على الرغم من مرور 10 سنوات على الأزمة المالية العالمية، التي خرجت من رحم الولايات المتحدة الأميركية في خريف عام 2008، فإن توابع هذه الأزمة ما زالت تلقي بظلالها على كثير من المؤسسات المالية الأميركية.
ولأن أزمة الرهن العقاري كانت الشرارة التي أدت إلى اندلاع الأزمة المالية، كانت البنوك الأميركية هي المسؤول الأول عن تلك الأزمة، بسبب تساهلها في تقديم قروض عقارية لعشرات الآلاف من المواطنين دون التأكد من قدرتهم على السداد.
وخلال السنوات الخمس الماضية، قامت وزارة العدل الأميركية بإجراء كثير من التحقيقات الموسعة مع عشرات البنوك المتورطة في أزمة الرهن العقاري، وأوقعت عليهم غرامات بعشرات المليارات من الدولارات.
وتأتي التسوية التي أعلنت عنها وزارة العدل، الأسبوع الماضي، مع بنك «ويلز فارغو»، وهو ثالث أكبر البنوك الأميركية، أحدث حالات التحقيقات مع المؤسسات المالية الأميركية المسؤولة عن الأزمة.
وقد وافق «ويلز فارغو» على دفع غرامة 2.09 مليار دولار مقابل إنهاء التحقيق في هذه القضية التي يتهم فيها بالتساهل في تقديم قروض بمليارات الدولارات إلى عشرات الآلاف من المواطنين قبيل خريف 2008، رغم علمه بعدم قدرتهم على السداد.
وعلى الرغم من موافقة البنك على دفع مبلغ الغرامة، فإنه لم يعترف بمسؤوليته عن أزمة الرهن العقاري، وتفاوض خلال الشهور الماضية مع وزارة العدل حول مبلغ الغرامة، الذي كان يتراوح بين 2.5 مليار و3 مليارات دولار، قبل أن يتم الاتفاق على المبلغ الحالي، وهو 2.09 مليار دولار.
وقال تيموثي سلوان، الرئيس التنفيذي لـ«ويلز فارغو»، في بيان عقب التوصل إلى التسوية: «يسر البنك أن يضع خلفنا هذه القضايا الموروثة المتعلقة بالادعاءات المتعلقة بأنشطة الأوراق المالية المربوطة بالرهن العقاري، التي حدثت منذ أكثر من عقد من الزمان».
وقال البنك، في بيان، إنه ما زال يركز على دوره المهم، كواحد من أكبر المقرضين العقاريين في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن وزارة العدل توصلت إلى تسويات مشابهة مع بنوك أخري، وهو ما يؤكد أن هذه الادعاءات لا تتعلق بأفراد بعينهم.
في حين قال أليكس تسي، القائم بأعمال المدعي العام لمقاطعة شمال كاليفورنيا، إن التسوية المدنية التي تم التوصل إليها مع «ويلز فارغو» تعد دليلاً على تحمل البنك مسؤولية بيع عشرات الآلاف من القروض، التي تم تحويلها إلى أوراق مالية وبيعها للمستثمرين، وهو ما تسبب في خسارة كثير من المؤسسات المالية المؤمنة فيدرالياً مليارات الدولارات، بعد تعثر المقترضين عن دفع القروض.
وقالت وزارة العدل إن هذه التسوية تنهي التحقيق الذي طال أمده في هذه المسألة، مشيرة إلى أن «ويلز فارغو» لم يقدم معلومات حقيقية عن القروض العقارية التي جمعها وباعها للمستثمرين في صورة أوراق مالية، وأوضحت أن الاختبارات الداخلية التي أجراها البنك أظهرت فروقاً كبيرة بين بيانات الدخل التي قدمها المقترضين عند ملء استمارات القروض، ودخولهم الحقيقية بناء على بيانات العوائد الضريبية التي تبين حجم الدخل لكل مواطن.
وأضافت أن «ويلز فارغو» أخفق في الإفصاح عن المشكلات المتعلقة بالقروض التي قدمها اعتماداً على بيانات دخل خاطئة، بسبب عدم تحققه من الوثائق المقدمة من المقترضين، مشيرة إلى أن البنك قدم معلومات كاذبة للمستثمرين عن نسبة الديون إلى الدخل، في ما يتعلق بالقروض التي باعها.
وعلى الرغم من أن هذه التسوية ستقضي على صداع التحقيق الذي ظل يؤرق مسؤولي البنك لسنوات، فإن هناك كثيراً من العقبات التي تنتظر «ويلز فارغو» خلال الشهور، وربما السنوات، المقبلة، حيث يواجه البنك سلسلة من التحقيقات الفيدرالية والحكومية في فضيحة تتعلق بفتح كثير من الحسابات البنكية الوهمية دون علم أصحابها، فضلاً عن سلوك عمل البنك في إدارة الثروات، من بين أمور أخرى.
وكانت إدارة البنك قد وافقت في أواخر أبريل (نيسان) الماضي على دفع غرامة مليار دولار، في ظل تسوية توصل إليها مع كل من مكتب الحماية المالية للمستهلك ومكتب مراقبة العملة، بسبب فشل البنك في إدارة المخاطر. وقام البنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الفيدرالي)، في فبراير (شباط) الماضي، بوضع حد أقصى لأصول «ويلز فارغو»، في إجراء جبري غير مسبوق في قضايا مشابهة. وعلى عكس البنوك الأخرى، لم تشتمل تسوية بنك «ويلز فارغو» على مليارات الدولارات في صورة إعانة للمستهلكين، كما اضطرت البنوك المقرضة الأخرى إلى دفعها. وكان المدعي العام الأميركي جيف سيشنز قد أوقف العام الماضي التسويات الحكومية التي تطلب من الشركات المساهمة بأموال لمجموعات أطراف ثالثة.
ويعتبر «ويلز فارغو» أحدث بنك يقوم بتسوية قضايا الرهن العقاري في ظل إدارة ترمب. وكان بنك «باركليز بي إل سي» البريطاني قد وافق، في وقت سابق من هذا العام، على دفع مبلغ ملياري دولار لتسوية مشابهة مع وزارة العدل. كما وافقت مجموعة «رويال بنك أوف سكوتلاند بي إل سي» على دفع مبلغ 4.9 مليار دولار في تسوية مماثلة أيضاً.
وتعد هذه الغرامات ضئيلة للغاية مقارنة بالتسويات التي تمت في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. فعلى سبيل المثال، وافق «بنك أوف أميركا» على دفع 16.65 مليار دولار لتسوية قضايا الرهن العقاري في عام 2014.
في حين توصلت مجموعة «سيتي بنك» إلى تسوية بقيمة 7 مليارات دولار مع وزراه العدل في القضية نفسها، فيما وافق بنك «جي بي مورغان تشيس» على دفع غرامة بمبلغ 13 مليار دولار في عام 2013، مقابل التوصل إلى تسوية مماثلة.
ويرجع جوهر أزمة الرهن إلى إفراط البنوك الأميركية في الموافقة على قروض عقارية لآلاف الأفراد، دون التأكد من قدرتهم على السداد، وهو ما تسبب في فقاعة في سوق العقارات. وكانت المشكلة الحقيقية أن هذه البنوك قامت بتحويل القروض التي باعتها إلى أوراق مالية تم طرحها للمستثمرين في البورصة. وعندما بدأ المقترضون في التعثر، وتم سحب العقارات التي اشتروها، أدى ذلك إلى تجميد أصول البنوك في صورة عقارات بدلاً من أقساط وفوائد، وهو ما تسبب في إرباك سوق المال الأميركية، وانهيار بورصة وول ستريت.
وكانت الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية هي المحرك الرئيسي للأزمة المالية. وقد اتهمت الحكومة المقرضين بالتوسع في تقديم قروض، رغم علمهم بعدم قدرة المقترضين على سدادها، وكان ذلك في بعض الأحيان على أساس وثائق واهية قدمها المقترضون. وعانى المستثمرون في البورصات العالمية خسائر فادحة نتيجة هذه الأزمة.
«ويلز فارغو» يدفع ملياري دولار غرامة لتورطه في أزمة الرهن العقاري
البنك رفض الاعتراف بمسؤوليته... ويواجه تحقيقات في قضايا أخرى
«ويلز فارغو» يدفع ملياري دولار غرامة لتورطه في أزمة الرهن العقاري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة