مدينة صيدا ترتدي حلّة الغطس مفتتحة أكبر حديقة مائية في لبنان

ستزدان قريباً بطائرات حربية وغواصة زجاجية للتّجول فيها

نشاطات كثيرة يشهدها شاطىء «زيرة صيدا» حيث تقع «حديقة صيدون المائية»
نشاطات كثيرة يشهدها شاطىء «زيرة صيدا» حيث تقع «حديقة صيدون المائية»
TT

مدينة صيدا ترتدي حلّة الغطس مفتتحة أكبر حديقة مائية في لبنان

نشاطات كثيرة يشهدها شاطىء «زيرة صيدا» حيث تقع «حديقة صيدون المائية»
نشاطات كثيرة يشهدها شاطىء «زيرة صيدا» حيث تقع «حديقة صيدون المائية»

واكب اللبنانيون منذ فترة خبر افتتاح «حديقة صيدون المائية» وهي أكبر حديقة مائية في لبنان، باهتمام كبير، لا سيما الشّريحة التي تهوى ممارسة الغطس بينهم. فلأول مرة سيحظى لبنان وبالتحديد مدينة صيدا الجنوبية بهذا النوع من الحدائق في البحر التي دُشّنت مساء أمس، في احتفال حضره قائد الجيش العماد جوزيف عون وحشد من أهل المنطقة وفعالياتها. وستسمح «حديقة صيدون المائية» لزائرها باكتشاف أكثر من 100 نوع سمك ملون وشعاب مرجانية وطحالب. كما ستخوّله دخول 4 ناقلات جند و6 دبابات قديمة تابعة للجيش اللبناني اتخذت منها تلك الأسماك بيوتا لها من المتوقع أن تتضاعف أعدادها بسببها وفي فترة زمنية قصيرة.
«إنّنا ننوي إضافة طائرتين حربيتين إلى الأعتدة الحربية الموجودة فيها ستقدمهما أيضا قيادة الجيش». يقول كامل كزبر رئيس جمعية أصدقاء زيرة وشاطئ صيدا، وعضو بلديتها في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «لطالما حلمت صيدا وأهلها بإقامة مشروعات سياحية على طول شاطئ الزيرة الذي يرتبط تاريخها بجزيرة صيدون وهو الاسم الذي كانت تعرف به صيدا منذ القدم في عام 147 ق.م». ويرى كزبر الذي ترعرع في المدينة وعرف شاطئها منذ الصغر بأنّ حل مشكلة جبل النفايات الذي كان يغطي تلك المنطقة ساهم في إعادة إحياء «زيرة صيدا» وإنشاء خدمات سياحية عليها.
حتى الساعة، الغطاسون وحدهم يستطيعون زيارة هذه الحديقة الممتدة على مساحة 150 مترا تأخذ شكل نفق طويل له متفرعاته على أعماق مختلفة (28 و18 و14 مترا). وتقع هذه الحديقة التي تُعدّ الأولى من نوعها في لبنان والحوض المتوسط على الطّرف الغربي مما تبقى من جزيرة صيدون ويتم الوصول إلى شاطئها بواسطة مراكب تسير يوميا من ميناء صيدا. فيستقلها هواة السباحة أيضا مقابل مبلغ 3000 ليرة لبنانية لممارسة هوايتهم. «لقد آثرنا إحياء شاطئ الزيرة حيث تقع الحديقة واستحدثنا أكشاكا خشبية تقدم المأكل والمشرب لرواد هذا الشاطئ الذي يعج حاليا بأهالي المدينة وضواحيها. فهذه المنطقة الصخرية والرملية معا تتمتع بشاطئ جميل أخذت الجمعية على عاتقها تنظيفه وشفط الرمال لرصّه بشكل مستمر». يتابع كزبر في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
أمّا فكرة إقامة هذه الحديقة التي تهدف بصورة رئيسية إلى تشكيل بيئة حاضنة للثروة السمكية فتعود إلى نقابة الغطاسين في لبنان الذي لطالما حلم فريقا فيها ينتمي إلى مدينة صيدا بتحقيقه. «لقد عملنا على تجهيز المكان وتحضيره في ظرف عام واحد بعد أن رفعنا تقارير عنه إلى قيادة الجيش». يوضح كامل كزبر. وتبعد «زيرة صيدا» نحو 400 مترا عن قلعة صيدا الأثرية فيما تقع الحديقة المائية على بعد 100 مترا عن الزيرة. نشاطات سياحية كثيرة تُنظّم على هذا الشاطئ الذي يستقطب أهالي المنطقة من جميع الشّرائح، إضافة إلى آخرين يؤمونها من مدن طرابلس وبيروت وجبيل. فشاطئ الزيرة المسيّج بحاجب للأمواج يُعرف بالمنشارة يجعل السباحة فيه شبيهة تماما بتلك التي تحصل في البحيرات. كما يعمد البعض إلى ممارسة هوايات رياضية عدّة فيه، مثل ركوب المظلات المائية التي تسمح لركابها بالتمتع بمناظر طبيعية خلابة تجمع ما بين معالم صيدا البرية والمائية. وعادة ما يجري على هذا الشاطئ مسابقات رياضية وحفلات فنية كان أحدثها للموسيقي الصيداوي حسن عبد الجواد في شهر يوليو (تموز) الماضي.
أمّا الفكرة الجديدة التي ينوي القيمون على هذه الحديقة المائية استحداثها فهي تسيير عربة زجاجية تكون بمثابة غواصة يستقلها من يرغب في زيارة هذه الحديقة من دون الغطس في مياهها. «هي فكرة نعمل على تطبيقها قريبا لجذب أكبر عدد ممكن من اللبنانيين هواة هذا النوع من الحدائق والملمين بعالم البحار. كما أنّ الجولة وبهذه الطريقة يمكن أن تستغرق وقتاً أقصر من تلك التي يقوم بها الغطاسون والتي عادة ما تتطلب نحو 60 دقيقة وأكثر لاستكشاف معالمها عن قرب».
ويحمل هذا المشروع إضافة إلى تحية تكريمية لشهداء الجيش اللبناني، منحى سياحيا بيئياً يهدف إلى تطوير البيئة البحرية وزيادة الثّروة السمكية، وجعل المنطقة مكاناً يقصده النّاس العاديون والغطّاسون للاستمتاع بالمشاهدة لمطاردي الجماليات البحرية. وقد سُجّلت هذه المواقع بالتعاون مع وزارة البيئة اللبنانية على الخريطة العالمية لتجنب المرور بقربها. وتظهر على الخريطة الطّرقات التي يتوجب على المراكب اتباعها أثناء مسارها من الشاطئ وإلى الجزيرة، بعيداً عن هذه المواقع.
وقد أُنير الموقع في مناسبة افتتاحه ليأخذ شكل جوهرة متلألئة وسط بحر صيدا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».