك باعتماد الرومان على الدفن بالفسقيات، وهي غرف تحتوي على أكثر من جثة، مثل المقبرة المكتشفة حديثاً وفق البيطار التي قالت: "لا أؤكد كل هذه المعلومات قبل حصول حفريات أثرية تكشف سعة المكان، والمنقوشات فيه، وكل القطع الفخارية".

*من «مبادرة المراسل العربي»


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
TT

الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)

يعمل الباحثون في كلية الطب البيطري والعلوم الطبية الحيوية في جامعة تكساس إيه آند إم بالولايات المتحدة مع خبراء الطيران الحر للببغاوات والشركاء في البرازيل، في محاولة لزيادة معدّل نجاح إطلاق الببغاوات الأسيرة في البرية.

في دراستهم المَنشورة في مجلة «بيردز» (Birds)، أطلق الفريق بنجاح قطيعاً صغيراً من ببغاوات المكاو الزرقاء والصفراء، بهدف التّعرض التدريجي للبيئة الطبيعية، من أجل إعداد هذه الببغاوات للبقاء على قيد الحياة في البرية.

وبعد عامين، لا تزال جميع الطيور الستة قيد الدراسة على قيد الحياة، كما أنها نجت حتى من حريق غابات كان قد حدث في المنطقة.

قال الدكتور دونالد برايتسميث، أستاذ في قسم علم الأمراض البيطرية في جامعة تكساس إيه آند إم: «الببغاوات هي واحدة من أكثر مجموعات الطيور المهددة بالانقراض في العالم».

وأضاف في بيان صادر الثلاثاء: «بالنسبة للعديد من الأنواع، فإن أفضل أمل لدينا لزيادة أعدادها هو تربيتها في الأسر ومن ثَمّ إطلاق سراحها. لكن بعض البرامج تنفق آلاف، بل وملايين الدولارات على تربية الببغاوات في الأسر، فقط لتكتشف أن هذه الطيور غير قادرة على البقاء على قيد الحياة في البرية لأنها لا تمتلك ما يكفي من «الخبرة في العالم الحقيقي».

وتستخدم الطريقة الجديدة استراتيجية «تدريب الطيران الحر» الواعدة لأنها تستفيد من التّطور الطبيعي للببغاوات مع السّماح للباحثين بالتحكم في متغيرات معينة مثل الموقع، على سبيل المثال.

«نحن نسهل على الببغاوات الصغيرة تعلّم الطيران والانضمام إلى القطعان والهرب من الحيوانات المفترسة من خلال تعريضها بعناية للمواقف التي قد تواجهها عادةً على أي حال، ويجري كل ذلك بما يتناسب مع كل مرحلة من مراحل النمو»، كما قال كريس بيرو من منظمة «أجنحة الحرية» (Liberty Wings).

وشدّد الدكتور كوني وودمان، مدير برنامج منح الابتكار في مجال الحفاظ على البيئة التابع لوزارة الزراعة الأميركية في جامعة تكساس إيه آند إم، على أن «هذه الطريقة فعالة بشكل لا يصدق لأنها لا تتطلّب أجيالاً من النوع نفسه تعلم كيفية البقاء في بيئة معينة عن طريق التجربة والخطأ».

وأوضح: «من خلال التحليق في بيئة الإطلاق ومشاهدة البالغين المدربين، يمكن لطيورنا التي أُطلق سراحها أن تتعلّم بسرعة مهارات البقاء الأساسية وزيادة فرص بقائها بشكل كبير».

يبدأ إعداد طيور الببغاوات الأسيرة للبقاء في البرية عندما تكون الطيور صغيرة، في الوقت الذي تبدأ فيه النظر بفضول حول العالم خارج العش.

«قبل أن يبدأ الببغاء الصغير في التحليق يبدأ بالتسلق والنظر إلى العالم الخارجي»، كما قال بيرو. «بالفعل، يقوم هذا الفرخ بإنشاء قاعدة بيانات ذهنية لما هو طبيعي في عالمه. إذا رأى حيواناً مفترساً، فسيكون ذلك خارجاً عن المألوف، لذا على الفرخ أن يتعلّم كيفية الرد على التهديدات».

في مرحلة لاحقة من النمو، تُشجّع الفراخ على المشي على عصي مصمّمة لهذا الغرض، ثم القفز إلى عصي أخرى قريبة. ومن هناك، تبدأ في تعلّم الطيران.

«لمساعدة الفراخ على تعلّم الطيران سرباً، نُدرّبها حتى مع الفراخ الأخرى والطيور البالغة المدربة، حتى تتعلّم الانتقال من (النقطة أ) إلى (النقطة ب) معاً وفي أسراب»، كما قال برايت سميث.

وفي الليل وبين جلسات التدريب، تستريح الببغاوات بأمان في القفص، حيث تتلقى الطعام والماء. ولكن مع مرور الوقت، تقضي الطيور الصغيرة وقتاً أقل فأقل في القفص ومع الطيور البالغة، كما تتعلم كيفية العثور على الطعام والماء بنفسها.

قال برايتسميث: إن «جزءاً رئيسياً من هذه العملية هو في الواقع كسر الرابط بين الببغاوات والبشر الذين كانوا يطعمونها».

وأوضح أنه في عمله مع الببغاوات، اكتشف كريس بيرو أنه عندما يبلغ عمر الكتاكيت الصغار نحو 8 أشهر، فإنها تبدأ بالابتعاد عن والديها وتصبح مستقلة. نتأكد من فطام الطيور عن التغذية اليدوية بحلول هذا الوقت حتى تنتقل إلى أن تكون طيوراً برّية مستقلة، تماماً كما تفعل مع والديها».