تواجه بحيرة بايكال في روسيا، أكبر تجمع مياه عذبة في العالم، تهديدات متزايدة بكارثة بيئية، سببها الرئيسي بل والوحيد هو الإنسان. ولم يعد الأمر يقتصر على النتائج السلبية التي يخلفها النشاط الإنتاجي - الصناعي للإنسان على البيئة، إذ زاد الأمر عن ذلك بكثير، وأصبحت نشاطات مثل السياحة، بل وحتى مجرد التنزه في المناطق الطبيعية، دون مراعاة شروط حماية البيئة، مصدر تهديد للطبيعة بشكل عام. وللتخفيف من حجم الضرر الذي يلحقه النشاط البشري بتلك المناطق، ينظم متطوعون حملات «نظافة بيئية» صيف كل عام، ويزرعون بذلك الأمل بإمكانية تفادي خراب يعجز الإنسان عن إصلاحه إن وقع.
بايكال اسم لبحيرة تقع جنوب مناطق شرق سيبيريا، يطلق عليها السكان المحليون اسم «البحر المقدس» لأنها توفر لهم الغذاء والماء، وتصنف عالمية بكل المعايير، فهي أعمق بحيرة مياه عذبة في العالم، ويبلغ عمق مياهها في أدنى نقطة 1642 متراً. كما أنها أكبر تجمع سطحي للمياه العذبة عالمياً، وتشكل مياهها 19 في المائة من احتياطي مياه كل البحيرات العذبة في العالم (يصل حتى 123 ألف متر مكعب)، وهي أكبر من البحيرات العظمى الخمس شمالي الولايات المتحدة. تغذيها بالمياه 544 نهرا وساقية، فيها 27 بحيرة، مساحة أكبرها تزيد عن 700 كيلومتر مربع. يعيش فيها أكثر من 2700 نوع من الكائنات الحية المائية. وتقول الدراسات إن بحيرة بايكال تكونت منذ 25 - 35 مليون سنة. إلا أن بعض العلماء الروسي يقولون إن البحيرات ذات المنشأ الجليدي يتراوح عمرها عادة بين 10 - 15 ألف سنة. وفي عام 2009 أجرى عالم روسي دراسات على عينات أخذها من قعر البحيرة، وخلص نتيجتها إلى أن ضفاف بايكال لا يزيد عمرها عن 8 آلاف عام، بينما يزيد عمر الأجزاء العميقة من البحيرة عن 150 ألف سنة. وتشكل تلك البحيرة عاملا رئيسيا في تشكيل طبيعة المنطقة، ومناخها، فضلاً عن كونها عاملا رئيسيا لجذب الإنسان ليستقر في محيطها منذ القدم.
إلى جانب تأثير مخلفات كل أنواع النشاط الإنتاجي - الصناعي على الحياة البيئية في بحيرة بايكال ومحيطها، يحذر العلماء من تهديد متزايد للبحيرة يحمله تطور السياحة في محيطها. ويقول صياد من السكان المحليين، إن زوار المنطقة يصفونها «جنة» ويحسدونا على العيش هنا، إلا أنهم لا يدركون أن عملنا يتوقف في فصل الشتاء، بسبب تجمد سطح مياه البحيرة، ونحاول ممارسة تربية الحيوانات، إلا أن المراعي لم تعد صالحة، لأن السياح يتركون خلفهم في كل مكان أكياس النايلون، والمعلبات الفارغة، والقوارير البلاستيكية والزجاجية، والكثير غيرها من الأوساخ، التي باتت تؤثر بشكل واضح على البيئة هنا. ويشتكي مواطن محلي آخر من هذه الظاهرة، ويقول إن تدفق أعداد كبيرة من السياح إلى المنطقة خلق فرص عمل جديدة، إلا أنه حمل معه مشكلات لم تكن بالحسبان، ويوضح أن السياحة عند بحيرة بايكال لم تعد تقتصر على أشهر الصيف، بل ويشمل كذلك فصل الشتاء، حيث يأتي كثيرون إلى هنا لممارسة هوايات مثل صيد الأسمال عبر فوهات في الجليد، أو التزلج على الجليد وغيره.
وعندما تذوب الثلوج يظهر حجم الأوساخ التي خلفها هؤلاء في المنطقة، إن كان على ضفاف البحيرة، أو في مياهها، حيث تظهر في بدايات الربيع كميات كبيرة من أكياس النايلون تتقاذفها الأمواج، وترمي ببعضها نحو الشاطئ. ويقول مختصون في علم البيئة إن معظم مخلفات السياح يتم تصنيعها من مواد لا تتحلل حتى بعد مئات السنين، مثل المناشف الرطبة، وبعض أنواع أكياس النايلون، التي تنتشر منها مواد كيماوية «ملوثة» في التربة وفي مياه البحيرة على مدار عقود من الزمن، الأمر الذي يهدد بانقراض أنواع نادرة من الكائنات الحية والأسماك، لا سيما تلك التي لا نظير لها في بحيرات أخرى من العالم.
لمواجهة هذا التهديد نظمت السلطات المحلية حملات «تنظيف» يشارك فيها متطوعون من أبناء المنطقة، ومن مختلف المدن الروسية، ويشاركهم مواطنون من دول أجنبية، ممن وصلوا سيبيريا للسياحة. ومؤخراً انطلقت حملة جديدة باسم «إيدوديميا»، جمعت مئات المتطوعين من مختلف المناطق الروسية، ومختلف الأعمار، جاءوا كلهم إلى معسكر في حديقة «بريبايكالكسي» الوطنية، للمشاركة جنبا إلى جنب في تجميع الأوساخ المنتشرة على ضفاف البحيرة، وفي الوقت ذاته يمارسون التوعية البيئية، ويقدمون للسياح الموجودين في المنطقة معلومات حول حماية البيئة ودور كل فرد في ذلك، ومدى الضرر الذي تلحقه بالحياة البيئية مخلفات قد يظن البعض أنها بسيطة، مثل أكياس النايلون، أو المحارم الورقية.
السياحة تهدد أعمق بحيرة مياه عذبة في العالم
تضم حياة بيئية عمرها ملايين السنين
السياحة تهدد أعمق بحيرة مياه عذبة في العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة