«المازة اللبنانية»... موسيقى من نوع آخر

أكثر من 100 صنف من فسيفساء ملونة بأطباق منوعة

«المازة اللبنانية»... موسيقى من نوع آخر
TT

«المازة اللبنانية»... موسيقى من نوع آخر

«المازة اللبنانية»... موسيقى من نوع آخر

هي موسيقى فولكلورية لبنانية من نوع آخر. فعندما تصطف على المائدة ونسمع قرقعة صحونها الصغيرة يخيل إلينا أننا أمام لوحة استعراضية يسيل لها اللعاب.
فالمازة اللبنانية المشهورة في مطاعم لبنان التي تقدم الأكلات الشعبية تعد عنصراً أساسياً من لائحة طعام طويلة تتضمن البارد والساخن منها وتعرف في عالم المائدة بـ«المشهيات». فأن تقصد مطعماً لبنانياً ولا تتذوق «المازة» من مشهيات تسبق الأطباق الرئيسية فكأنك تقدم على خطوة ناقصة في عالم المطبخ اللبناني الأصيل.
«شوفي عندكن مازة؟»، هو السؤال البديهي الذي يفتتح جلسة على البحر تتناول فيها طعاماً يتألف من ثمار البحر والسمك. والسؤال نفسه يتكرر في جلسة مشابهة تجري في مطعم في المدينة أو في الريف يقدم المشاوي واللحوم على أنواعها. وتطول لائحة «المازة» اللبنانية المنقسمة إلى جزأين: الباردة والساخنة، لتتألف من نحو 100 صنف تتمازج فيها روائح البهارات والثوم مع أنواع الحبوب والخضار كاللوبيا والفاصوليا والبامية إذا كانت من الصنف الأول، ولتحمل عبق الكبة والنقانق وأجنحة الدجاج المقلية والمشوية إذا كانت من الصنف الثاني. واليوم نطل معكم على بعض هذه الأطباق التي عادة ما يلتزم اللبناني بتذوقها عندما يقصد مطعماً ما. فالقاعدة الأساسية في موضوع ارتياد مطعم دون غيره ترتكز على مذاق «المازة» عنده. فإذا كانت طازجة ولذيذة الطعم فهي تطبق القول المأثور «المكتوب يقرأ من عنوانه» فيتشجع الزبون على طلب باقي الأطباق دون تردد بما أن «المازة» منها لاقت إعجابه. والمعروف أن أطباق المازة الباردة يرتكز تحضيرها على استخدام زيت الزيتون بعيداً عن السمن وأنواع اللحوم، وهي تعرف في لبنان بـ«القاطع». فيما أطباق «المازة» الساخنة تقتصر على أنواع لحوم (عصافير وبقر وغنم) مقلية أو مشوية على الطريقة اللبنانية التي يتفنن كل مطعم في طريقة تحضيرها.
وتأتي أطباق «البرغل بالبندورة» و«المدردرة» و«الفلافل» واللوبيا والفاصوليا والبامية بالزيت في مقدمة أصناف المازة الباردة، وعادة ما تترافق مع سلطات الفتوش والتبولة و«الشنكليش» و«محشي ورق العنب والسلق» بالحمص والأرز والمتبلة بالحامض والثوم. أما اللبنة المتومة والجبنة البلدية والحمص بالطحينة و«بابا غنوج» فتعد من الأطباق الرئيسية التي تحتويها مائدة لبنانية أصيلة وعادة ما ترفق مع السلطات الخضراء كـ«الجرجير مع الصعتر» ومكعبات الشمندر السكري المسلوق والمتبلة بصلصة الحامض وزيت الزيتون.
ويعد صحن الحمص بالطحينة الأشهر في عالم المازة اللبنانية وأحياناً كثيرة يأخذ مذاقات كثيرة، إذ يتفنن الطباخون في خلطه مع الأفوكادو والشمندر أو مع «الكبيس» والبقدونس والبندورة المفرومة قطعاً صغيرة (تعرف بالحمص العكاري نسبة إلى منشئها في بلدات عكار الشمالية). ويقدم هذا الطبق مرات أخرى ضمن «المازة الساخنة» إذا كانت تدخل مكوناته لحمة «القاورما» الدسمة و«راس عصفور» من الفيليه الطرية. وعادة ما يلحق بطبق الحمص بالطحينة آخر من الصنف نفسه وهو «بابا غنوج» المؤلف من الباذنجان المشوي المهروس والمتبل مع الطحينة والحامض والثوم. ويأتيك في الإطار نفسه «سلطة الراهب»، وهي كناية عن باذنجان مشوي تغطيه البندورة والبصل والفلفل الأخضر مع زيت الزيتون. وكذلك أطباق «حمص بليلة» و«فول مدمس». كما يشكل «الطاجن» (يحضر مع البصل المفروم المقلي مع الكزبرة والبندورة متبل مع الطحينة والحامض) طبقاً معروفاً يندرج على هذا الشكل تدخله أحياناً قطع من سمك الفيليه المشوي حسب الطلب. ومن الأصناف التي تندرج على اللائحة نفسها أصناف الكبيس على أنواعه كـ«مكدوس باذنجان» (كبيس باذنجان محشو بالجوز وحبوب الرمان والثوم) وكبيس الملفوف حار الطعم واللفت والخيار والجنارك والمقتي اللذيذة الطعم. كما يحضر على المائدة أيضاً الخرشوف المسلوق المتبل مع الحامض والثوم وقطع البندورة مع السماق والثوم وشرائح جبن «فيتا» مع الصعتر البلدي.
ومن المقبلات الساخنة التي تندرج على لائحة «المازة» اللبنانية أيضاً أطباق كثيرة نبدأها برقائق الجبن (مشوية أو مقلية) وفطائر بالسبانخ والسمبوسك والكبة أقراص مقلية ومحشوة باللحم والصنوبر والبصل أو باللبنة. ويلحق بهذه الأصناف «سودا دجاج» (كبد الدجاج) و«راس عصفور» و«السجق» و«النقانق» المقلية أيضاً والمتبل بعضها مع دبس الرمان أو الحامض والثوم. وللبطاطا مكانتها في موضوع «المازة» فتقدمها بعض المطاعم مقلية ومشوية على شكل مكعبات ومتبلة بالكزبراء والثوم، وأيضاً مع السماق والبندورة أو «بروفنسيال» كسلطة يغمرها الزيت نفسه ورشة بقدونس مع السماق وأحياناً تقدم متبلة مع الفلفل الحر وتعرف بـ«البطاطا الحرة».


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».