«بزنس لايق عليكِ»... مبادرة مصرية لمساعدة النساء على تأسيس مشروعاتهن الخاصة

انتقالها للفضاء الإلكتروني أدى إلى انتشارها عربياً

رفيف قناوي خلال إحدى ورش التدريب
رفيف قناوي خلال إحدى ورش التدريب
TT

«بزنس لايق عليكِ»... مبادرة مصرية لمساعدة النساء على تأسيس مشروعاتهن الخاصة

رفيف قناوي خلال إحدى ورش التدريب
رفيف قناوي خلال إحدى ورش التدريب

«يمكن للشغف أن يتحول إلى مهنة، ويمكن للمرأة أن تجني المال من أعمال بسيطة»، هذه الكلمات تلخص إلى حد كبير جوهر أهداف مبادرة «بزنس لايق عليكِ» التي أطلقتها مهندسة مصرية لمساعدة النساء على التخلص من روتين الوظائف وتأسيس مشروعاتهن الخاصة من خلال أول نموذج وظيفي عربي يمكن المرأة من تحديد مواهبها والعمل الذي يمكنها أن تجيده، ويبدأ النموذج الذي يحوي 6 خطوات، بما يسمى عملية «إحلال» للحياة الوظيفية القديمة تدريجيا، وإعادة بناء حياة عملية جديدة.
تنظم المبادرة دورات تدريبية تتضمن محاضرات وورش عمل تستهدف النساء بشكل عام سواء الموظفات اللاتي لا يجدن أنفسهن في الوظيفة، أو غير العاملات، لمساعدتهن على تأسيس مشروعاتهن الخاصة، وتبدأ الخطوة الأولى بتمكين المشاركات من فهم شخصياتهن وتحديد المهارات والمواهب التي يمتلكنها، كي يتمكن من معرفة نوع العمل أو المشروع الذي يناسب طبيعتهن، وتتعلم الموظفات وسائل التحرر من الوظيفة وعقلية الموظف، والتعامل مع المرحلة الانتقالية، وهي عملية «إحلال» للحياة الوظيفية، وبدء مرحلة المشروع الخاص، حيث تحتفظ المرأة بوظيفتها مؤقتاً إلى أن يبدأ مشروعها الخاص في النجاح وتحقيق الأرباح.
تقول المهندسة رفيف قناوي، مؤسس مبادرة «بزنس لايق عليك» لـ«الشرق الأوسط»: «مررت بتجربة شخصية مع روتين الوظيفة، حيث عملت مهندسة كهرباء في إحدى الشركات سنوات طويلة، ولم أكن سعيدة في عملي رغم المكانة الاجتماعية المرموقة، فتركت الوظيفة تدريجياً، واتجهت للعمل في التسويق، وحققت نجاحاً كبيراً حيث أسست مركز استشارات التسويق، وأعمل مستشارة تسويق مستقلة وخبيرة ماركات لصالح الكثير من الشركات الكبرى، ووضعت نموذج (بزنس لايق عليك) بهدف نقل تجربتي الشخصية، ومساعدة النساء على تأسيس مشروعاتهن الخاصة في مجالات تناسب شخصياتهن، من خلال الدورات التدريبية التي ننظمها في المنظمات النسوية والجمعيات الأهلية والنوادي وجمعيات سيدات الأعمال، حيث تتعلم المشاركات اختيار المشروع الذي يناسبهن، ومراحل بنائه ووسائل تسويقه، ويشارك بعض الرجال في الدورات لكني أستهدف النساء بالأساس».
الإقبال الواسع من المصريات على الدورات التدريبية دفع مؤسس المبادرة إلى تدشين نموذج إلكتروني لمساعدة النساء عبر الإنترنت من خلال وسائل التواصل الحديثة، وهو ما أدى إلى انتشارها في عدد من الدول العربية، بينها المغرب والإمارات العربية والأردن، حيث يمكن للنساء في أي قطر عربي تلقي التدريبات اللازمة بمراحلها المختلفة إلكترونياً.
داليا محمد عبد الحميد، واحدة من مصريات كثيرات شاركن في الدورات التدريبية، وتمكنت من تحقيق النجاح في مجال عمل مختلف كلياً عن وظيفتها الأولى، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «عملت مدرسة لغة إنجليزية لنحو 8 سنوات في مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي، ولم أكن سعيدة بعملي والراتب ضعيف، ومع بداية مشاركتي في دورات (بزنس لايق عليك) اكتشفت موهبتي في التفصيل وتصميم الأزياء، وبدأت المشاركة في دورات تدريبية، خاصة بالأزياء بجانب دورات المبادرة التي تعلمت خلالها خطوات تأسيس مشروع ناجح ووسائل تسويق المنتجات، وظللت محتفظة بوظيفة التدريس لفترة، إلى أن تركتها نهائياً عقب افتتاحي أتيلييه لتصميم الأزياء الحريمي حقق نجاحا وانتشارا واسعا».
وتضيف داليا: «بدأت مشروعي بشراء ماكينة خياطة واحدة بالمنزل، وطبعا واجهت اعتراضات من أسرتي، فهم يرون أن التدريس مهنة مرموقة ووظيفة ثابتة، وفي خلال ثلاثة أشهر اشتريت المزيد من ماكينات الخياطة وقمت بافتتاح أتيلييه الأزياء، وتغير موقف أسرتي عقب رؤيتهم للنجاح الذي حققه مشروعي، وكانت أصعب فترة بالنسبة لي هي فترة الإحلال التدريجي والتحرر من قيود الوظيفة، حيث اضطررت للاحتفاظ بوظيفة التدريس مؤقتاً، وتخليت عن الدروس الخصوصية التي كنت أعطيها للتلاميذ كي يكون لدي وقت للمشروع، وعلى الرغم من أني أحقق أرباحاً جيدة من تصميم الملابس، فإن المال ليس سبب سعادتي، بل قيامي بعمل أحبه ولدي شغف به منذ صغري».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)