نشاط {داعشي} في الشيشان

أرضية خصبة لتجنيد عناصر جديدةc

الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
TT

نشاط {داعشي} في الشيشان

الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})

من بين الدراسات العديدة التي تتناول إشكالية حصول تنظيم «داعش» على عناصر بشرية جديدة، يمكننا الحديث عن دراسات تتعلق بروسيا تأتي في المقدمة، حيث إن معظم هؤلاء المجندين الجدد لـ«داعش» ينحدرون من جمهورية الشيشان، التي باتت بؤرة تعصب ديني خصبة لتجنيد مقاتلي «داعش».
تقول الأرقام الرسمية إن نحو 800 شيشاني بالغ يقاتلون في صفوف التنظيم الإرهابي، في حين أنه من المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، فبعض الشباب الذين التحقوا بالتنظيم يُصنفون على أنهم مفقودون، لكن السلطات لا تعلم حتى إن العديد منهم ذهبوا للقتال. ولعل السؤال الرئيسي في هذه القراءة: لماذا يلتحق هذا العدد الكبير من الشيشان بتنظيم «داعش الإرهابي»؟
إحدى أفضل الدراسات التي اطلعنا عليها في بحثنا عن جواب للسؤال المتقدم، كانت للبروفسور مايكل فشينفسكي، المحاضر غير المتفرغ في علم الجريمة بجامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، وصاحب الأبحاث المتميزة في الإرهاب والعنف السياسي والتطرف في الشيشان والسجون.
يؤرِّخ الرجل لبداية الإرهاب في الشيشان من عند العلاقة بين روسيا والشيشان التي تميزت دائماً بالعنف. وكان السبب الأساسي لذلك الصراع هو التوسع الروسي في منطقة القوقاز، الذي بدأ منذ القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر، ثم استمر في القرن العشرين أيضاً في عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفياتي، وتلا ذلك حصول خمسة عشر عضواً من أعضاء جمهوريات الاتحاد السوفياتي على استقلالهم، مثل روسيا، وأوكرانيا، وكازخستان. إلا أن الجمهوريات التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي كان لها وضع قانوني مختلف داخل الاتحاد السوفياتي، أي أنها كانت تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من روسيا ومنها الشيشان.
وطبقاً لخطة حكومة روسيا، فإن كل البلاد الحاصلة على الحكم الذاتي داخل الفيدرالية الروسية، تبقى كما هي داخل الفيدرالية، وتعتبر جزءاً من الدولة الروسية المستقلة أو الفيدرالية الروسية. وكانت الشيشان هي الجمهورية الوحيدة داخل الفيدرالية التي أعلنت استقلالها عن روسيا 1991.
وفى عام 1994 أرسلت حكومة الرئيس يلتسين قوات إلى الشيشان لإجبار الجمهورية على العودة مرة أخرى إلى الفيدرالية، وكانت هذه هي بداية الحرب الأولى بين روسيا والشيشان، التي استمرت من 1994 وحتى 1996. وقد حاربت الشيشان من أجل استقلالها تحت قيادة الرئيس ذوخاردوديف. وانتهت الحرب عام 1996 باتفاقية خزاجفورت للسلام، التي نصَّت على تأجيل البت في الوضع الرسمي للشيشان، لمدة خمس سنوات إضافية، أي حتى عام 2001، إلا أن الخطة لم تُنفَّذ.

الطريق إلى الإرهاب الراديكالي
خلال تلك السنوات بدا وكأن الشيشان ماضية بقوة الدفع الذاتي في طريق الإرهاب الأصولي، فقد اندلعت الحرب الثانية بين روسيا والشيشان مجدداً في سبتمبر (أيلول) من عام 1999، وقد بدأ الأمر بسلسة من الانفجارات لعدة أبنية سكنية، كما وقعت الانفجارات بمدن بوجناكي بداغستان وفولجودونسك وموسكو بروسيا. وقد أتهم الإرهابيون الشيشان بارتكاب هذه الاضطرابات التي أودت بحياة 300 شخص وأصابت 700 آخرين. وفى الشهر ذاته، قامت قوة من الشيشان والداغستانيين، ومسلحين أجانب، باحتلال داغستان، وقد قاد هذا الاحتلال، شاجل بازايف وعبد الله السويلم وخطاب، بهدف تأسيس دولة راديكالية بالشيشان وداغستان.
وكانت هذه الاضطرابات الإرهابية إلى جانب احتلال داغستان، وراء بدء الحرب الروسية الشيشانية الثانية في سبتمبر 1999.
حين حل عام 2000 كانت الحكومة الروسية تعلن انتصارها العسكري ولكن في نهاية الحرب تحول القتال العسكري إلى عملية لمكافحة الإرهاب، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
ولعلَّ الناظر إلى سجلات حقوق الإنسان في الشيشان خلال العقدين الماضيين يدرك أن ظهور الإرهاب وتناميه، وقدرة «داعش» على اكتساب عناصر شيشانية جديدة، إنما يتأتى في بعض أجزائه من جراء ممارسات غير إنسانية مورست ضد المواطنين الشيشانيين على يد القوات الروسية الفيدرالية.
ومنها قصف القرى دون تمييز، إلى جانب القبض العشوائي على الرجال، وممارسة التعذيب أو قتل المحتجزين، كما كانت فرق الموت تقوم بقتل المواطنين، وسرقة أو تدمير أملاكهم، ناهيك باقتحام ديارهم، واستباحة الاعتداء على النساء والرجال، ولا تزال التعديات والانتهاكات تُمارَس ضد المواطنين الشيشان وإن كانت هذه المرة تُمارَس برعاية الحكومة الشيشانية الجديدة ومساندتها بحسب تقارير منظمة «هيومن رايتس ووتش».

العنف قابلة الإرهاب
حين يتحدث كارل ماركس عن العنف بوصفه قابلة التاريخ، فإنه لم يلتفت إلى أن العنف كذلك هو حاضنة الإرهاب والعنف المضاد، الأمر الذي جرت به المقادير في الشيشان حتى الساعة.
تركت الحروب في منطقة الشيشان أثرها على الحجر والبشر، فقد تدمرت البنية التحتية للجمهورية، وتشهد الصور التي التقطت للعاصمة غروزني بعد آثار التدمير التي عاشتها أثناء الحربين الأولى والثانية على ذلك.
وطبقاً لعدة تقديرات، فإن الخسائر في الأرواح التي تعرض لها الشعب بالشيشان أثناء الحروب، تتراوح بين 65 و77 ألف فرد، وذلك من واقع تعداد يقترب من مليون قبل الحروب، مما أثَّر على كثير من الأسر والعائلات، وبالتالي على الأطفال والشباب، كما ترتب على ذلك أيضاً تفاقم حالة البطالة. وفى أعقاب حروب الشيشان تعرضت البلاد لخلل كبير في العملية التعليمية والمخزون من الأدوية. وانتابت شعب الشيشان حالة من الصدمة النفسية ونشأ جيل من الأطفال لم يعرف سوى العنف منذ أن فتح عينيه على العالم.
وكمناطق الحروب الأخرى، فإن ما تعرضت له منطقة الشيشان نتيجة للحروب الدائرة وحالة العنف، وما ترتب عليه من تدهور لظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كان له تأثيره الملموس على العائلات والأفراد، خصوصاً صغار السن منهم، حيث يعاني الجميع من انعدام الأمن والحاجة إلى الحماية الجسدية... هل لا بد لانعدام الأمن من ظهور الإرهاب؟

الإرهاب واقع يطرح نفسه
كان من الطبيعي أن تولد الحروب ضد الشيشان اضطرابات نفسية واجتماعية، واقتصادية وأمنية، وليس أفضل من هذه وتلك أجواء ملائمة لنشوء وارتقاء حركات تطرف عنيف، لا يلبث أن يتحول إلى إرهاب، بدا محلياً وها هو ينحو مع الدواعش إلى تهديد أممي.
في الفترة ما بين 1991 و1994 ارتكبت ثمانية أنشطة إرهابية على يد إرهابيين من الشيشان. هذه الأنشطة استخدمت التكتيكات والوسائل الإرهابية، خصوصاً اختطاف الرهائن والمطالبة بالفدية، بالإضافة إلى اختطاف الطائرات والحافلات وعلى متنها مسافرون. وقد أسفرت تلك الأنشطة عن وفاة أربعة أفراد وإصابة تسعة عشر آخرين. بالإضافة إلى ملايين من الدولارات التي دفعت للمختطفين كفدية.
ومن هذه الأنشطة الإرهابية اختطاف طائرة مدنية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، وقد نفذت العملية احتجاجاً على الوجود الروسي بالشيشان، وهناك كثير من حوادث الاختطاف الأخرى، كان الغرض الأساسي منها المطالبة بالفدية. وهناك أكثر من 60 نشاطاً إرهابياً داخل وخارج الشيشان قد تم ارتكابه على يد الإرهابيين الشيشان، بين عامي 1995، 1999 بالإضافة إلى ما يربو على 80 حادثاً إرهابياً تم ارتكابه بين عامي 2000 و2004.
وكانت أخطر العمليات الإرهابية التي قامت بها عناصر شيشانية، حادث حصار مسرح «دوبوفكا» في موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2002، وعملية اختطاف الرهائن بمدرسة في بسلان، شمال أوسيتار في سبتمبر 2004. وقد حظيا بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الدولية. وقد بدأت العمليات الانتحارية في عام 2000 وما زالت مستمرة منذ ذلك الحين، وطبقاً لبعض الإحصائيات فإن 28 حادثاً انتحارياً قد وقعوا بالفعل بين عامي 2000 و2005.
ما الذي جرى على وجه الدقة وجعل الشيشان على هذا النحو مؤولاً للإرهاب المحلي، الذي يصدر كذلك إلى الخارج؟
المؤكد أنه بعد تحول القتال العسكري الروسي بالشيشان إلى عمليات حربية ضد الإرهاب، بدأت الحركة الانفصالية في التحول هي الأخرى، حيث بدأت القوات الفيدرالية والمحلية التابعة للحكومة في مطاردتها ودفعها إلى منطقة الجبال، ومنذ ذلك الحين والحركة تعمل في سرية. وحالياً يتكون الإرهاب بالشيشان من شبكة تسمى بالجماعات، وهى مجموعات تعمل في سرية، وتتكون عادة من إسلامويين مسلحين ولها اتصالات بجماعات خارج الشيشان في داغستان، وأنجوشيتيا، وكراشايفو - شركسيا، وغيرها من جمهوريات شمال القوقاز.

طريق الإرهاب المعبَّد
لم يكن تنظيم الدولة يحلم بأفضل من مثل هذه أوضاع، هيأت العقول والنفوس لفكرة الخلافة الدولة، وهذا ما تشير إليه إيلينا سوبولينا الباحثة في قضايا الإرهاب من معهد موسكو للدراسات الاستراتيجية، التي تقدم أسبابا مقنعة تجعل «داعش» سعيداً بما يجري في الشيشان في الحال، وما جرى من زمن غير بعيد، وعندها أنه في مقدمة تلك الأسباب التي تجعل شباب الشيشان لقمة سائغة للدواعش، ارتفاع نسبة البطالة، وعدم الرضا على الحالة الاجتماعية، وعدم التمكين من تحقيق أحلامهم، هذه جميعها قادت كثيراً من أبناء المنطقة إلى الارتماء في أحضان «الجهاديين» المغشوشين من الدواعش.
أما بافل فيغنهاور المعلق العسكري المستقل في موسكو، فيذهب إلى أن جهوداً منسقة من أجهزة الاستخبارات الروسية قبيل دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي عام 2014، قد تكون لها علاقة بالموضوع. فالإجراءات الأمنية الصارمة وقتها دفعت أعداداً هائلة من المتطرفين للخروج من البلاد، وهؤلاء امتصهم تنظيم «داعش» مثل مكنسة كهربائية، لكن مع فقدان التنظيم الآن لكل مناطق نفوذه تقريباً، فإن المكنسة الكهربائية باتت تعمل في الاتجاه المعاكس وتهدد بلفظ الإرهابيين.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».