ساو باولو.. مدينة المال والأعمال تخرج من المونديال

الحياة تعود لطابعها الروتيني المعتاد وكأن بطولة كأس العالم قد انتهت

أكثر المدن التي تغنى بها الشعراء والمطربون في البلد اللاتيني  -  عودة الحياة والنشاط إلى مدينة ساو باولو أكبر المدن البرازيلية
أكثر المدن التي تغنى بها الشعراء والمطربون في البلد اللاتيني - عودة الحياة والنشاط إلى مدينة ساو باولو أكبر المدن البرازيلية
TT

ساو باولو.. مدينة المال والأعمال تخرج من المونديال

أكثر المدن التي تغنى بها الشعراء والمطربون في البلد اللاتيني  -  عودة الحياة والنشاط إلى مدينة ساو باولو أكبر المدن البرازيلية
أكثر المدن التي تغنى بها الشعراء والمطربون في البلد اللاتيني - عودة الحياة والنشاط إلى مدينة ساو باولو أكبر المدن البرازيلية

بينما خيم الصمت والحزن على جميع المدن البرازيلية في أعقاب الهزيمة القاسية 7 / 1 التي مني بها المنتخب البرازيلي أمام نظيره الألماني في الدور قبل النهائي لبطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل، ظلت الحياة والنشاط في مدينة ساو باولو أكبر المدن البرازيلية وفي جميع المدن البرازيلية، سواء التي استضافت فعاليات المونديال أو لم تشارك في الاستضافة، عادت الحياة إلى طابعها الروتيني المعتاد وكأن كأس العالم قد انتهت بالفعل قبل المباراة النهائية بأيام، وإن اتسم إيقاع الحياة بالصمت والحزن على عكس ما كان عليه على مدار أربعة أسابيع ماضية كانت الاحتفالات بالمونديال هي الأمر السائد في المدن كلها، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).
ولكن المباراة بين المنتخبين الأرجنتيني والهولندي بثت بعض الحياة في مدينة ساو باولو كما كان لطبيعة هذه المدينة دور في اختلاف كثير من الأجواء عنه في باقي المدن حتى يبدو للزائر وكأن الهزيمة القاسية للسامبا أمام المانشافت لم تطغ بأثر كبير على هذه المدينة.
ويرى البعض أن السبب في هذا قد يرجع إلى أن هذه المدينة شهدت قبل المونديال الكم الأكبر من الاحتجاجات والإضرابات في البرازيل والتي كادت تهدد المونديال البرازيلي.
وربما كان في خروج المنتخب البرازيلي صفر اليدين فرصة مثالية أمام هذه الاحتجاجات والإضرابات لتحظى بدعم شعبي أكبر في مواجهة ما يصفه كثيرون بالفساد الحكومي المفرط، بينما كان في فوز المنتخب البرازيلي على ألمانيا وربما بلقب كأس العالم يوم الأحد المقبل حائط صد أمام هذه الاحتجاجات والإضرابات لأنها لن تجد الأجواء المناسبة للتعاطف معها أو جذب تأييد شعبي. والحقيقة أن مدينة ساو باولو تختلف كثيرا عن الحياة في مدن برازيلية كثيرة وخصوصا ريو دي جانيرو.
وبينما ينظر الجميع إلى ريو دي جانيرو على أنها المدينة العتيقة التي تتمتع بكثير من الأماكن والمباني الأثرية مثل تمثال المسيح الفادي واستاد «ماراكانا» الأسطوري وحتى المنازل والمطاعم القديمة لا سيما تلك الموجودة في منطقة «لابا» بوسط المدينة، ينظر كثيرون إلى ساو باولو على أنها المدينة الحديثة الكبيرة التي تمثل اندماج كثير من الثقافات والحضارات في بوتقة برازيلية ذات طابع مميز.
ووصفت ساو باولو على مدار تاريخها، الذي يمتد لأكثر من أربعة قرون ونصف القرن، بأنها مدينة حديثة ومتفوقة وكونية وطليعية كما اشتهرت قبل المونديال البرازيلي بأنها البوابة الإسمنتية المضيئة التي سيدخل عبرها المونديال للبرازيل نظرا لأنها استضافت المباراة الافتتاحية للبطولة والتي فاز فيها المنتخب البرازيلي على نظيره الكرواتي 3 / 1.
ويجد زائرو المدينة أنفسهم لدى وصولهم إلى المدينة عبر أحد مطاريها الرئيسين، جواروليوس أو كونجونياس، أمام غابة إسمنتية حقيقية يتركز فيها العالم كله تقريبا.
وتشهد المدينة مهاجرين من أكثر من 70 دولة مختلفة قاموا بتبادل العادات والفنون والديانات، داخل ما أصبحت اليوم المدينة الأكبر في أميركا الجنوبية، التي يوجد تحت أمطارها الخفيفة التي تنهمر بصورة شبه مستمرة، مكان تقريبا لأي جالية أو جماعة أو طائفة.
ومع وصفها بأنها «العاصمة العالمية للغذاء»، تملك ساو باولو أكثر من 12 ألف مطعم وأربعة آلاف مخبز، وعددا لا يحصى من الحانات والمقاهي وأماكن تناول الشراب والعصائر.
ولا تفتقد المدينة البرازيلية العملاقة، أكثر المدن التي تغنى بها الشعراء والمطربون في البلد اللاتيني، وربما أكثرها تلوثا أيضا بسبب ملايين السيارات التي تتحرك في شوارعها يوميا، إلى المتاحف أو المسارح أو المعارض أو الأسواق أو دور الملاهي، أو الترف بأشكاله كافة. وبمدرجاته التي تسع 69 ألفا و160 متفرجا ومبانيه التي تغطي مساحة 189 ألف متر مربع، يكرم استاد كورينثيانز الذي تكلف إنشاؤه 425 مليون دولار المدينة المتقدمة والحديثة التي تحتضنه، بمنشآت فخمة ونظام تبريد يحفظ درجة حرارة عشب الملعب بين 23 و25 درجة مئوية. وتعتبر ساو باولو مدينة المال والأعمال ولا تختلف عن المدن الأميركية أو الأوروبية الكبيرة في شيء.
وهناك أصوات المروحيات التي لا تهدأ صباحا ومساء لنقل رجال الأعمال الذين يخشون زحام الطرق المختلفة في هذه المدينة التي يزيد عدد سكانها على 11 مليون نسمة إضافة للخوف من عمليات الاختطاف. وفي ساو باولو، يوجد فوق معظم المباني الفخمة مكان مخصص للمروحيات بخلاف الحراسة أمام المباني الفخمة والمطاعم والبنوك والشركات العالمية التي تزخر بها المدينة.
كما أن هناك الكثير من المقاهي والمطاعم التي عادة ما تزدحم بعد نهاية أوقات العمل ولكن المدينة تخلو تقريبا من مظاهر الاحتفال بكأس العالم مقارنة بريو دي جانيرو. ولم ينطبق هذا فقط على الأيام التي شهدت مباريات البرازيل، حيث كانت المقاهي والمطاعم تعج بالمشجعين البرازيليين بينما الطرق خاوية تماما من الحركة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».