صنعاء في مرمى مدافع الحوثيين بعد الاستيلاء على عمران

خبير عسكري لـ («الشرق الأوسط») : العاصمة غابة من السلاح وسكانها متمسكون بالنظام القائم

عنصر في الجيش اليمني يفتش صندوق سيارة في العاصمة صنعاء أمس (رويترز)
عنصر في الجيش اليمني يفتش صندوق سيارة في العاصمة صنعاء أمس (رويترز)
TT

صنعاء في مرمى مدافع الحوثيين بعد الاستيلاء على عمران

عنصر في الجيش اليمني يفتش صندوق سيارة في العاصمة صنعاء أمس (رويترز)
عنصر في الجيش اليمني يفتش صندوق سيارة في العاصمة صنعاء أمس (رويترز)

تمثل مدينة عمران التي استولى عليها الحوثيون، أول من أمس، المدخل الشمالي للعاصمة صنعاء، وهي تبعد عن العاصمة قرابة 50 كيلومترا، وبإحكام الحوثيين السيطرة على محافظة عمران أصبح الطريق أمامهم مفتوحا للدخول إلى العاصمة صنعاء التي كانت تتعرض تاريخيا لهجمات من قبل القوى التي كانت توصف بـ«الملكية»، أي التابعة لنظام الإمامة المتوكلية السابق الذي أطاح به تنظيم الضباط الأحرار وثورة 26 سبتمبر (أيلول) عام 1962، فيما كان يعرف بالشطر الشمالي لليمن.
وتعرضت صنعاء للاقتحام والنهب والسلب عامي 1948 و1967، على أيدي فلول ذلك النظام، وهم الذين يلتقون في نفس الأفكار مع جماعة الحوثي حاليا، مع فارق أن الحوثيين، وحسب ما يعلنون وما يبدو من ممارساتهم، أكثر ارتباطا بالخارج وتحديدا الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأكثر آيديولوجية من النظام الأمامي. ومع بدء المعارك في شمال اليمن التي خاضها الحوثيون خلال السنوات الماضية، وبالأخص خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي قاموا خلالها بالاستيلاء على محافظتي حجة والمحويت وأجزاء من محافظة صنعاء وضواحي العاصمة صنعاء، بات هناك قلق عميق لدى سكان العاصمة من أن تكون هي الخطوة التالية لجماعة الحوثي، ولعل من يسير في بعض شوارع صنعاء، يلحظ وجود ملصقات دعائية وشعارات للحوثيين في بعض الأحياء تمجد الجماعة ومؤسسها حسين بدر الدين الحوثي الذي لقي مصرعه على يد القوات الحكومية في الحرب الأولى عام 2004، وهو الذي أسس النواة الأولى للجماعة وكانت حركة «الشباب المؤمن» بعد عودته من إيران ولبنان وانخراطه في العمل السياسي.
ولعل ما ضاعف من مخاوف سكان العاصمة صنعاء، ما قامت به مجاميع حوثية مسلحة في شهر يونيو (حزيران) الماضي، من قطع طريق مطار صنعاء الدولي وعزله والقاعدة الجوية عن العاصمة لأكثر من أربع وعشرين ساعة، إضافة إلى معرفة الجميع بوجود خلايا حوثية نائمة في صنعاء، وتزايدت هذه المخاوف مع الوضع الأمني الذي تعيشه البلاد والوضع الاقتصادي المتردي وانعدام المشتقات النفطية والغاز وارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء المتواصل.
ويرى محللون سياسيون يمنيون أن جماعة الحوثي لن تقدم، في الوقت الراهن، على خطوة اجتياح العاصمة صنعاء، وأنها ستنكب على ترتيب أوراقها في محافظة عمران وإنهاء أي وجود للقوى السياسية أو المذهبية أو القبلية في المحافظة بصورة تامة، ثم امتصاص ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية إزاء اجتياح عمران والبدء في التفاوض والحوار من منطلق القوة والسيطرة، في حين علق محللون عسكريون لـ«الشرق الأوسط» على موضوع الاجتياح العسكري للعاصمة صنعاء، وعدوا أن الحوثيين لن يقدموا على ذلك لأسباب تتعلق بحجم الوجود العسكري في صنعاء، والذي لا يستطيع الحوثي مجاراته. ويقول الخبير العسكري العميد متقاعد محسن خصروف لـ«الشرق الأوسط»: «إنه لا يوجد هناك من يستطيع تحمل قرار اقتحام صنعاء أيا كان من خارجها وحتى عبد الملك الحوثي نفسه (زعيم الجماعة)، لأن صنعاء ليست صنعاء 1948 أو صنعاء 1967، التي تعرضت للنهب في المرة الأولى وللحصار المطبق في الثانية، وكان الملكيون حينها يعدون بعشرات الآلاف ولم يستطيعوا اجتياحها، رغم أن بضعة آلاف فقط كانت تدافع عنها».
ويؤكد خصروف أن القوى السياسية والاجتماعية في العاصمة صنعاء «أكثر تنوعا وأكثر تشبثا بالنظام السياسي القائم وأكثر رفضا لعودة النظام الملكي إلى اليمن تحت أي ظرف من الظروف مهما كانت المبررات ومهما كان سوء الوضع القائم، وصنعاء هي غابة من السلاح وكل بيت قادر على أن يدافع عن نفسه والذي سيصدر قرار اقتحام صنعاء لا يستطيع أن يمنع القبائل التي تعودت على النهب من أن تنهب بيوت صنعاء وبالتالي لا يستطيع أن يحميهم من الذين سوف يدافعون عن أنفسهم وبالتالي أتصور أن المرحلة المقبلة هي مرحلة حوار لكل الأطراف».
وكان الحوثيون يمتلكون أسلحة رشاشة وبعض المدفعيات قبل أن يحصلوا على كميات كبيرة من الأسلحة الإيرانية التي كانت تهرب إليهم والتي ضبطت بعضها من قبل البحرية اليمنية بالتعاون مع القوات الدولية في البحر الأحمر وبحر العرب خلال الأعوام القليلة الماضية، في حين يؤكد الحوثيون أنفسهم أن السلاح الذي بحوزتهم جرى الاستيلاء عليه من قوات الجيش في الحروب الست التي خاضوها ضد الجيش اليمني قبل أن يحكموا السيطرة على محافظة صعدة في البدء، هذا عوضا عما يطرح من أن نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل سقوطه، زودهم بكميات كبيرة من الأسلحة المتطورة التي كانت في عهدة نجله العميد أحمد علي عبد الله صالح، قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، بالإضافة طبعا إلى الأسلحة التي استولوا عليها خلال اجتياحهم، اليومين الماضيين، لمحافظة عمران ومعسكراتها الأمنية والعسكرية.
ولا يمتلك الحوثيون جيشا نظاميا، وهم عبارة عن ميليشيات منظمة تعتمد على أفكار دينية وتثبيت مبدأ الطاعة العمياء لـ«السيد»، وهو عبد الملك الحوثي، ومعظم مقاتليهم من الشباب صغار السن، في وقت يدخلون فيه في اتفاقات مع قبائل المناطق في شمال صنعاء، غير أنه ومن خلال المعطيات التي طرحت الأعوام الماضية، فإن لدى الحوثيين خبراء عسكريين إيرانيين وآخرين من «حزب الله» يشاركون معهم في وضع الخطط العسكرية، في وقت يعتمدون فيه بصورة كبيرة في تمويل عملياتهم وتحركاتهم على تمويل خارجي، حسب المراقبين والمتابعين، ويديرون الشأن الداخلي في المناطق التي يسيطرون عليها بتمويل الإتاوة التي تفرض على المواطنين وأصحاب التجارة والمزارعين وغيرهم.
ويؤكد المراقبون والمحللون، أن قدرات الجيش اليمني تفوق إمكانيات الحوثيين لمهاجمة صنعاء، فلدى الجيش اليمني أرتال من الدبابات والمدفعية وسلاح الجو وقوة بشرية كبيرة قادرة على ردع أي هجوم لهذه الميليشيات على صنعاء، إضافة إلى الجهد الشعبي، فجميع المواطنين، تقريبا، مسلحون ولن يقبلوا بسقوط العاصمة.



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.