«فوكس للقرن العشرين»... إلى كنف «ديزني» بعد تاريخ عريق

رصيد الشركة 4300 فيلم في مائة عام وتقنية «سينما سكوب»

«فوكس للقرن العشرين»... إلى كنف «ديزني» بعد تاريخ عريق
TT

«فوكس للقرن العشرين»... إلى كنف «ديزني» بعد تاريخ عريق

«فوكس للقرن العشرين»... إلى كنف «ديزني» بعد تاريخ عريق

لاستوديوهات كولومبيا صورة تمثال الحرية وهو يشع. ولاستوديوهات باراماونت صورة الجبل ونجوم تعلوه على شكل قوس. لمترو غولدوين ماير صوت وصورة الأسد وهو يزأر. و«يوينفرسال بيكتشرز»، إلى وقت قريب، كان لها صورة الأرض المكوّر في دائرة كاملة. وشركة وورنر كانت تكتفي بحرفي اسمها WB مطبوعاً على ما يشبه الدرع.
أما «فوكس» فكان لها أفضل موسيقى تعريفية بين كل الاستوديوهات. موسيقى من الأبواق الصادحة بقوّة كما لو أنها آتية من أيام الرومان في ميادين القتال. تحت صوت تلك الموسيقى كلمات ضخمة تقول: 20the Century Fox. الكلمات محاطة بضوئين يتحركان بشعاعين كاشفين يجولان في السماء، واحد إلى يمين الكلمات والآخر إلى يسارها. ضوءهما يجوب السماء عالياً كما لو أنهما يبحثان عن طائرات مغيرة في زمن الحرب العالمية الثانية. الشعار كان من تصميم الفرنسي إميل كوسا جونيور الذي كان تسلم قسم التصاميم الفنية في الشركة. أما الموسيقى ذاتها فوضعها ألفريد نيومان.
الآن وبعد صفقة البيع التي أجازتها وزارة العدل الأميركية قبل شهرين لن نسمع تلك الموسيقى ولن نشاهد الشعار إلا من خلال إعادة مشاهدة الأفلام السابقة لها.
المشتري لا يقل ضخامة ويعرف بشعار مرسوم لقلعة كاتدرائية يمر من فوقها نجم ينطلق من شمال الصورة إلى يمينها وتحتها كلمات Walt Disney Pictures. «ديزني» دفعت 52 بليون دولار ثمناً لأفلام ومحطات «فوكس» التلفزيونية شاملة تاريخ الشركة من الأفلام والاستوديو الكبير المنتصب فوق مساحة كبيرة من منطقة سانتا مونيكا في لوس أنجليس.
موافقة وزارة العدل التي صدرت في السابع والعشرين من يونيو (حزيران) تمنح «ديزني» ملكية 22 محطة تلفزيون رياضية في ربوع الولايات المتحدة ومحطات إخبارية وعقارات مختلفة والدفع كان خليطاً من المبالغ النقدية والأسهم المصرفية. وتبعاً لتفاصيل الصفقة فإن شركة فوكس، التي يملكها روبرت مردوخ، تخلّت عن كل أملاكها المعنوية والمادية باستثناء قنواتها التلفزيونية الرئيسية مثل «فوكس نيوز» وملحقاتها.
لم تتم الصفقة بسهولة إذ ناوأتها شركة «كومكاست» (Comcast) التي عرضت شراء فوكس بمبلغ مغر قدره 58 بليون دولار لكن الصفقة أبرمت بعدما قضى المحامون والمحاسبون على جانبي وولت ديزني وفوكس أشهراً من التداول امتدت ما بين شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي إلى تاريخ إنجاز الصفقة.
- نجوم أول
بدأ تاريخ فوكس بخلاف، كل من داريل ف. زانوك وجوزيف شنك كانا عضوين في مجلس إدارة شركة يونايتد أرتستس، تلك التي أسسها سنة 1919 المخرج ديفيد وورك غريفيث والممثلين تشارلي تشابلن وماري بيكفورد ودوغلاس فيربانكس والتي تعرضت لسلسلة من عمليات الاستحواذ بدءاً بقيام مترو غولدوين ماير بشرائها وضمها ووصولاً إلى كونها اليوم جزءاً من الشركة الأكبر قلما ما نشاهد لها أفلاماً، إذ تنصرف إلى تنفيذ مهام توزيعية وإدارية أكثر منها إنتاجية.
حسب مصادر ترك زانوك وشنك، «يونايدت أرتستس» سنة 1933 واتصلا بشركة صغيرة اسمها «فوكس» لمؤسسها ويليام فوكس. خلال ذلك انضم إلى هؤلاء الثلاثة لويس ب. ماير. لكن مصادر أخرى تقول إن زانوك كان مسؤولا في شركة وورنر وتمت الاستعانة به لقيادة المؤسسة من دون ماير الذي كانت له مسؤولياته في الشركة التي شارك بتأسيسها سنة 1924 باسم مترو - غولدوين - ماير. في كلتا الحالتين تم التأسيس في السنة المذكورة والإنتاج في العام التالي بفيلم «بيت آل روثتشايلد»، إخراج ألفريد وركر، وهو الفيلم تم ترشيحه لجوائز الأوسكار سنة 1935 وكان في عداد سباق ضم 12 فيلماً من بينها نسخة شركة باراماونت من «كليوباترة» لسيسيل ب. دميل، وهو الفيلم الذي ستنتجه «فوكس» مجدداً سنة 1963 من بطولة إليزابيث تايلور ورتشارد بيرتون وإخراج جوزيف ل. مانكوفيتز.
ويليام فوكس فرض اسمه على التحالف الجديد ليس بقوّة إنتاجاته، فوضع شركته «فوكس فيلم» لم يكن جيداً، بل بقوّة نجومه المتعاقدين معه ومن بينهم شيرلي ماكلين وجانيت غاينور وويل روجرز الذي توفي في حادثة طائرة، سنة 1935. كبديل قام زانوك بجذب بعض النجوم من شركة وورنر بسبب علاقته معهم عندما كان مديراً لها وأضاف إلى إليهم تايرون باور وهنري فوندا وأليس فاي وعدد آخر من نجوم ذلك العقد الآفل.
في الأربعينات بلغت «فوكس للقرن العشرين» نضجاً سريعاً. تلحظ ذلك من خلال بعض أهم إنتاجاتها مثل «عناقيد الغضب» و«مستر لينكولن الشاب» (كلاهما لجون فورد) و«اتفاق السادة» لإيليا كازان و«حفرة الثعبان» لأنتول ليتفاك وكلها أنجزت نجاحات كبيرة.
في الخمسينات قامت الشركة (قبل وبعد انفصال داريل زانوك عنها سنة 1956) بدخول معترك تطوير تقنيات العروض السينمائية فابتدعت ما أطلق عليه اسم «سينما سكوب» الذي نص على شاشة أعرض من مقاس 35 مم المتداول حينها. هذه النقلة كانت ردّاً على انتشار أجهزة التلفزيون في مطلع الخمسينات وترجمة لاستعداد هوليوود البقاء على سدة الصناعة الترفيهية المصوّرة.
تحت ستار «السينما سكوب» قامت «فوكس» بتصوير أفلام منتمية إلى أنواع مختلفة. أنتجت الأفلام التاريخية (مثل «كليوباترة») والدينية («الحبل» لهنري كوستر) والوسترن («أوكلاهوما» لفرد زنيمان و«رجل من لارامي» لأنطوني مان) والموسيقي («كارمن جونز» لأتو برمنجر) من بين أخرى.
«كليوباترا» انتقل من مفهوم مشروع فيلم تاريخي حول الملكة التي جذبت إليها الروماني أنطوني بجمالها الساحر، إلى معضلة، إذ بات المشروع الذي خرج عن كل قوانين الصناعة وتجاوزت ميزانيته ضعف ما نوت «فوكس» تخصيصه. إذ بلغت الميزانية النهائية 40 مليون دولار وهو رقم مرتفع جداً آنذاك (سنة 1963) يوازي بعملة اليوم نحو 300 مليون دولار على قياس أن كل 100 دولار في ذلك العام تساوي 810 دولارات حالياً. إليزابيث تايلور وحدها قبضت مليون دولار عن دورها وهو رقم لم تبلغه آنذاك ممثلة أخرى من قبل.
- عريقاً
لم يكن «كليوباترة» فشلاً ذريعاً لكن مع ارتفاع تكلفته لم يدخل خانة الأفلام المربحة أيضاً. على أن الستينات لم تكن، بالنسبة للشركة، إخفاقات من هذا النوع، بل عرفت، وبعد تعيين داريل زانوك (وقد عاد وترأس الاستوديو في مطلع الستينات) لابنه ريتشارد بديلاً له. تحت إدارة الابن خطت الشركة صوب نجاحات أكبر فأنتجت «صوت الموسيقى» (لروبرت وايز) و«39 درجة» (ألفريد هيتشكوك) و«شمالي ألاسكا» (هنري هاذاواي) و«المليونيرة» (أنطوني أسكويذ) و«اليوم الأطول» (مجموعة من المخرجين) و«زوربا اليوناني» (مايكل كوكايانيس) و«الإنجيل في البداية» (جون هيوستون) وذلك من بين نحو 300 فيلم قامت بإنتاجه في الستينات.
في نهاية السبعينات تبنت «فوكس» مشروع فيلم بميزانية لم تزد كثيراً عن 12 مليون دولار اسمه «ستار وورز». هذا بعدما كانت الاستوديوهات الأخرى رفضته معتقدة أنه لن يحقق أي نجاح يذكر. لكن المشروع استرعى انتباه «فوكس» وقامت بتمويله وفوجئت كسواها بنجاحه غير المتوقع.
نجاحه قاد لإمبراطورية ضخمة من الأفلام والمشتقات الأخرى قبل أن تشتري وولت ديزني ملكية مؤسس السلسلة (المنتج والمخرج جورج لوكاس) وتتبنى عمليات إنتاج الأجزاء الأخيرة وتوسيع رقعة المشتقات قدر المستطاع. هذا الانتقال الجديد في الملكية تبع قيام الإمبراطور الإعلامي روبرت مردوخ بشراء «فوكس» في عملية مشهودة في التسعينات اعتبرت حينها جرس إنذار لمحاولة المؤسسات الضخمة الاستيلاء على تلك الأصغر منها أو تلك القابلة للهضم.
ذلك لأن مترو غولدوين ماير بيعت أكثر من مرّة و«كولومبيا» اشترتها صوني و«يونيفرسال بيكتشرز» أصبحت ملكاً لشركة AMC ثم لمؤسسة NBC حالياً.
لكن ما يثير التعجب هو أن «فوكس للقرن العشرين» لم تكن مقدمة على وضع متأزم (كما حال مترو - غولدوين - ماير اليوم إذ تبلغ ديونها أكثر من ملياري دولار) ولديها سلاسل فيلمية ناجحة من الإنتاجات الأخيرة مثل سلسلة «رجال إكس» و«فانتاستيك فور» و«إليانز» وفي الصدارة «أفاتار» الذي دخل جيمس كاميرون تصوير جزأين جديدين له منذ بضعة أسابيع. السؤال المطروح إذا ما كان مالكها والمساهمون الكبار فيها يريدون الخروج من صناعة السينما والاكتفاء بالتلفزيون وتحقيق ثروة كبيرة خلال ذلك أو أنها حركة لا ضرورات لها أو دوافع فعلية؟ في الحالتين هو اندثار لشركة كبرى في عصر من صراعات البقاء للأقوى.
بقيام وولت ديزني بشراء «فوكس» وتقويض تاريخها ينقص عدد الاستوديوهات الكبيرة واحداً. لكن الأهم أن جعبة «فوكس» التي تحتوي على نحو 4300 فيلم منذ أن قام ويليام فوكس بإنشاء شركته سنة 1919 باتت ملكاً لاستوديو تم بناؤه على أساس تخصصه بأفلام الرسوم المتحركة قبل أن ينفض عن نفسه ذلك اللقب ويتحوّل إلى استوديو ينتج كل ما يصل إليه من «فورمات» وأنواع طالما يشتم من ورائها رائحة الربح.
عندما خطا العالم القرن الواحد والعشرين لم تقم «فوكس» السينمائية بتغيير شعارها وأبقته ناطقاً بالقرن العشرين الذي مضى. ربما كان ذلك نبوءة لما في مكانها فهي لم تلج القرن الجديد لأكثر من سنواته الـ18 الأولى.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».