«يُحكى أن»... مبادرة مصرية جديدة جمهورها الأطفال

مكتبات متنقلة تجوب النوادي

«يُحكى أن»... مبادرة مصرية جديدة جمهورها الأطفال
TT

«يُحكى أن»... مبادرة مصرية جديدة جمهورها الأطفال

«يُحكى أن»... مبادرة مصرية جديدة جمهورها الأطفال

الحكي عند الأطفال في أي مجتمع مهما كانت ثقافته، واحد من العوالم السحرية التي ينسج خيوطها أبطال خرافيون يقفزون من القصص المصورة التي تقرأها الأمهات بجانب السرير، لتسكن مخيلات الأطفال في نعومة بالغة... وهو ما دفع مكتبة «يُحكى أن» المتخصصة في بيع كتب الأطفال، إلى تنظيم مبادرة جديدة، لإحياء تراث «حدوتة قبل النوم» ونقل عوالمها السحرية من دفء غرف النوم، إلى المدارس ودور الحضانة ضمن جولاتها التي تستهدف تجمعات الأطفال.
تتنقل مكتبة «يحكى أن» بين المدارس ورياض الأطفال والنوادي، بسيارة صغيرة تحمل في بطنها عشرات العناوين المختارة من الكتب والقصص المصورة، ويحمل ركابها في عقولهم وقلوبهم حلماً كبيراً أن يصبح الكتاب جزءاً من حياة كل طفل.
تتضمن الجولات برامج تفاعلية وأنشطة ثقافية وفنية كثيرة، أبرزها جلسات القراءة الجماعية وورش «الحكي» التي تشكل عامل جذب كبيراً للأطفال، إضافة إلى ورش الرسم والموسيقى وتمارين اليوغا، ومهارات الحرف اليدوية كالزراعة.
تقول حنان الطاهر، مؤسسة مكتبة «يحكى أن» لـ«الشرق الأوسط»، «مع تنامي وتطور خبراتنا مع الأطفال، وجدنا أنه ليس كافياً أن نوفر لهم الكتب والقصص في أماكن تجمعاتهم؛ وهو ما دفعنا للتركيز على الأنشطة الثقافية والفنية وورش (الحكي) وصممنا ورشنا الخاصة التي تناسب كل فئة عمرية على حدة، ويشرف على صياغتها خبراء تربويون، ولاقت أحدث ورشنا وهي (قراء للغد) تفاعلاً كبيراً من الأطفال».
وتضيف الطاهر «أبرز مشكلة واجهتنا في البداية عدم تقبل الأهل للفكرة وتخوفهم، لكن بعد أن حضروا بعض ورشنا بصحبة أطفالهم تغيرت نظرتهم تماماً عندما شاهدوا المهارات التي تعلمها أبناؤهم، والقيم والأخلاقيات التي أصبحوا يتحدثون عنها بالمنزل، كالتسامح وقبول الآخر والتعاون».
جولات المكتبة بأنشطتها المتعددة بين تجمعات الأطفال، اصطدمت بوجود فروق على مستويات متباينة بين الأطفال في المدارس الأجنبية والدولية ودور الحضانة الخاصة عن أقرانهم في المدارس الحكومية في الأحياء الفقيرة.
رصدت حنان الطاهر، أبرز هذه الفروق في عدد من النقاط «أطفال المدارس الخاصة والأجنبية لديهم قدر أكبر من العلم ومستواهم التعليمي أعلى، لكن لديهم أيضاً ثقافة الحصول على كل ما يريدونه بسهولة، ولا يريدون بذل أي مجهود، ويصابون بالملل سريعاً خلال الأنشطة وصعب إرضائهم، وفي المقابل ورغم أن أطفال المدارس الحكومية في الأحياء الفقيرة حصيلتهم التعليمية والثقافية أقل، فإنه لديهم رغبة أكبر في التعلم، وأكثر انضباطاً، ويستمتعون بكل ما يفعلونه، ولديهم طاقة كبيرة واستعداد للتعلم وبذل الجهد».
وفقاً لأحدث إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التي صدرت نهاية العام الماضي (2017)، يبلغ إجمالي عدد الأطفال المصريين «أقل من 18 سنة» نحو 38 مليون طفل، وهو ما يمثل نسبة 40 في المائة من إجمالي السكان الذي وصل إلى نحو 104 ملايين شخص، بينهم 94 مليوناً يعيشون بالداخل، بينما تمثل نسبة الأطفال أقل من 15 عاماً، نحو ثلث عدد السكان بنسبة 34.2 في المائة.
من جانبها، تقول الخبيرة التربوية الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، أستاذ أصول التربية بمعهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «في المطلق القراءة تشكل وعي الطفل وشخصيته، ويعد تراث (الحكي) و(حدوتة قبل النوم) أحد أهم أساليب التربية والتنشئة واكتساب السلوكيات الإيجابية وغرس القيم الإنسانية في وجدان وعقول الأطفال؛ فالقصص المصورة والحواديت تكون شبه خيالية، وأبطالها خرافيون، وتتضمن أحداثاً غير طبيعية، وهو ما يشكل مصدر إلهام للأطفال، ويساهم في تنمية وعيهم بالقيم التي تتضمنها الحكايات، لكن يجب اختيار القصص التي تتم قراءتها بعناية شديدة طبقاً لما نريد أن نغرسه في وجدان أطفالنا من قيم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».