توافق لبناني على «خروج السوريين» وانقسام حول الشروط

TT

توافق لبناني على «خروج السوريين» وانقسام حول الشروط

في خضم الانقسام السياسي اللبناني حول ملف عودة النازحين السوريين الذي كثيراً ما شكل مادة للانقسام السياسي بين من يطالب بـ«عودة طوعية»، ويشترط عدم التنسيق أو التطبيع مع النظام السوري وبين من يتحدث عن «عودة آمنة»، ويرى ضرورة التنسيق مع الجانب السوري، جاءت المبادرة الروسية التي تقترح تشكيل لجنة ثلاثية من لبنان وسوريا وروسيا لتلاقي ترحيباً من مختلف الأوساط السياسية اللبنانية، ولا سيما أنها تحظى بمباركة دولية ولا تشترط التواصل السياسي مع النظام السوري، بحسب مصدر مطلع ومتابع لتشكيل هذه اللجنة لـ«الشرق الأوسط».
اللجنة، التي توجه جورج شعبان، مستشار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري للشؤون الروسية، إلى موسكو من أجل الاطلاع على آخر مستجداتها، وتحديداً في موضوع المفاوضات الروسية - الأوروبية بشأن إعادة إعمار سوريا، ستكون لجنة أمنية لوجيستية كما بات معروفاً، ولن يرتبط تشكيلها بتشكيل الحكومة؛ إذ يكفي الاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
في هذا الإطار، أوضح المصدر أنه في حال تشكيل اللجنة سيكون التنسيق السياسي مع الجانب الروسي فقط، وهذا ما يتمسك به الرئيس الحريري ولن يتنازل عنه، وأضاف، أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ينسق أمنياً مع السوريين بطبيعة لحال.
وتشكل المبادرة الروسية بصيص أمل بإمكانية حل ملف النازحين السوريين في لبنان، ولا سيما أنه من المعروف أن هذا الملف لم يكن يوماً لبنانياً، كما يؤكد وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال، معين المرعبي، مذكّراً بأن الدولة اللبنانية كانت ولا تزال تتعامل مع الموضوع من منطلق أخلاقي إنساني؛ إذ لا يمكن أن تتحمل عودة هؤلاء ووجودهم تحت رحمة نظام استخدم شتى أنواع الأسلحة ضدهم.
ويشرح المرعبي، أن الدولة اللبنانية تريد إنهاء هذا الملف، لكن من دون التطبيع مع النظام السوري، ومن دون إجبار الناس على العودة، وبالطبع عبر التواصل مع الأطراف القادرة على إعطاء الضمانات، ومن هنا يرى أن المبادرة الروسية لتشكيل لجنة ثلاثية في هذا الشأن قد تعمل؛ وذلك لأسباب عدة، أولها أن التفاوض سيكون مع الجانب الروسي باعتبار وجود الطرف السوري لا يخرج عن إطار حفظ ماء الوجه، ولأن روسيا قادرة على إعطاء الضمانات التي تريدها الدولة لسلامة هؤلاء النازحين في حال عودتهم، انطلاقاً من الحقيقة التي تقول إن الروس يسيطرون على معظم المناطق السورية.
ويرى المرعبي الوجود الروسي في سوريا حالياً مثلما كان وجود «قوات الردع» في لبنان؛ فروسيا الآمر الناهي، متمنياً أن تقوم الولايات المتحدة أيضاً بمبادرة مشابهة في المناطق التي تسيطر عليها داخل سوريا، قائلاً «كل ما نريده هو مناطق آمنة وضمانات لإعادة السوريين».
وعلى الرغم من الآمال المعقودة على هذه المبادرة وترحيب الجانب اللبناني فيها، فإن الأمر يتطلب دعماً دولياً وتحديداً أوروبياً، كما يقول المرعبي، ولا سيما أن روسيا تقول للأوروبيين «أنا الضامن لحل ملف اللاجئين والعودة الآمنة لهؤلاء، لكن مقابل إعادة إعمار سوريا، أي عودة النازحين مقابل تمويل عملية إعادة الإعمار التي سيتولاها الروسي؛ لذلك لا يمكن نجاح هذه المبادرة من دون دعم الأوروبيين».
ولبنانياً، يرتبط تشكيل اللجنة الثلاثية بتشكيل الحكومة؛ إذ لا يمكن أن نرى هذه اللجنة قبل تشكيل الحكومة كما يقول مرعبي، موضحاً أن «التطبيع مع دمشق هو أيضاً من أحد أسباب تأخر تشكيل الحكومة، ولا سيما أن الفريق الذي نال أغلبية في الانتخابات النيابية بسبب طبيعة قانون الانتخاب يجنح ويصر على التطبيع مع هذا النظام الذي ترفض الحكومة اللبنانية التواصل معه».
وفي حين يعيد المرعبي التذكير بأن الحكومة اللبنانية لم ولن تعطي أي غطاء رسمي لأي سياسي زار دمشق أو تفاوض في هذا الصدد، ينتقد اللجان «غير القانونية والدستورية» التي ظهرت مؤخراً، في إشارة إلى تشكيل «حزب الله» والتيار الوطني الحر لجنتين منفصلتين لتنسيق عودة النازحين، معتبراً أنها وبعد المبادرة الروسية لم يعد لها وجود، قائلاً «روسيا القوة المهيمنة في سوريا حالياً ومبادرتها جمدت كل المبادرات؛ لأن الروسي يقول أنا الضمانة أنا الموجود، وعندما يتكلم الروسي ينتفي دور الأحزاب أو يبقى فقط في الإطار الذي يسمح به الروسي»، مشيراً إلى أن الروس يقومون حالياً ببناء سواتر على الجهة السورية من الحدود اللبنانية - السورية لمنع دخول أو خروج السوريين من وإلى لبنان؛ الأمر الذي يجعل إعادة هؤلاء حتى بطريقة غير شرعية أمراً صعباً.
ويرى مرعبي أن أصحاب هذه المبادرات أو لجان إعادة اللاجئين وضعوا أنفسهم في منافسة مع الروس بعدما وضعوا أنفسهم بمواجه مع الدولة اللبنانية؛ فعلى سبيل المثال أعلن «حزب الله» وبعدما رأى أن الأمن العام قام بتسجيل 3 آلاف لاجئ، تشكيل لجنة تهدف إلى الأمر نفسه، وكأنه يضع نفسه بمنافسة مع الدولة. واليوم وبعد ظهور المبادرة الروسية بات أصحاب هذه اللجان بمنافسة مع الروس الذين كانوا صريحين عندما قالوا مؤخراً إنه لن يكون على الحدود اللبنانية - السورية غير الروس والنظام من الجهة السورية، والدولة اللبنانية من الجهة اللبنانية أي ليس الأحزاب؛ الأمر الذي يعتبر مؤشراً على عدم قبول لأي دور لـ«حزب الله» في هذا الملف.
وكان «حزب الله» أعلن على لسان أمينه العام حسن نصر الله نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي عن تشكيل لجنة تساهم بإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم انطلاقاً من العلاقة القائمة مع الحكومة السورية، وقال مسؤول «ملف النازحين السوريين في (حزب الله)» النائب السابق نوار الساحلي، في تصريحات صحافية سابقة، إن اللجنة ستعمل على إعادة النازحين السوريين الذين يرغبون بالعودة الطوعية إلى بلادهم، وأنه سيتم العمل على الأمر من خلال مراكز متخصصة افتتحت في بيروت والجنوب والبقاع، حيث يملأ النازحون استمارات تجمع وترسل إلى المعنيين في سوريا، وبعدها يتم الاتصال بالأمن العام اللبناني لإتمام الأمر. وبعد إعلان «حزب الله» عن إطلاق هذه اللجنة أعلن التيار الوطني الحر إطلاق اللجنة المركزية لعودة النازحين السوريين، وقوبل إطلاق هاتين اللجنتين بعدد من الانتقادات السياسية باعتبارهما تجاوزاً لدور الدولة وغير مقنعتين باعتبار أن «حزب الله» كان وعبر مشاركته في الحرب السورية سبباً من أسباب تهجير السوريين ونزوحهم إلى لبنان، وهنا يقول مرعبي «من المفارقة أن يتصرف (حزب الله) وكأنه جمعية إنسانية أو الصليب الأحمر في ملف إعادة النازحين وهو الذي وبمشاركته في الحرب السورية كان سبباً من أسباب النزوح».
ينظر تكتل لبنان القوي الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل إلى المبادرة الروسية حول تشكيل اللجنة الثلاثية بشكل إيجابي، ولا سيما أنها تتمتع بمباركة دولية؛ الأمر الذي يسهل عملها، ويؤكد دعمه هذه المبادرة انطلاقاً من أنها تهدف إلى ما يعمل عليه في ملف إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم.
في هذا الإطار، يؤكد النائب في التكتل جورج عطا الله، أن «لبنان القوي» والتيار الوطني الحر سيقومان بدعم هذه المبادرة لأن هدفهما الأول والأخير هو حل موضوع النازحين في لبنان. وأضاف عطا الله، أن اللجنة ستستكمل عملها طالما أن المقترح الروسي لم يوضع موضع التنفيذ ولم تشكل اللجنة بعد، مبدياً استعداد التيار الوطني الحر للتنسيق مع هذه اللجنة ودعمها والتعاون معها، وبخاصة أنها تتخذ غطاءً دولياً يسهل عملها ويسرع الوصول إلى النتائج المرجوة.
ولم يرفض عطا الله فكرة إيقاف عمل لجنة التيار في حال شُكلت اللجنة الثلاثية وكانت كافية. وفيما خص ما يقال عن موضوع العودة الطواعية قال: إن المصطلح الذي يجب استخدامه هو «العودة الآمنة»، وأن اللجنة من الأساس لم تشكل لإجبار أحد على العودة أو للمزايدة السياسية، بل انطلاقاً من واجب وطني يحتم ضرورة إيجاد حل للنازحين في لبنان، ولا سيما أن واقع الحال لم يعد يحتمل، معتبراً أن الجزء الأكبر من السوريين الموجودين في لبنان نازحون اقتصاديون، ولا سيما أن معظمهم يأتون من مناطق آمنة وليست على الحدود اللبنانية؛ فكان بإمكانهم الذهاب إلى الأردن أو تركيا، لكنهم أتوا إلى لبنان من أجل العمل بسبب التسهيلات التي قدمت من لبنان وعدم تعاطي الدولة بجدية مع هذا الموضوع.
ويتساءل عطا الله، كيف يمكن أن نصنف من يرسل المال إلى عائلته التي تقيم في سوريا آمنة بنازح لأسباب أمنية؟!... مضيفاً، أن الأرقام تؤكد أن أكثر من 400 ألف نازح غادروا لبنان خلال عيد الفطر ومن ثم عادوا إليه؛ الأمر الذي يوضح أن النزوح ليس أمنياً بل اقتصادياً، وأنه لا بد من إيجاد توجه وطني جامع لحل هذه المسألة نأمل أن تحمله المبادرة الروسية.



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم