«القاعدة» شبكة إرهابية في مرحلة التمدد

الظواهري يتبنى استراتيجية جديدة تبتعد عن البهرجة الإعلامية

«القاعدة» شبكة إرهابية في مرحلة التمدد
TT

«القاعدة» شبكة إرهابية في مرحلة التمدد

«القاعدة» شبكة إرهابية في مرحلة التمدد

تركزت الجهود الدولية في منطقة الشرق الأوسط منذ 2014 على خلق آليات فعالة، ونسج تحالف دولي واسع النطاق ضد تنظيم داعش الإرهابي. وفي الوقت الذي بزغ نجم تنظيم أبو بكر البغدادي، اختار أيمن الظواهري تبني استراتيجية جديدة تقوم على دعامات ثلاث؛ الأولى تركزت حول الاستمرار في بناء تنظيم شبكي وفيدرالي عالمي، بعيدا عن البهرجة الإعلامية، والتوحش الداعشي. والثانية، فرض الحضور القاعدي بسوريا، عبر المزاوجة بين الدور المحوري للقيادات التاريخية، وتشبيب الهيكل التنظيمي بأرض الشام.
في الوقت نفسه اعتمدت الاستراتيجية الجديدة التسويق الآيديولوجي حيث تعتبر سوريا هي أفغانستان الثانية، وهو ما يمنح للقاعدة شرعية تاريخية لقيادة ما تعتبره «جهاداً» ضد الكفار والنظام والصليبين.
أما الدعامة الثالثة، فتمثل نوعا من تطوير التصور اللامركزي للتنظيم، من حيث بناء التصورات الآيديولوجية، وممارسة الفعل الإرهابي عبر تنظيمات محلية لها ولاء مطلق لشبكة القاعدة العالمية.
ويبدو أن تقييم تطور أداء تنظيم القاعدة على المستوى العملياتي، ساهم في ظهور أطروحتين، متناقضتين حول مسار القاعدة منذ 2011 وصولا للثلث الأخير من سنة 2018. وتتبنى الأطروحة الأولى، تصورا لا يركز فقط على تراجع القاعدة؛ بل يعتبر أن المراكز البحثية المتخصصة، في الظاهرة الإرهابية أثبتت أن العمليات الإرهابية في تراجع مستمر منذ 2015. بينما ترى الأطروحة الثانية أن القاعدة لم تتراجع، وأنها عادت بعد فترة وجيزة من ترتيب بيتها التنظيمي؛ لتحقق توسعا وانتشارا للتنظيم، ضمن لها نشاطا في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا، وأوروبا.
تستند أطروحة تراجع القاعدة إلى عدة تقارير رسمية وغير رسمية منها، التقرير الذي صدر بلندن نهاية سنة 2017 من طرف معهد الاقتصاد والسلام الأسترالي. والذي يؤكد على أن القاعدة أصبحت منظمة شبه غائبة عن ساحة الفعل الإرهابي العالمي، حيث تراجع عدد ضحاياها بنسبة 35 في المائة سنة 2016 و2017. كما أن التقرير المشار إليه أعلاه، يعتبر أن القاعدة تعيش نوعا من الصراعات الداخلية بين جيلين، الأول يقوده أيمن الظواهري، والثاني شبابي بقيادة حمزة بن لادن، وهذه الوضعية المأزومة تفسر خفوت الآلة الإعلامية للقاعدة، ومن ثم التراجع في تمدد الآيديولوجية القتالية للتنظيم. أكثر من ذلك، تقول أطروحة التراجع، أن الجغرافيا القتالية للقاعدة، شهدت نوعا من السكونية، والانكفاء الذاتي للتنظيم الإرهابي وشبكاته. فقد انخفضت وتيرة الهجمات الإرهابية في نيجيريا، وباكستان وسوريا والعراق، والصومال وسيناء بمصر؛ وهذا التراجع أدى بدوره إلى انخفاض في نسبة وفيات العمليات الإرهابية بلغ 13 في المائة ما بين 2016 و2017، كما تبلغ نسبة الانخفاض سنة 2016، 22 في المائة مقارنة مع 2014.
من جانب آخر، ترى أطروحة التراجع أن الصراع بين «جيش فتح الشام»، «جبهة النصرة» سابقا مع التنظيمات الموالية لأيمن الظواهري؛ يعتبر مؤشرا جديدا على الأزمة الخانقة التي يعيشها تنظيم القاعدة في ثاني أكبر معقل له بعد أفغانستان.
وتعتمد كذلك أطروحة تراجع القاعدة على مؤشر مهم، وهو فقدان «القاعدة» لقيادات مهمة. فقد تلقى تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب ضربة قوية، بمقتل زعيمه ناصر الوحيشي بطائرة بلا طيار في حضرموت شرقي اليمن، منتصف 2015، وعيَّن قاسم الريمي (أبو هريرة) خلفا له. كما قتل أحد كبار قادة القاعدة في أراضي بلاد المغرب موسى أبو داود في مارس (آذار) 2018.
وبسوريا سنة 2016، فقدت «القاعدة» قيادات بارزة منها، حيدر كركان، والمصريين أبو الأفغان، وأحمد سلامة مبروك؛ وانضم إلى صفوف القتلى من التنظيم سنة 2017، التونسي محمد حبيب بوسعدون. وبأفغانستان، تعرض التنظيم لنزيف حقيقي، تمثل في فقدانه لقيادات بارزة، أهمها: مقتل سيف الله أختر بولاية غزني بداية 2017؛ كما قتل قاري ياسين المسؤول الكبير في التنظيم، 19 مارس من نفس السنة، بينما قتل القيادي القاعدي «حضرت عباس»، في مايو (أيار) 2018.
أما في الصومال فقد فقد تنظيم الشباب التابع للقاعدة عدة قيادات مهمة منها: علي محمد حسين أو علي جبل، وقيادي يدعى طيري، الرجل الثاني في الحركة في منطقة جبال غالغلا شمال شرقي البلاد في يوليو (تموز) 2017؛ كما فقد تنظيم الشباب الإرهابي زعيما أخرى، هو القيادي المدعو معلم ديرو في يوليو 2018.
ورغم كل هذه النكسات التي تعرضت لها شبكة القاعدة عالميا، فإن أطروحة التمدد، ترى أن التنظيم لم يمتص فقط الضربات التي وجهت له ولفروعه المختلفة؛ بل استطاع إعادة ترتيب بيته الداخلي، وتجاوز تنظيم داعش المتوحش. فقد استطاعت حركة الشباب الصومالية الموالية للقاعدة، العودة بقوة لمسرح الأحداث منذ بداية 2018؛ وأظهر التنظيم أنه فاعل رئيسي لا يمكن تجاوزه، وشن هذه السنة عشرات العمليات في العاصمة مقديشو، وصلت إلى استهداف، القصر الرأسي، وشخصيات من الحكومة، وقيادات الصف الأول في الجيش والاستخبارات.
تستند كذلك أطروحة التمدد والعودة القوية، لشبكة «القاعدة» على المسرح العالمي، إلى كون أعضاء التنظيم والمقاتلين وصل عددهم حاليا إلى عدة آلاف. وأنهم يخضعون بشكل مستمر لسياسة إعادة التوزيع الجغرافي وتبادل الخبرة الميدانية؛ وهو ما يزيد من قدرتهم على زعزعة الاستقرار في جغرافية واسعة تمتد من الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأوروبا وروسيا، وجنوب آسيا، وجنوب شرقي آسيا. ووصلت القاعدة حاليا لنحو 24 فرعا مبايعا للظواهري. ومن ناحية عدد المقاتلين، فيمكن الحديث في سوريا على أكثر من 20 ألف مسلح موزعين عن تنظيمات مختلفة، لها ولاء تام للقاعدة؛ أو لها نفس القناعات الآيديولوجية، التي يتبناها تنظيم الظواهري. كما استطاع فرع التنظيم باليمن تجنيد نحو 4 آلاف مقاتل.
وتشير واحدة من أحدث الدراسات البحثية الأميركية، التي نشرها الباحثان بالمؤسسة، جيسن وارنر وإيلين شابن عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت؛ أن تنظيم «الشباب»، شن منذ 18 سبتمبر (أيلول) 2006، إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2017، على الأقل 155 عملية انتحارية نفذها 216 من أعضاء التنظيم، بمعدل 4 عمليات في الشهر. كما أن التنظيم شن في نفس الفترة، عشرات العمليات بالعبوات الناسفة، والاشتباك المباشر لعناصره مع القوات الصومالية والأفريقية.
وقد استمر هذا الخط التصاعدي للهجمات الإرهابية لتنظيم الشباب، ليشهد شهر يوليو 2018، هجومين على كل من وزارة الداخلية والقصر الرئاسي بمقديشو؛ وهو ما يعني أن التنظيم ما زال يتمتع بالقوة التي تؤهله، لزعزعة الاستقرار بالصومال وجواره. من جهة أخرى استطاعت بوكو حرام، التمدد وخلق علاقة متشابكة مع بعض التنظيمات النشطة في المحيط الجغرافي لبحيرة تشاد.
وهو ما ينذر بموجة جديدة من الإرهاب بأفريقيا، قد تقوده القاعدة؛ خاصة إذا ما تطور التواصل الحالي، إلى تعاون بين فروع التنظيم في غرب أفريقيا والساحل والصحراء، وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. ويبدو أن هذا التنظيم الإرهابي، في تطور مستمر، مستغلا بذلك الفراغ الأمني بالمنطقة؛ كما أن التنظيم أخذ يرفع بعض الشعارات الوطنية، ويخلق تحالفات قبلية موالية لآيديولوجية القاعدة. ومنذ بداية 2018 يسيطر بشكل شبه تام، على الطرق التجارية الصحراوية؛ كما يشرف على منح التراخيص لحفر الآبار لسكان المنشرين بالصحراء.
وتأتي الدعوة الأخيرة، من التنظيم لمقاتليه لاستهداف الشركات الأجنبية، لتفسر تقدم طرق وأهداف التنظيم؛ فقد سبق للتنظيم أن هاجم شركات أجنبية بالجزائر عاملة في مجال النفط وقتل العشرات من العمال. ويبدو أن فرع تنظيم الظواهري بالمغرب العربي الكبير، عاد للواجهة بعد ترتيب بيته الداخلي، وتوفر السلاح، واستقباله لعدد مهم من المقاتلين العائدين من سوريا والعراق. وقد اتخذ قرارا بفتح جبهة موسعة ضد المصالح الغربية بالمنطقة، مرورا بدول الساحل والصحراء. حيث يقول التنظيم في بيان له في 9 مايو 2018: «يأتي هذا البيان منابذة لكل الشركات والمؤسسات الغربية العاملة في المغرب الإسلامي (من ليبيا إلى موريتانيا) ومنطقة الساحل وإخطارا لها بأنها هدف مشروع للمجاهدين.
وتشير مجموعة من الأحداث والوقائع منذ مارس 2017، إلى عودة فعلية وقوية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
فعلى عكس التفكك الذي أصاب «تنظيم البغدادي» بالعراق وسوريا، والتنظيمات الموالية له بشمال أفريقيا؛ جمع الزعيم الطارقي إياد أغ غالي، الخميس 2 مارس 2017، في وحدة اندماجية، كلا من «جماعة أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا» و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى» و«تنظيم المرابطين»، في تنظيم جديد باسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». واختارت وثيقة الإعلان رؤية تنظيم القاعدة وقدمت البيعة لقيادة التنظيم أيمن الظواهري؛ وأكدت على الوفاء لأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود، وأمير حركة طالبان الملا هيبة الله.
عموما، يمكن القول إن أيمن الظواهري سن استراتيجية جديدة، تجمع بين المرونة واللامركزية، واعتماد مبدأ الشورى في قيادة التنظيم المركزي، والفروع المحلية؛ كما اعتمدت على الرموز التاريخية، والصلابة الآيديولوجية، في مواجهة «داعش»، مع ترك هذه الأخيرة تتعرض لقسوة المواجهة الدولية منذ 2014
- أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».