«المسدسات البلاستيكية» تفجر جدلاً قضائياً وسياسياً وتشريعياً في الولايات المتحدة

«المسدسات البلاستيكية» تفجر جدلاً قضائياً وسياسياً وتشريعياً في الولايات المتحدة
TT

«المسدسات البلاستيكية» تفجر جدلاً قضائياً وسياسياً وتشريعياً في الولايات المتحدة

«المسدسات البلاستيكية» تفجر جدلاً قضائياً وسياسياً وتشريعياً في الولايات المتحدة

فجّر مواطن أميركي، يدعى كودي ويلسون، جدلا قضائيا وسياسيا وتشريعيا أمس بعد نشره مخططات طباعة ثلاثية الأبعاد لصنع مسدسات بلاستيكية على الإنترنت، ما يتيح لأي شخص تصنيع سلاح خاص به عبر طابعة ثلاثية الأبعاد.
وتوفر تقنيات الطابعة ثلاثية الأبعاد، الحصول على منتج كامل، حيث تقوم بطباعة طبقة فوق أخرى بمساعدة برنامج يسمى «أوتوكاد». و«ترش» الطابعة مسحوقا على شكل طبقات، وبمجموعات مختلفة من المواد حتى يتكون الشكل النهائي بدقة متناهية الأبعاد. ويستخدم هذا النوع من الطابعات ثلاثية الأبعاد في الحصول على منتجات أو أشكال هندسية بخامات مثل الخزف والمعادن والبلاستيك. ويراها البعض تقنية ستقتحم عالم التجارة والتسويق، حيث توفر القدرة على الحصول على منتج جديد في كثير من المجالات، والجمع ما بين التصميم والتصنيع مباشرة.
ووضع ويلسون أمس (الأربعاء) موعدا لإطلاق الموقع ونشر التعليمات الخاصة بتنزيل الملف وطباعة المسدس، ما أثار كثيرا من القلق والتوتر لدى مسؤولين حكوميين من كوارث حول قدرة أي شخص على الحصول على هذا النوع من المسدسات البلاستيكية دون ضوابط أو رقابة، ما يشكل خطرا على السلامة العامة.
وتفاجأ مسؤولو البيت الأبيض بتغريدة من الرئيس ترمب صباح الثلاثاء، قال فيها إنه يبحث في قرار حكومته الشهر الماضي حول السماح لويلسون بالمضي قدما في مخططاته. وقال هوغان جدلي نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض في وقت لاحق، إن «ترمب ملتزم بسلامة وأمن جميع الأميركيين»، لكنه لم يوضح ما إذا كان الرئيس مستعدا للقيام بجهود حول سعي ويلسون لتوزيع خطط تصنيع «المسدسات البلاستيكية». وتابع: «سنستمر في النظر في جميع الخيارات المتاحة لنا للقيام بما هو ضروري لحماية الأميركيين».
وأثار إعلان ويلسون حول مخططاته جدلا بين فريق من المعارضين لمثل هذه التقنيات التي تتيح لأي شخص الحصول على مسدس بلاستيكي دون أي رقابة أو ترخيص، وفريق من المؤيدين الذين يتمسكون بالدستور الأميركي وما ينص عليه في التعديل الأول الذي يمنع الكونغرس من إصدار أي قانون يحظر حرية التعبير وحرية الصحافة ونشر الأفكار والآراء والحق في التجمع السلمي. وأثار أيضا جدلا تشريعيا حول مخاوف سلامة المواطنين مقابل نصوص الدستور وحق التعبير.
ويقول المعارضون إن الأسلحة النارية التي يمكن إنتاجها من خلال طباعة مخططات كودي ويلسون ستكون دون تسجيل حكومي ودون أرقام تسلسلية، وستسمح للمجرمين والإرهابيين بالتهرب من الملاحقة القضائية. وقال مسؤولون حكوميون في دعوى قضائية إن البنادق والمسدسات البلاستيكية ثلاثية الأبعاد لا يمكن الكشف عنها عبر أجهزة الكشف التقليدية، لأنها ليست مصنوعة من معادن ولا يمكن تعقبها لأنها لا تحتوي على أرقام تسلسلية، ويمكن لأي شخص تصنيعها.
وعبّر قادة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، أمس، عن قلقهم من مسؤولية إدارة ترمب عن السماح لويلسون بالمضي قدما في مخططات. وقدّم السيناتور ريتشارد بلومنثال وعدد من المشرعين الديمقراطيين مشروعين منفصلين، الأول يتعلق بحظر تصنيع وبيع أي سلاح لا يمكن تعقبه، والثاني يتعلق بحظر نشر مواد تتعلق بصناعة الأسلحة على الإنترنت. لكن الكونغرس دخل في عطلة رسمية خلال شهر أغسطس (آب)، وهو ما يعني عدم القدرة على تمرير أي مشروع قانون حتى شهر سبتمبر (أيلول).
في المقابل، دافع السيناتور الجمهوري مايك روندر عن التقنيات والتكنولوجيات الجديدة، مشيرا إلى أن المسار الأكثر فاعلية وذكاء هو ابتكار تقنيات جديدة مقابل هذه التقنية لطباعة مسدس بلاستيكي ثلاثي الأبعاد، مثل تطوير تكنولوجيات للكشف عن الأسلحة البلاستيكية في المدارس والمطارات والأماكن العامة، مؤكدا أن محاولات وقف التكنولوجيا ستكون غير قابلة للتنفيذ.
وأصدر قاضي فيدرالي في سياتل، مساء الثلاثاء، أمرا قضائيا مفاجئا يمنع ويلسون من المضي قدما في نشر مخططاته، موضحا في قراره ضرورة عدم نشر توجيهات حول كيفية إنتاج المسدسات ثلاثية الأبعاد.
وقامت 8 ولايات مختلفة، إضافة إلى العاصمة واشنطن، برفع دعوى قضائية مشتركة لإجبار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على منع كودي ويلسون من المضي قدما في خططه التقنية لجعل المسدسات البلاستيكية متاحة على شبكة الإنترنت.
ويعد كودي ويلسون من أبرز المناصرين لحق امتلاك السلاح في ولاية تكساس، وهو حق يكفله الدستور الأميركي. وقد حظرت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما نشر بيانات حول الأسلحة النارية الأجنبية، وشهدت المحاكم الأميركية مواجهة قضائية بين ولسون والإدارة الأميركية منذ عام 2015 حتى الشهر الماضي حينما خلصت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن مخططات ولسون لا تنتهك الضوابط القانونية حول نشر التكنولوجيات العسكرية الحساسة. ووافقت المحكمة على إعطاء ويلسون الحق في نشر مواد التقنية حول إنتاج المسدسات البلاستيكية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟