كوفي عنان... الدبلوماسي الهادئ ورجل السلام

عنان مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (أ.ب)
عنان مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (أ.ب)
TT

كوفي عنان... الدبلوماسي الهادئ ورجل السلام

عنان مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (أ.ب)
عنان مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون (أ.ب)

غيّب الموت الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان عن عمر يناهز 80 عاما، بعد فترة قصيرة من إصابته بالمرض، بحسب ما أعلنت المؤسسة التي تحمل اسمه اليوم (السبت).
ونعته المؤسسة في بيان كتبت فيه: «ببالغ الحزن تعلن عائلة عنان ومؤسسة كوفي عنان أن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة والحائز على جائزة نوبل للسلام توفي اليوم بعد إصابته بمرض لفترة قصيرة».
وأكد البيان أن «زوجته ناني وأبناءهما أما وكوغو ونينا كانوا إلى جانبه في أيامه الأخيرة».
وبحسب وكالة الأنباء السويسرية، توفي عنان في مستشفى في الكانتون الناطق بالألمانية في سويسرا.

* نشأته ومسيرته الدبلوماسية
ولد عنان عام 1938 في كوماسي، عاصمة منطقة أشانتي في غانا، وكان يعيش في سويسرا.
والده كان مديرا في شركة تجارة أوروبية، هي شركة «يونايتد أفريكا» (أفريقيا المتحدة) المتفرعة عن شركة يونيليفر الإنجليزية - الهولندية.
عمل عنان في السلك الدبلوماسي، وساهمت شخصيته اللافتة في تعزيز حضور الأمم المتحدة على الساحة الدولية خلال ولايتيه من 1997 إلى 2006. وأصبح بسرعة وجها مألوفا على شاشات التلفزيون، واحتل اسمه عناوين الصحف.
واستطاع بفضل خبراته أن يصبح أول أمين عام للمنظمة الدولية من أفريقيا جنوب الصحراء.
انضم عنان للأمم المتحدة عام 1962 كإداري ومسؤول ميزانية في منظمة الصحة العالمية.
وتقلد منصب وكيل الأمين العام لشؤون عمليات حفظ السلام، وشغل لمدة عام قبل ذلك منصب الأمين العام المساعد لشؤون عمليات حفظ السلام.
وطوال هذه الفترة، أي قبل أن يصبح أمينا عاما، عمل عنان على تقوية قدرة المنظمة على الاضطلاع ببعثات حفظ السلام التقليدية والعمليات المتعددة المهام على السواء، وعلى الاضطلاع بمهام جديدة في مجال السلم والأمن الدوليين مثل «الانتشار الوقائي».
وعينته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1996، ليصبح الأمين العام السابع في تاريخ المنظمة خلال الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) 1997 إلى 31 ديسمبر 2001.
وقد قاد الأمم المتحدة خلال فترة حرب العراق التي اتسمت باضطراب كبير.
لكن حصيلة أداء عنان شابتها اتهامات بالفساد في فضيحة «النفط مقابل الغذاء»، لكن لجنة تحقيق برأته من أي مخالفة بعد فترة.
وعندما غادر الأمم المتحدة، وصف بأنه أحد الأمناء العامين الأكثر شعبية، وكثيرا ما أشير إليه بـ«النجم الدبلوماسي» في الدوائر الدبلوماسية الدولية.

*دراسته
درس عنان في جامعة العلوم والتكنولوجيا في كوماسي بغانا، وأكمل دراسته الجامعية في الاقتصاد في كلية ماك ألستر في سانت بول، مينيسوتا (1961).
وفي الفترة من 1961 إلى 1962، أجرى دراسات عليا في الاقتصاد بالمعهد الجامعي للدراسات العليا الدولية في جنيف. وحصل بعدها على ماجستير العلوم في الإدارة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

* جائزة «نوبل» للسلام
في عام 2001، وبينما كان العالم يحاول تجاوز هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، مُنح عنان جائزة نوبل للسلام مشاركة مع المنظمة الدولية «لعملهما من أجل عالم أفضل تنظيما وأكثر سلاما».
ومن أبرز الأسباب التي دفعت باسمه للحصول على الجائزة، اهتمامه الكبير بالبلدان الأفريقية التي ظلت مشكلات الحرب والمجاعة والمرض تشرد الملايين فيها وتحول دون التنمية والتقدم.
كما بذل عنان جهودا كبيرة لمحاربة انتشار مرض نقص المناعة «الإيدز».

* عمله مبعوثا أمميا لسوريا
وبعد انتهاء ولايته الثانية على رأس الأمم المتحدة، قام عنان بأدوار وساطة مهمة في كينيا وسوريا.
فتم تكليفه موفدا خاصا للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا عام 2012.
وفي أواخر 2012، قدم عنان استقالته من منصبه كمبعوث أممي وعربي إلى سوريا، وذلك بعد فشل خطته التي تكونت من ست نقاط وكانت تهدف إلى وقف إطلاق النار في سوريا والوصول إلى تسوية سياسية.
وأنشأ فيما بعد مؤسسة خصصت لحل النزاعات وانضم إلى رؤساء دول في مجموعة «العقلاء» التي تلفت باستمرار إلى قضايا دولية.
وانهالت عبارات التعازي والرثاء من هنا وهناك بعد إعلان وفاة عنان، وأعرب الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن حزن عميق لنبأ وفاة عنان الذي حيا فيه «قوة تعمل من أجل الخير».
وأضاف أن عنان «كان بأوجه مختلفة يجسد الأمم المتحدة»، مؤكدا أنه «خرج من الصفوف لقيادة المنظمة إلى الألفية الجديدة باعتزاز وتصميم لا مثيل لهما».
وتابع: «ككثيرين، أفتخر بأن أدعو كوفي عنان صديقا ومعلما».
وأعلن رئيس غانا نانا أكوفو - أدو اليوم الحداد لأسبوع وتنكيس الأعلام الوطنية في غانا والبعثات الدبلوماسية في الخارج تكريما «لأحد مواطنينا الأعظم شأنا».
أما الرئيس الغاني السابق جون ماهامافقد عنه: «عاش وعمل من أجل السلام العالمي والأمن والتنمية المستدامة في أوقات صعبة للغاية. إنه فخر لغانا ولأفريقيا».
وقالت منظمة الشيوخ، وهي مجموعة من الشخصيات العامة العالمية، إنه «لعب دورا حيويا في قيادة عمل منظمة الشيوخ وكان صوت السلطة والحكمة في السر والعلن».
وأضافت: «كان مدافعا ثابتا عن حقوق الإنسان والتنمية وسيادة القانون. كوفي عنان كان ملتزما مدى الحياة بقضية السلام وعُرف عنه معارضته القوية للعدوان العسكري وخاصة غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003».
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وصفت عنان بأنه «زعيم رائع ومصلح للأمم المتحدة ساهم بشكل كبير في تحويل العالم الذي تركه إلى مكان أفضل عن العالم الذي وُلد فيه».
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تثني فرنسا عليه. لن ننسى قط توجهه الهادئ والحازم للأمور والتزامه القوي».
رايلا أودينغا زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق في كينيا قال إن عنان «أفريقي عظيم وقائد عظيم للعالم. نحن هنا في كينيا نتذكر الدور الذي لعبه في قيادة عملية المصالحة بعد الأزمة التي تلت الانتخابات العامة عام 2007. تمكن كوفي عنان من جمع الفصائل المختلفة في بلادنا».
من جانبه، قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا إن عنان كان «زعيما رائعا ودبلوماسيا فريدا» طرح الأجندة الأفريقية داخل الأمم المتحدة و«رفع علم السلام» في مختلف أنحاء العالم.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش: «رحل عن الدنيا الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بعد مسيرة سياسية حافلة، قامة دبلوماسية تميز بأدائه في وظيفة شاقة وظروف صعبة».


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يسيرون في شارع غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في لبنان وإسرائيل وغزة

دعت الأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء)، من جديد إلى «وقف دائم لإطلاق النار» في لبنان وإسرائيل وغزة، في حين يتوقع إعلان هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أنها «تشعر بالقلق» إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، والهجمات التي تعرض لها الجيش اللبناني.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
المشرق العربي صورة تظهر لحظة قصف إسرائيلي لمبنى في منطقة الشياح بالضاحية الجنوبية لبيروت... 25 نوفمبر 2024 (رويترز)

الأمم المتحدة تدعو «الأطراف» إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان

دعا مسؤول في الأمم المتحدة، الاثنين، الأطراف المعنية إلى «الموافقة على وقف إطلاق النار» في لبنان حيث تتواصل الحرب بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.