فلسطينيو تشيلي... قصص نجاح على مدى أكثر من 100 عام

أكبر جالياتهم خارج العالم العربي

العائلات الفلسطينية الأولى التي هاجرت إلى تشيلي جاءت من بيت جالا وبيت ساحور وبيت لحم (غيتي)
العائلات الفلسطينية الأولى التي هاجرت إلى تشيلي جاءت من بيت جالا وبيت ساحور وبيت لحم (غيتي)
TT

فلسطينيو تشيلي... قصص نجاح على مدى أكثر من 100 عام

العائلات الفلسطينية الأولى التي هاجرت إلى تشيلي جاءت من بيت جالا وبيت ساحور وبيت لحم (غيتي)
العائلات الفلسطينية الأولى التي هاجرت إلى تشيلي جاءت من بيت جالا وبيت ساحور وبيت لحم (غيتي)

تقدم عالم الملاحة، وابتكرت شركات الطيران أجود وأفضل أنواع الطائرات إلا أن المسافات تبقى بعيدة والسفر يكون متعبا، ولكن الوجهة تبقى الدواء الذي ينسيك العناء والجلوس في مكان مغلق على مدى ساعات طويلة.
هذه المرة الرحلة كانت إلى تشيلي الواقعة على حافة غرب أميركا الجنوبية وتتمتع بمسافة تزيد على 6 آلاف كلم على ساحل المحيط الهادي، الرحلة كانت مباشرة من دبي إلى سانتياغو عاصمة تشيلي على متن طيران الإمارات التي سيرت هذا الخط مؤخرا، رابطة بذلك أميركا اللاتينية بجنوب شرقي آسيا والصين والشرق الأوسط وأوروبا.
سافرت في الماضي إلى بلدان لا تزال السياحة فيها خجولة بعض الشيء بالنسبة للعرب، فكانت ردود أفعال من أدرك بأني متوجهة إلى أماكن مثل «هو شيه منه» وأمثالها من المدن ممزوجة بالاستغراب، إلا أن هذه المرة وبعد سماع أصدقائي العرب خبر سفري إلى تشيلي كانت ردة الفعل موحدة: «رحلة العمر»، وقدمت إلي كثير من المعلومات المجانية حول تشيلي مثل شكلها المستطيل الفريد من نوعه على خريطة العالم وانقسام الآراء حول اسم تشيلي، إلا أن المعلومة الأهم كان مفادها بأن تشيلي تضم أكبر جالية فلسطينية خارج الوطن العربي بحيث يصل عدد الفلسطينيين فيها اليوم إلى ما يقارب الـ900 ألف شخص ولو أن الرقم غير موثق بشكل رسمي بعد.
فذهبت إلى تشيلي بذهنية منفتحة للتعرف عليها وعلى شعبها ومعالمها، في العاصمة وفي جنوبها الذي يعتبر من أجمل الأماكن في العالم على الإطلاق.
وبعد عشرين ساعة من الطيران المتواصل مع توقف قصير في ساو باولو، وصلنا إلى سانتياغو في موسم الشتاء القارس، فشهر يوليو (تموز) هو الشهر الأكثر برودة.
ولكثرة حماسنا للتعرف على بعض من أفراد الجالية الفلسطينية وفر لنا مكتب السياحة في تشيلي لقاء مع أبناء الجالية من الجيلين الثالث والرابع.
والتقينا أنور مخلوف وخايمي عبد ربه (وللتوضيح فقط فإن اسم خايمي هو اسم تشيلي بحت وعائلة عبد ربه معروفة في فلسطين، واللافت هنا أن خايمي بملامحه الغربية هو من أم فلسطينية وأب تشيلي، وبما أن القانون التشيلي يسمح للأطفال الاختيار ما بين كنية والدهم أو والدتهم فغلب في حالة خايمي الدم الفلسطيني واختار كنية والدته «عبد ربه»).
أنور نشط جدا في أوساط الجالية الفلسطينية في تشيلي وهو ينتمي للجيل الرابع، فلسطين تجري في عروقه، زار فلسطين أكثر من مرة ويقوم بكثير من النشاطات التي توطد علاقة الأجيال الفلسطينية التشيلية الجديدة بفلسطين من خلال المدرسة العربية الفلسطينية ونادي كرة القدم وتنظيم رحلات للفلسطينيين التشيليين لزيارة أماكن مهمة في فلسطين مثل بيت لحم والقدس وغيرها لتعريفهم على أصولهم وعلى وضع شعبهم هناك، وبالوقت نفسه تستضيف الجالية الفلسطينية في تشيلي أفرادا من الفلسطينيين للمجيء إلى تشيلي والتقرب من الفلسطينيين المقيمين في تشيلي والمنحدرين من عائلات وصلت إلى تلك البلاد النائية منذ أكثر من 160 عاما.
الفلسطينيون في تشيلي لهم حضور بارز جدا، وأول العائلات التي هاجرت إلى تشيلي جاءت من بيت جالا وبيت ساحور وبيت لحم، وبدأت الهجرة عندما كانت فلسطين تحت الحكم العثماني وهاجر المسيحيون بشكل كبير بسبب تعرضهم لضغوطات كثيرة إبان فترة الانتداب وهذا ما دفعهم للسفر، وهذا ما يبرر أن الغالبية من الجالية الفلسطينية في تشيلي هم مسيحيون، ويقول أنور إن الفلسطينيين كانوا في البداية تابعون للكنيسة الأرثوذكسية ليتحولوا بعدها إلى الكاثوليكية بعد الزيجات المختلطة مع التشيليين، ويشار إلى أن الجيل الجديد تحول إلى الكاثوليكية وأول كنيسة أرثوذكسية بنيت في سانتياغو دي تشيلي عام 1918.
وزادت هجرة الفلسطينيين إلى تشيلي بعد الحرب العالمية الأولى وفترة الانتداب البريطاني وبعد النكبة.
تعتبر عائلة أبو جارور وزمر سقالا (عائلة المؤرخ خوان سقالا) من أول العائلات الوافدة إلى تشيلي ولا تزال مثل هذه العائلات تملك مصالح مهمة، لا سيما في مجال الأقمشة، فبرع الفلسطينيون منذ وصولهم إلى تشيلي في تجارة الأقمشة، ولا تزال مصانعهم موجودة حتى يومنا هذا وتتعاقب على إدارتها الأجيال، والمصانع تحمل أسماء العائلات وشهرتها جعلتها من العناوين المهمة في العاصمة.
والى جانب عمل الفلسطينيين في صناعة الأقمشة فهم يملكون ثلاثة بنوك مهمة من بينها بنك أوف تشيلي وكوربنكا وبنك فلسطين، بالإضافة إلى معامل ومصانع ضخمة.
وبحسب أنور وخايمي، فأبناء الجالية يعتبرون أنفسهم فلسطينيين والرابط مع بلدهم الأم قوي وهذا يبدأ من خلال تعلم اللغة العربية وتكلمها في المنزل ولكن هذا الأمر يختلف بين عائلة وأخرى، خاصة أن الزيجات المختلطة أصبحت طاغية بعد فترة السبعينات، فقبل هذه الفترة كان الفلسطينيون يرتبطون بفلسطينيات فقط أما اليوم فاختلف الأمر وأصبحت الزيجات المختلطة شائعة أكثر.
وهذا ما يدفع الجالية إلى القيام بكثير من النشاطات للحفاظ على التقاليد والهوية الفلسطينية. وعن حياتهم اليومية قال خايمي إن الفلسطينيين يحافظون على تقاليدهم بدءا بالأكل، ففي المنزل يتناولون المأكولات الشرقية والمحاشي ويحاول الأهل تكلم العربية مع أطفالهم على قدر المستطاع، وعلى الرغم من جغرافيا تشيلي وموقعها البعيد عن الشرق الأوسط، فإنهم يتابعون الأحداث التي تحصل في منطقنا العربية الساخنة، ويقومون بعدة نشاطات في تشيلي لحث وسائل الإعلام المحلية على بث الأخبار الخاصة بفلسطين كي لا تنسى القضية الفلسطينية التي وصفها خايمي بقضية كل فلسطيني بغض النظر إلى أي جيل ينتمي في تشيلي. وبين النشاطات التي يقوم بها فلسطينيو تشيلي مؤتمر سنوي يعنى بقضايا الفلسطينيين في أميركا الجنوبية ومهرجان بعنوان «تقاليد» يشارك به رئيس بلدية بيت جالا وبيت لحم اللذان يقدمان خلاله محاضرات، وتقدم في المهرجان أيضا عروض فولكلورية.
وتوجد أيضا في تشيلي لجنة اقتصادية ومالية وثقافية ولجنة للأطفال الفلسطينيين، وهناك محاولات جارية اليوم لربط الجاليات العربية والفلسطينية في جميع بلدان أميركا اللاتينية. وعن تدخل السفارات في تعزيز عمل الجالية الفلسطينية يقول أنور إن السفارات لا تهتم بمثل هذه القضايا وكل الفعاليات التي تتم هي بمجهود شخصي يشارك بها أفراد من الجالية.
ويقوم أنور بزيارة فلسطين باستمرار وينظم رحلات للفلسطينيين في الأرض المحتلة للمجيء إلى تشيلي والتعرف إلى الجالية الفلسطينية وبالوقت نفسه تنظم رحلات لفلسطينيي تشيلي للذهاب إلى الأراضي المحتلة والتقرب من الشعب والتعرف على حياته اليومية التي تختلف تماما عن حياتهم في تشيلي.
وعن انتمائهم الفلسطيني شدد أنور وخايمي على أن الانقسامات السياسية في فلسطين لا تؤثر على انتمائهم إلى الثقافة الفلسطينية، فهم لا يأبهون لاختلاف وجهات النظر بين الفلسطينيين أنفسهم ويشددون على توثيق علاقة الأجيال القادمة بالثقافة العربية والتراث الشرقي. ويحمل كل من لا يزال على قيد الحياة من الجيل القديم وثيقة سفر فلسطينية، إنما اليوم فيحمل الجيل الحالي الجنسية التشيلية فقط.
- نادي باليستينو
عندما تذهب إلى تشيلي وتلتقي بفلسطيني لن يكون هناك أي مهرب من الحديث عن نادي كرة القدم الفلسطيني Club Palestino الذي وصل فريقه إلى بطولة الدوري التشيلي لكرة القدم مرتين، ويتميز بزي أعضائه الذي يتكون من ألوان العلم الفلسطيني الأحمر والأخضر والأبيض والأسود.
فريق كرة القدم معروف جدا، ليس جميع اللاعبين فيه عربا ولكن المشجعين والمدرب عرب، وتم تأسيسه في العشرين من أغسطس (آب) عام 1920 ومن أشهر لاعبيه إدغاردو عبد الله وروبرتو بشارة عدوي وداود عزالة. وفي عام 1955 فاز النادي بأول بطولة وطنية بقيادة المدرب الأرجنتيني غييرمو كول.
ويتسع ملعب كيستيرنا البلدي الذي يلعب فيه الفريق الفلسطيني لنحو 12 ألف متفرج.
- حي بتروناتو
في لندن يعتبر شارع «إدغوار رود» شارع العرب، وفي سانتياغو يعتبر حي «بتروناتو» الشعبي مقر العرب ومقاهيهم التي تحاكي ثقافتهم وتدغدغ حنينهم لحب فلسطين التي لا يعرفونها، ومن أشهر الأماكن التي يرتادها فلسطينيو تشيلي مقهى «بيت جالا» القريبة من الكنسية الأرثوذكسية التي بناها الفلسطينيون الأوائل الذين وصلوا إلى تشيلي. وتزين المقهى جدرانها بصور لبيت جالا المنطقة التي أتى منها أوائل المهاجرين، ويملك المقهى خوان بشارة الذي وصل إلى سانتياغو دي تشيلي على متن باخرة في خمسينات القرن الماضي. وتنشر الجالية الفلسطينية صحيفة بعنوان «المرشد» متخصصة بأخبار فلسطين، وهناك مركز قريب من بتروناتو في شارع فيلومينا يلتقي فيه المهاجرون الأكبر سنا لتبادل الأحاديث وتذكر فلسطين كما تركوها.
- إنجازات الجالية
تعتبر الجالية الفلسطينية في تشيلي من بين أنجح الجاليات العربية في المهجر، فلديها حضور قوي في المؤسسات الدولية ويوجد عدد من النواب من أصول فلسطينية ينتمون إلى أحزاب مختلفة في البرلمان، وهناك تسع بلديات مرؤوسة من قبل فلسطينيين، وتمكنت الجالية من الاندماج الكلي في المجتمع التشيلي مع عدم التفريط بالعادات والتقاليد الفلسطينية التي يعتز بها أبناء الجالية.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.