أسواق التمور في تونس.. حركة رمضانية لا تهدأ

منها 260 نوعا وأفضلها «دقلة النور»

أنواع من التمور التونسية معروضة في إحدى الأسواق
أنواع من التمور التونسية معروضة في إحدى الأسواق
TT

أسواق التمور في تونس.. حركة رمضانية لا تهدأ

أنواع من التمور التونسية معروضة في إحدى الأسواق
أنواع من التمور التونسية معروضة في إحدى الأسواق

لا تكاد تخلو سوق من الأسواق التونسية خلال أيام السنة من ركن يعرض أصناف التمور التونسية التي تتنوع خلال شهر الصيام. فحركة المقبلين على اقتناء التمور لا تكاد تهدأ طوال أيام شهر الصيام، والنقاش بين المستهلكين والباعة لا يكاد ينتهي بين مقبل على الشراء دون نقاش، ومتذمر من ارتفاع الأسعار وبين من لا يقبل الخلط بين التمور الجيدة والتمور العادية.
وتتعدد أنواع التمور بحسب منطقة الإنتاج، وحسب توفيق الكعوبي أحد سكان مدينة قبلي وهي أشهر المناطق التونسية المنتجة لـ«دقلة النور». وتمثل «دقلة النور» أشهر أنواع التمور المنتجة في تونس على الإطلاق، ونجد أنواعا أخرى قد تكون أقل جودة ولكنها ذات مذاق مختلف وطعم خاص بعيدا عن حلاوة «دقلة النور»، وذلك على غرار (العليق والحرة والكنتة والبسر الحلو والحمراية) وما يطلق عليه مجازا نوع الخلط (الخليط) أو المطلق وذلك ضمن لائحة طويلة من أنواع التمر ذكرها الكعوبي في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
ويصل عدد أنواع التمور التونسية إلى نحو 260 نوعا، ولكن «دقلة النور» هي الأكثر شهرة واستهلاكا من بين كل تلك الأنواع سواء على مستوى تونس أو في عدة بلدان تصلها التمور التونسية.
وخلال شهر رمضان يحرص أصحاب المحلات بيع الخضراوات والغلال على عرض «دقلة النور» في أفضل الأماكن وأبرزها في محاولة مقصودة للتأثير على الحرفاء وحثهم على اقتنائها مهما كانت أسعارها. وتعرض أصناف التمور في السوق المركزية بالعاصمة التونسية على شكل «فراك» كما يقول التجار (أي حبات منفصلة عن العراجين) أو ضمن عراجين ملفوفة بعناية ومحتوية على حبات التمر التي تميل إلى الاصفرار، في إشارة إلى نقاوتها، كما يسعى أصحاب المحلات إلى عرضها ضمن علب كرتونية راقية الأشكال لجلب انتباه المارة والباحثين عن هدايا ذات قيمة اعتبارية.
ويصل سعر الصنف الممتاز من تمور الدقلة أكثر من سبعة دنانير تونسية للكيلوغرام الواحد (نحو 4.5 دولار أميركي) خلال ذروة الإنتاج أثناء شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، إلا أن الأسعار الرمضانية اختلفت هذه السنة وبقية السنوات التي يصادف فيها شهر الصيام بعيدا عن أشهر الإنتاج.
وفي هذا الشأن قال توفيق الحويجي إن سعر الكيلو الواحد بلغ «تسعة دنانير» وهو سعر مرتفع بالنسبة لبلد منتج للتمور. وأضاف أن الاستمرار في تطبيق العادة النبوية التي تدفعه لشراء القليل من التمور لانتظار موعد الإفطار مع قليل من الحليب أو اللبن.
ويخزن أصحاب التمور منتجاتهم في أنظمة تكييف صحية استعدادا لشهر الصيام. ويقتنونها خلال ذروة الإنتاج بأسعار بخسة قد لا تتجاوز الخمسة دنانير تونسية ليبيعوها خلال شهر رمضان بضعفي أسعارها الأصلية. إلا أن أصحاب المخازن بدورهم يقدمون أعذارا مختلفة لهذا الارتفاع في الأسعار من بينها التكلفة المرتفعة لعمليات الخزن وارتفاع أجور العمال وغيرها من المصاريف المثقلة على المستهلك على غرار نقلها من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك.
وتسافر «دقلة النور» التونسية إلى أكثر من 70 دولة من دول العالم، فإلى جانب الأسواق التقليدية المعروفة باستقبالها للتمور التونسية مثل فرنسا وإسبانيا والمغرب وبلدان الخليج العربي، فإن «دقلة النور» التونسية اكتسحت عدة أسواق جديدة على غرار ماليزيا وإندونيسيا والهند والولايات المتحدة الأميركية وروسيا أيضا.
ويتنافس التونسيون مع غيرهم على استهلاك التمور الجيدة من حيث نوعيتها، إلا أن تدني القدرة الشرائية وتأزم الظروف الاجتماعية والاقتصادية حال دون استهلاك التمور على نفس الوتيرة المسجلة خلال السنوات التي سبقت الثورة.
أما على مستوى الاستهلاك الداخلي، فإن الإقبال على التمور يتزايد في شهر رمضان، وهو ما أكده صاحب محل مختص في بيع التمور بالسوق المركزية بالعاصمة التونسية الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «قرابة 80 في المائة من رقم معاملاته تحصل كلها خلال شهر رمضان، أما بقية أشهر السنة فإن المحل يتعامل بشكل أكبر مع زوار تونس أو كذلك بعض العائلات التي ترسلـ«الدقلة» لأبنائها في الخارج، كما تحتل موقعا مميزا ضمن قائمة الهدايا الموجهة إلى الأصدقاء.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».