قوة التواصل الاجتماعي لا يستهان بها لأنك بـ«هاشتاغ» واحد يمكن أن «تصنع قرية» تتفق معك على قضية

كان يوما من أيام باريس المشمسة، وكانت العارضة آشلي غراهام تتربع على كرسي، مستوحى من أسلوب لويس الـ14. وكأنها ملكة متوجهة. بلكنتها الأميركية سارعت بالحديث، وكأنها تريد أن تكسر أي حاجز بيننا، عن مدينة مراكش وكيف أحبتها وهي تعدد لي الأماكن التي زارتها والمطاعم والأطباق التي جربتها وكأن طعمها لا يزال عالقا في فمها. كان من الممكن أن نقضي نصف الساعة التي كانت مقررة لي، ونحن نتحدث عن أي شيء وكل شيء لولا تململ مسؤولة العلاقات العامة وكأنها تريد أن تُذكرني بهدف اللقاء مع عارضة تعتبر أول من فتح الأبواب أمام العارضات البدينات، إذا كان قياس 16 أو 18 يعد كذلك. الآن هي أشهر من نار على علم، ويمكن القول إنها نجمة تقدر ثروتها بالملايين، في زمن أصبحت فيه الموضة تعانق الاختلاف بكل أشكاله.
بالرغم من أنها وصلت من الولايات المتحدة إلى باريس للتو، فإن معالم التعب لم تكن تظهر عليها على الإطلاق. كانت منطلقة تتحدث عن كرهها لتعداد السعرات الحرارية، وكيف أن اختيار الأزياء المناسبة، ولا سيما الملابس الداخلية، يمكن أن يساعد أي فتاة على تحقيق إطلالة جذابة أيا كان مقاسها. بالحديث معها تكتشف أنها ليست مجرد عارضة أزياء بمقاس كبير ولا مجرد مصممة ملابس بحر وملابس داخلية، بل هي أيضا متحدثة جيدة ومدافعة شرسة عن حقوق المرأة وضرورة تمكينها. في كل شهر تقريبا تُلقي محاضرة لزيادة التوعية بين الفتيات، ومن يتابعونها على حساب الإنستغرام، عن أهمية حب الذات.
بالنسبة لها فإن تجاهل ذوات المقاسات الكبيرة، لم يعد معقولا ولا أخلاقيا، وبالتالي يجب أن تكون كل المقاسات ممثلة في عروض الأزياء العالمية، حتى تشعر بأن الموضة تحتضنها «فهذا هو الهدف من الموضة أليس كذلك؟!». تسأل هذا السؤال وتجيب عنه في الوقت ذاته...
- أحب باريس كثيرا وأعشق أن آتي إليها كلما سنحت لي الفرصة. هذه هي رابع زيارة لي فيها وأظن أنني محظوظة هذا الموسم لأن الطقس رائع، كما أن التشكيلة التي أبدعها «فاوستو بوغليسي» مفعمة بالأنوثة والمرح.
- أنا سعيدة للغاية أن الموضة تعانق الاختلاف حاليا، لكني أذكر أني عندما بدأت في هذا المجال منذ 18 سنة، كان العالم مختلفا تماما. أغلب هذه السنوات قضيتها في صراعات ومحاولات لفرض الذات، فأنا لم أبدأ بملاحظة التغيير تجاه الاختلاف سوى في السنوات الثلاث الأخيرة. كان ذلك عندما تصدرت غلاف مجلة «سبورتس إليسترايتر» الأمر الذي غير حياتي كليا. كانت الصور صادمة، لكنها جعلت العالم ينتبه إلى أن الامتلاء لا يستحق المجافاة، بل قد يكون قوة.
- رغم أني عبّدت الطريق لعارضات ممتلئات، فإن هذا لا يعني أنه لم يكن غيري في الساحة. كانت هناك دائما عارضات ممتلئات، لكن بأعداد قليلة، وإن كان وجودهن يقتصر على أميركا. الآن أصبحن في كل مكان من العالم ويحصلن على عقود عمل مهمة، تُخول لهن الظهور في حملات دعائية، وفي عروض الأزياء وبرامج تلفزيونية وهلم جرا. في السابق كانت عقود العمل معهن تقتصر على المجلات الخاصة بالملابس الداخلية.
- لا أدعي أنني رائدة، فكل ما قمت به أني فتحت بابا كان مواربا بعض الشيء، على مصراعيه، وسلطت الضوء على أن العيب ليس في الوزن بل فيما يُخلفه من عدم الثقة والخجل من انحناءات وتضاريس الجسد. قوتي تبدو في صوري التي تقول دائما بأني تصالحت مع نفسي وتقبلت هذه التضاريس بحق. لم أعد أتعامل معها كعيب بل كميزة.
- لا أنكر أني عندما كنت في سن المراهقة وبداية حياتي كان حلمي أن أنقص وزني بأي شكل لأصبح بمقاس عارضات الأزياء النحيفات. اتبعت كل الحميات الغذائية التي يمكن أن تخطر على البال. كانت التأثيرات الخارجية قوية ولا يمكن تجاهلها أو التقليل منها. فصناع الموضة كانوا يفرضون وجهة نظر معين، مثلا هذا مصور لا يقبل تصوير أي عارضة إلا إذا كانت تتوفر على معايير رسمها في ذهنه، كذلك المصممون وغيرهم، الأمر الذي يدفع أي فتاة صغيرة أن تشعر بأنها غير مرغوب فيها وبالتالي تعمل كل ما في جهدها لتحصل على بطاقة الانتماء والدخول إلى هذا النادي النخبوي، ولو على حساب صحتها النفسية والجسدية.
- لا يمكنني أن اتهم الموضة وحدها، لأنه حتى في الحياة العامة كان هذا الرأي سائدا. أذكر جيدا أني وقعت في غرام شاب وأنا في مقتبل العمر، لكنه رفضني لا لسبب إلا لأنني بمقاس كبير. قال لي آنذاك إنه خائف أن أصبح سمينة مثل والدته إذا تزوجني. عندما تسمع أي فتاة صغيرة، نقدا مثل هذا، فإنها لا بد أن تفقد ثقتها بنفسها وتبدأ بالنظر إلى نفسها نظرة سلبية. وهذا ما حصل معي عندما انتقلت من نيبراسكا، مسقط رأسي، إلى نيويورك وأنا في الـ17 من العمر. أذكر أن وزني زاد عوض أن ينقص، لأني لم أكن سعيدة في حياتي. وصلت إلى الحضيض وفكرت في العودة إلى نيبراسكا، لكن والدتي منعتني من العودة. ذكرتني بأحلامي وبواحد من الدروس التي تؤمن بها وهي ألا نتوقف في منتصف الطريق. كانت تقول دائما «إذا بدأت عملا فأكمليه إلى الآخر». لم أفهمها آنذاك واعتقدت أن رد فعلها كان قاسية، لكني الآن فهمت الدرس جيدا، وسعيدة أنها فرضت عليّ البقاء في نيويورك وإعادة المحاولة من جديد، لأني بدأت من الصفر لكن بعد أن تعلمت من أخطائي.
- أهم شيء تعلمته أن أحب نفسي وكل جزء من جسدي. أصبحت أتعامل مع شكلي بحب، عوض الرفض. كان هذا بداية التغيير، الذي ما إن اعتمدته حتى تغيرت نظرة الآخرين تجاهي. فهذه الإيجابية انعكست على حياتي الشخصية وعلى عملي، لأفهم أخيرا أن المسألة لا تتعلق بالشكل الخارجي، بل كيف نتعامل مع أنفسنا، وهذا ما شجعني على إلقاء المحاضرات لتمكين المرأة وفي الوقت ذاته توعية صغار السن بأن قوتهم تكمن في الداخل وليس في السطح.
- المصمم الذي أعطاني فرصتي الأولى هو مايكل كورس. كنت أول بدينة يستعين بها في عروضه. وكانت ردود الأفعال جد إيجابية من قبل زبوناته اللواتي كن من كل الأعمار والأحجام. فجأة شعرن بأنه أصبح لهن وجود على منصات العرض، وهذا تحديدا ما كنت أحلم به. فرغم أن مهمتي الأساسية هي عرض أزياء أنيقة والظهور بها في مناسبات مهمة، إضافة إلى تصدر صوري أغلفة المجلات، لكنني أريد أيضا أن أغير حياة الناس، بأن أكون مثالا تحتذي به المرأة أو على الأقل أن تفيد تجربة أخريات.
- هناك مصممون يسبحون ضد التيار، مثل كريستيانو سيريانو وغيره، لكن الأغلبية لا تزال تتبع الوصفة التقليدية نفسها. قد تكون مملة ومستهلكة من وجهة نظري الخاصة لكني لا أريد أن أفرضها على غيري لأن لكل شخص رأيه ورؤيته. نيويورك كانت سباقة في تقبل الاختلاف والتنوع، وأتمنى أن تلحق بها باريس وباقي العواصم العالمية قريبا. فكارل لاغرفيلد، مثلا ينوي تقديم تشكيلة لمن هن فوق مقاس 14، كذلك «ديور» تخطو خطوات حثيثة بهذا الاتجاه، لكن الطريق لا يزال طويلا.
- الفضل في التغيير الذي تشهده صناعة الموضة في هذا المجال يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي. فهي التي غيرت النظرة إلى الموضة والجمال، لأننا لا يجب أن ننسى أن المدوِّنات فتيات عاديات لهن مقاييس مختلفة. وما قمن به أنهن استعملن وسائل التواصل الاجتماعي كمنبر للتعريف بما يطمحن إليه، وطرح ترجمتهن للموضة بطريقتهن الخاصة، الأمر الذي كان له دور كبير في حصولهن على اهتمام المتابعين ومن بعدهم بيوت الأزياء والتجميل. أنا من المؤمنات بقوة التواصل الاجتماعي لأنك بـ«هاشتاغ» واحد يمكن أن تصنع قرية تتفق معك على قضية أو إطلالة ما.