صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان

منطقة خراسان تعاني من الضعف الأمني ومن السهل أن تصبح مرتعاً خصباً للمتطرفين

صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان
TT

صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان

صعوبة توقع تحركات «داعش» في أفغانستان

يصعب تصوّر قدرة تنظيم داعش على التغلغل في أفغانستان والتربع في كهوف تورا بورا معقل أسامة بن لادن وملاذه دون أن يتم الانقضاض عليه. لكأن تنظيم القاعدة مرّ ببطء بعملية استنساخ ليصبح تنظيماً جديداً بمسمى داعش، يجسّد قمة العنف والغضب والبطش بالآخرين دون تحديد لفئة يتم تصفيتها دون أخرى. الجميع تتم شيطنته، كأن العالم بمنظور المنتمين إلى التنظيم على مشارف النهاية، فلا نجاة من الدمار إلا بالانتماء إليهم وإما التعرض لانتقامهم.
مَن ينظر إلى مبلغ الدوغماتية التي تحفّ تنظيم داعش وهمجيته في معاملة الآخرين يكاد يجزم بعدم استمراريته، بالأخص بعد أن تقهقر إلى الوراء وفشل في إرساء علمه الأسود في كل من العراق وسوريا، والتوقعات العديدة باستحالة عودته إلى ذات المنطقة، ولوذ مقاتليه بالفرار، وعودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانه من أجل التركيز على هجمات إرهابية كبيرة فيها.
- التهديدات الأوروبية تتخبط
إلا أن الآونة الأخيرة تشير إلى انقلاب الموازين والتوقعات كافة. إذ إن الفشل لا يزال ملاحقاً لتنظيم داعش في عدم قدرته على القيام بهجمات إرهابية كبيرة في المناطق المرجوّة مثل القارّة الأوروبية لتستحيل عملياته المعتمدة على «الذئاب المنفردة» أشبه بعمليات إجرامية صغيرة متخبطة لشخصيات مضطربة عقلياً أو نفسياً. وإن كان لا يزال القلق متصاعداً في القارّة الأوروبية من عودة المقاتلين الأجانب إلى ديارهم وتشكيلهم تهديداً أمنياً لأوطانهم، بغض النظر عن مدى فشل وإحباط العمليات الإرهابية في تلك المنطقة. وقد تداعى قلق السلطات الإسبانية في الآونة الأخيرة من احتمالية حدوث تهديدات أمنية في أراضيها. بغض النظر عن كون الهجمات الإرهابية الناجحة في الآونة الأخيرة لا تزال عشوائية مثل حادثة دهس أو طعن. فيما فشلت التهديدات الضخمة على الرغم من كثافة الرسائل الإعلامية لتنظيم داعش ومساعيه لحث المنتمين إليه على القيام بها، مثل ما حدث من تهديدات لكأس العالم الكروي الذي استضافته روسيا من قبل التنظيم، سواء عبر الصور والتسجيلات المتتالية لتفاصيل الهجمات المستهدفة للاعبين مشاهير ولمشجعين بل ومحاولة استلهام تصور ما بإمكانهم فعله بتركيب صور دموية عنيفة لهؤلاء المشاهير أو لما قد يحدث للاستاد الرياضي. وقد وصل أمر التهويل أو الحث على التطرف في الهجمات الإرهابية فيها لوضع تصور لاستخدام قنابل يدوية وطائرات بلا طيارين. إلا أن محاولة التحريض لم تفِ بالغرض، بالأخص نتيجة تخوفهم من القيام بهجمات ليست عشوائية تستلزم تخطيطاً مكثفاً لم يعد من السهل القيام به مع شبه انعدام وجود معسكرات التدريب والخلايا الكبيرة للتنظيم التي بإمكانها الالتقاء والتخطيط لمثل هذه العمليات. وينم فشل حدوث أي هجمات على المونديال عن الإخفاقات المتوالية للتنظيم. ولا بد أن ضياع تلك الحملة الدعائية المكثفة قد تعد أضخم خسارة دعائية لـ«داعش» في الفترة الأخيرة، بالأخص أنه سيعزز من انعدام ثقة المتطرفين بقدراتهم التي باتت أقل سطوة بعد انهيار الخلافة المزعومة وتشتت المقاتلين في أرجاء العالم. فيما من جهة أخرى يظهر تهديد التنظيم باستخدام طائرات «درون» في كأس العالم واكتشاف حيازتهم عدداً منها في العراق، إلى جانب تهديدهم باستخدام أسلحة بيولوجية مثل «الريسين»، مثل ما كان بحوزة التونسي «سيف الدين.هـ» في ألمانيا، مما يفضي إلى ما يثبت استمرار محاولاتهم التجديد وتغيير طرق هجماتهم على الرغم من تضييق الخناق عليهم بصفة مستمرة. على كل حال، لا يزال التنظيم يحمل آمالاً حيال قدرته على شن هجمات إرهابية على أماكن محتشدة بالأشخاص مثل استاد رياضي من أجل حصد عدد كبير من القتلى، وكذلك من أجل الحصول على هالة إعلامية كبيرة نتاج ذلك وإن كانت فرص حدوثه صعبة المنال. فيما تواجه دول أخرى خطر تسرب الإرهاب إلى أراضيها نتيجة وجوده في مناطق مجاورة مثل منطقة جنوب شرقي آسيا.
وقد شنت ماليزيا حملة شملت أربع ولايات وتسببت باعتقال 7 عناصر ينتمون لتنظيم داعش بعد تهديد سلطان ماليزيا محمد الخامس ورئيس وزرائها مهاتير محمد. إلا أن الخطر الأهم ينحصر في كون إندونيسيا الدولة المجاورة ملغمة بمتطرفين قدموا الولاء لتنظيم داعش، وقد تنبهت السلطات الماليزية لذلك مؤخراً في أعقاب الهجمات الإرهابية في سورابايا.
فيما بدأت بالظهور على الملأ أنباء عن معاودة الزحف ببطء إلى العراق من خلال حرب عصابات مفعمة بالاغتيالات ومهاجمة القوات العراقية بالأخص في كل من محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين، وكذلك في سوريا وإن كانت بوتيرة أضعف. الأمر الذي يشير مرة أخرى إلى التلون المستمر للتنظيم، وعدم اكتراثه بعدم اتساق رسائله الإعلامية، فما يهم في نهاية المطاف هو تعزيز وجودهم وقوتهم أينما كان ذلك.
- ولاية خراسان
من جهة أخرى، سعى التنظيم إلى البحث عن مناطق أخرى من الممكن له أن يستقر فيها ليطلق عليها خلافة داعشية له. بالأخص إيجاد منطقة تعاني من الضعف الأمني، ليسهل أن تصبح مرتعاً خصباً للمتطرفين مثل أفغانستان التي تعرضت لاجتياح تنظيم القاعدة وحركة طالبان. وقد حط رحاله في أفغانستان في عام 2014، واستمر في مسلك همجي يقتل من خلاله كل من لا ينتمي إلى نهجه المتطرف. ولم يعلن عن إنشاء «خلافة داعشية» إلا في 26 يناير (كانون الثاني) 2015، بتسجيل صوتي للمتحدث السابق باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني، في 26 يناير 2015، أطلق عليها ولاية خراسان لتضم أفغانستان وباكستان. «إن المجاهدين حققوا الشروط والمطالب لإعلان ولاية خراسان، فأعلنوا بيعتهم لأمير المؤمنين أبو بكر البغدادي، وقد قبلها». وتتمركز منطقة نفوذ التنظيم تحديداً في إقليم ننغرهار شرقي أفغانستان، أي في المنطقة المحاذية للحدود الباكستانية، الأمر الذي سهَّل من انضمام العديد من الباكستانيين والمقاتلين الأجانب، وإن كانت مساعي «داعش» أشبه بالمغامرة بالأخص في بداية مساعيه للاستقرار في أفغانستان، لا سيما أن ذلك هو مقر تنظيم القاعدة وكذلك سيطرة حركة طالبان على المنطقة لسنوات عديدة دون زوالها، وقد استقت شرعيتها من نزعتها للقومية فيما ينحدر أعضاؤها من القبائل البشتونية. إلا أن تنظيم داعش تمكن من استقطاب المقاتلين الأجانب لا سيما أن نهجه يزعم عدم تفريقه ما بين الجنسيات المختلفة مما يعزز من فرص انضمام المهمشين إليه ممن ينتمون إلى أصول أخرى بالأخص أولئك المتعلقين بفكرة الانتماء للتنظيم الداعشي الذي يعاملهم سواسية وليس بدونية. كذلك محاولة انتشال الشرعية من حركة طالبان بادّعائهم معرفتهم لتعاليم الدين الصحيحة، وذلك على الرغم من عراقة حركة طالبان داخل أفغانستان إذا ما قورنت بـ«داعش» الذي يعد دخيلاً على المجتمع الأفغاني. وقد سهل من ترعرع التنظيمات المتطرفة في أفغانستان طبيعتها الجغرافية الصحراوية الوعرة ومناطقها الجبلية التي تسهل من عملية التخفي فيها. وعلى الرغم من أن تنظيم داعش لم يتمكن من إرساء معالم «خلافة» مثل ما وصل إليه في حقبة سابقة في الموصل والرقة، فعملياته لا تزال أقرب لحرب عصابات عشوائية متناثرة، فإن السلطات الأميركية والأفغانية كرّست جهودها من أجل التخلص من تنظيم داعش في أفغانستان، وعلى الرغم من تصريحات متوالية للسلطات الأفغانية بقدرتهم على التخلص من التنظيم، فإن هناك مؤشرات تشي بصعوبة ذلك في الوقت الحالي.
وقد صرح الجنرال الأميركي جون نيكلسون مؤخراً بأن تنظيم داعش يزداد قوة في أفغانستان نتيجة انضمام مقاتلين أجانب إليه، وكذلك بسبب حصوله على دعم مادي ولوجيستي من تنظيمات متطرفة في دول أخرى مجاورة. وقد تفاقم السجال واحتدم ما بين داعش وحركة طالبان، بل ازدادت وتيرته في آخر شهرين بالأخص في شمال أفغانستان، ففي 17 يوليو (تموز) هاجم عناصر ينتمون لتنظيم داعش أفراد من حركة طالبان في أثناء سيرهم في جنازة في شمال أفغانستان مما أودى بحياة 17 منهم ومن بينهم زعيم طالباني. وقد تفاقم عدد القتلى في الآونة الأخيرة نتيجة الإرهاصات والهجمات الداعشية والطالبانية المتأججة التي فاقمت من انعدام الأمن الأفغاني ليقع الأهالي ضحيتها. إلا أن استمرار هذا المسلك قد ينهك كلتا الجهتين ويقلّص من قدراتهم القتالية في ما بعد. بل وقد يؤدي إلى احتمال موافقة حركة طالبان على عقد هدنة مع السلطات الأفغانية، إذ إنها رفضت مراراً وقف إطلاق النار. وقد صرّحت السلطات الأميركية مؤخراً بأنها على أهبة عقد المفاوضات مع حركة طالبان من أجل إنهاء الحرب التي استمرت لما يزيد على 17 عاماً معها وسحب القوات الأجنبية. الأمر الذي إن تحقق سيسهل من الالتفات إلى تنظيم داعش من أجل التخلص منه. بالأخص أن نهجه البراغماتي بات متخبطاً، إذ إنه يحيل كل من حوله إلى أعداء لا بد من محاربتهم، بدءاً بالشيعة الأفغان في مناطق تجمعاتهم سواء في أثناء تأديتهم لشعائرهم الدينية أو في مراكزهم الثقافية، في سعيٍ لتعزيز الطائفية في أفغانستان على نسق ما حدث في العراق. وكذلك استهداف القوات الأميركية والسلطات الأفغانية، وانتهاءً بالدبلوماسيين والصحافيين، وقد بدأ تنظيم داعش تحديداٌ في نهاية عام 2017 بتنفيذ هجمات انتحارية تستهدف الإعلاميين بدءاً بوكالة الأنباء الأفغانية ومحطات تلفزيونية في كابل وانتهاء بقتل صحافيين. في نهاية المطاف لا تزال المخططات الداعشية على الرغم من تخبطها تعكس محاولات نهوضهم من جديد وإن كان ذلك نتيجة تحوّرهم من منهجية لأخرى دون تحرّج أو سعي للتبرير. فلا شيء يقف في وجه المساعي للبقاء وإن كان ذلك يعني اختيار كهوف تورا بورا معقلاً لهم.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».