قانون جديد في الهند لتخليص النظام المالي من الديون

يضع قانون جديد خاص بالإفلاس والتعثر المالي في الهند، عشرات الشركات العاجزة عن سداد الديون في مواجهة إجراءات إفلاس.
يحدد قانون الإفلاس الجديد جدولاً زمنياً للشركة المتخلفة عن سداد الديون لحل مشكلة ديونها، ويمنع أصحابها من محاولة إعادة شراء الشركة عبر عملية الإفلاس. إذا لم تنجح الشركة في التوصل إلى حل خلال تسعة أشهر تتم تصفيتها.
ويحاول القانون تنظيف النظام المالي من اختناقات الديون التي تقدّر بنحو 210 مليارات دولار. وتعد الديون العالقة في الهند ثالث أكبر ديون من حيث الحجم على مستوى الاقتصادات الكبرى في العالم، بعد اليونان وإيطاليا، وذلك بحسب أوداي كوتاك، الرئيس التنفيذي لمصرف «كوتاك أند ماهيندرا».
ويأتي القانون في إطار خطة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الطموحة لمكافحة الفساد، وقد تم استقباله بالترحاب كخطوة لتغيير قواعد اللعبة، وواحد من أكبر الإصلاحات الاقتصادية. ويحاول مودي منذ توليه منصبه علاج أزمة ديون بين الشركات والمصارف، إلى جانب المشكلات المتعلقة بذلك، مثل المحسوبية التي ساهمت في حدوث الأزمة.
ويحل هذا القانون محل مجموعة من القوانين القديمة التي يعود بعضها إلى مائة عام مضت، وساعد في دفع الهند بمقدار 30 نقطة للوصول إلى أفضل مائة دولة في تصنيفات البنك الدولي الخاصة بسهولة القيام بالأعمال. ويقول فيكرام غاندي، مؤسس شركة «في إس جي كابيتال أدفايسورز»، التي تساعد في إدارة استثمارات مجلس استثمار خطط المعاشات التقاعدية الكندية في الهند: «لم يحدث هذا من قبل في الهند».
- ما هو قانون الإفلاس؟
يمكّن القانون المقرضين من جعل الشركات، التي تخلفت عن سداد ديون تتجاوز ما يتراوح بين 12 و14 مليار دولار لمدة تسعين يوماً، تمثل أمام محكمة الإفلاس، التي تضع الشركة تحت إشراف إداري للنظر فيما إذا كان سيتم منحها فرصة العودة إلى العمل، أم سيتم بيعها بالكامل.
طبقاً للقانون، بمجرد وصول قضية قرض معدوم كبير إلى محكمة الإفلاس، يحل مهنيون مختصون في التوصل إلى حلول محل حاملي الأسهم المتحكمين بالشركة، ويتم البدء في حساب الزمن.
إذا لم تنجح خطة في غضون ثلاثة أرباع عام مالي، تتم تصفية أصول الشركة. ولا يحق للجميع المشاركة في عروض لإدارة الشركة المتعثرة مالياً، حيث من المحظور على مؤسسي الشركة المنحرفين، وهم أصحاب الشركة السابقين الذين فشلوا في سداد ديونها، استعادة السيطرة على الشركة.
- القانون يؤتي ثماره
لقد كشف القانون عن أنيابه بالفعل، وغرس الخوف في نفوس المقترضين الجانحين المقصّرين، مما حفّز كثيراً من مؤسسي الشركات المترددين على سداد ديون ضخمة مستحقة، خشية المخاطرة بخسارة شركاتهم، ما أدى إلى سداد نحو 830 مليار روبية (12 مليار دولار) للدائنين.
قال أرونداتي بهاتاشاريا، رئيس مصرف سابق: «ما يجعل الشركات تدفع ما عليها من ديون ومستحقات مالية هو التعديل المحكم لقانون الإفلاس الهندي، الذي لا يمنع المتخلفين عمداً عن سداد الديون فحسب من المشاركة في العطاءات؛ بل يمنع أيضاً المروجين والداعمين المتخلفين عن السداد والأطراف ذات الصلة من ذلك. لا يوجد مثل هذا البند في العالم؛ لكن كان وضعه ضرورياً في الهند من أجل استعادة الثقة في النظام المصرفي».
الأصول غير العاملة، التي راكمها المقرضون الهنود، أكبر من أصول المصارف في أكثر الاقتصادات، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، واليابان. وتحتل الهند المرتبة الخامسة من بين 39 دولة على مستوى العالم في الديون المعدومة، بحسب تقرير لوكالة التصنيف الائتماني «كير ريتينغز».
وقد أعلن أربعة عشر مصرفاً من إجمالي واحد وعشرين مصرفاً في الهند، نتائجهم خلال الربع الأول من السنة المالية 2018، من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار)، ولم يتمكن سوى مصرفين فقط من الحفاظ على وضعهما بلا ديون مستحقة لهما، في حين وصلت خسائر الاثني عشر مصرفاً إلى 6 مليارات دولار. وبحسب إم ساهو، رئيس مجلس الإفلاس، هناك «كثير من الحالات التي دفعت فيها الشركات المدينة المبلغ المستحق، بعد تقديم طلب للسلطة المختصة، لكن قبل الموافقة عليه. وقد دفع بعضهم بمجرد تسلم إخطار من دائن تشغيلي. هناك فارق ملحوظ في سلوك المقترضين».
- الشركات التي تواجه الإفلاس
وحدد مصرف الاحتياطي الهندي قائمتين بالشركات التي تواجه الإفلاس. يوجد على القائمة الأولى اثنا عشر حساباً، تم حل وضع اثنين منهما، في حين تم إشهار إفلاس العشرة حسابات الباقية، وتمر حالياً بمراحل مختلفة من الحل.
شركة «بوشان ستيل»، التي يزيد حجم دينها على 8 مليارات دولار، من تلك الشركات الاثنتي عشرة التي حدد مصرف الاحتياطي الهندي أن عليها أكبر دين متعثر للقطاع المصرفي في البلاد، وسعى المصرف لاتخاذ إجراءات إشهار إفلاس بحقها. وكانت الشركة الأولى على قائمة مصرف الاحتياطي الهندي التي يتم النجاح في حل أزمتها طبقاً لقانون الإفلاس الجديد. وقد استحوذت شركة «تاتا ستيل لمتيد» على حصتها من الأسهم البالغة 73 في المائة مقابل 5.18 مليار دولار بعد تسديد الديون للمصارف الدائنة. كذلك سوف تسدد لأصحاب الديون التشغيلية، مثل البائعين، 12 مليار روبية أخرى خلال اثني عشر شهراً.
في صفقة أخرى كبرى سيطرت شركة «فيدانتا لمتيد» على شركة «إلكتروستيل ستيلز لمتيد» المفلسة، المدينة للمصارف بملياري دولار.
من الشركات التالية في صف صفقات تسديد الديون، شركة النسيج «ألوك إنداستريز لمتيد»، والشركة المصنعة للإسمنت «بيناني سيمينت لمتيد»، والشركة المصنعة للمعدن «إيسار ستيل لمتيد»، و«لانكو إنفراتيك»، و«جيوتي ستراكتشرز»، و«ألوك إنداستريز»، و«أمتيك أوتو»، و«إيه بي جي شيبيارد»، و«إيرا إنفرا إنجينيرينغ»، و«مونيت إيسبات أند إنيرجي»، والشركة المصنعة لزيت الطهي «روتشي صويا إنداستريز لمتيد».
وبحسب بيانات جمعتها مؤسسة «بلومبيرغ كوينت»، لا تقترب سوى أربعة حسابات فقط من الحل من إجمالي 29 حساباً متعثراً على القائمة الثانية. وقد تم إشهار إفلاس أحد عشر حساباً، في حين تواجه الأربعة عشر حساباً إما تأجيلاً بسبب التقاضي، وإما ستتم إحالتهم إلى محكمة قانون الشركات الوطنية، من أجل اتخاذ إجراءات الإفلاس. تم جمع البيانات من محكمة قانون الشركات الوطنية، وملفات سوق الأوراق المالية.
من المرجح أن يسترد المقرضون خلال العام الحالي ديوناً تقترب قيمتها من 15 مليار دولار كانوا قد اعتبروها معدومة إلى حد كبير، على حد قول محللين.
- ما هي الخطوة التالية؟
بالتزامن مع تلك الخطوة، أقرّت الهند مؤخراً قانون المجرمين الاقتصاديين الهاربين، الذي يتيح مصادرة الأصول المحلية والأجنبية المملوكة لـ«مجرمين اقتصاديين» غادروا البلاد، بحيث يتمكن دائنوهم من استرداد مستحقاتهم. ينطبق هذا القانون على القضايا التي يتجاوز فيها مقدار الأموال التي تم غسلها، أو المستحقات، 14 مليون دولار. ويأتي هذا في إطار الجهود الرامية لمقاضاة العشرات الذين هربوا خلال الأربعة أعوام الماضية، بعد أن احتالوا للحصول على المليارات من المصارف الهندية.
وطبقاً للتشريع الجديد، سوف تتمكن السلطات الهندية من مصادرة أصول الهاربين المتهمين بجرائم تتضمن الاستيلاء على مبالغ مالية تزيد على 14 مليون دولار.
كذلك سوف تخضع الحكومة للمساءلة الأفراد الذين قدموا ضمانات لقروض حصلت عليها شركة ما في حالة تخلفها عن السداد. ومن المقرر أن يتم توسيع نطاق التشريع لاحقاً بحيث يشمل رجال أعمال فرادى، وكل المواطنين في النهاية.
وسيكون أول متهم ستتم مقاضاته طبقاً للقانون قطب الملاحة الهندية، وصانع الجعة، الذي حوّل جعة «كينغ فيشر» إلى علامة تجارية عالمية، وهو فيجاي ماليا، البالغ من العمر 62 عاماً، الذي يخضع لمحاكمة تسليم مجرمين وترحيل أمام إحدى محاكم المملكة المتحدة، على خلفية اتهامات بالاحتيال وغسل الأموال، موجهة من جانب السلطات الهندية، وتتضمن القضية مبالغ تزيد على 1.55 مليار دولار.
سيكون التالي في الصف ثنائي من صانعي الألماس والمجوهرات يتكون من عم وابن أخيه، وهما ميهول تشوكسي، ونيراف مودي، اللذان تمكنا من الهرب بعد اتهامهما بالاحتيال على مصرف، والحصول على ملياري دولار في بداية العام الحالي.
ورغم بعض المشكلات قصيرة المدى، يشعر خبراء الاقتصاد بالتفاؤل بشأن الاتجاه الذي تتحرك نحوه البلاد. وقال راشيش شاه، رئيس مجموعة «إيديلويس» للخدمات المالية المتنوعة ومقرّها مومباي: «يُحدث قانون الإفلاس الهندي الجديد حالياً فرقاً في السرعة التي يتم بها حل قضايا الإفلاس، والمبالغ المالية التي يمكن للدائنين استردادها. سوف يحتاج تنظيف النظام إلى بعض الوقت، لكن يمثل هذا إصلاحاً عظيماً هائلاً، ويصبح أكثر سلاسة، وتقل مشكلاته مع كل قضية. من الواضح أنه قد حدث تحول في توازن القوى».