البصرة تعيد فتح ملف الأقاليم... و«صلاح الدين» تلتحق بها

على وقع استمرار الاحتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات

شرطة مكافحة الشغب تمنع المتظاهرين على تردي الخدمات من اقتحام مبنى مجلس المحافظة المعترضين في البصرة الاسبوع الماضي (أ.ب)
شرطة مكافحة الشغب تمنع المتظاهرين على تردي الخدمات من اقتحام مبنى مجلس المحافظة المعترضين في البصرة الاسبوع الماضي (أ.ب)
TT

البصرة تعيد فتح ملف الأقاليم... و«صلاح الدين» تلتحق بها

شرطة مكافحة الشغب تمنع المتظاهرين على تردي الخدمات من اقتحام مبنى مجلس المحافظة المعترضين في البصرة الاسبوع الماضي (أ.ب)
شرطة مكافحة الشغب تمنع المتظاهرين على تردي الخدمات من اقتحام مبنى مجلس المحافظة المعترضين في البصرة الاسبوع الماضي (أ.ب)

على وقع استمرار الاحتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات، جدد 15 عضوا في مجلس محافظة البصرة الدعوة إلى إقامة إقليم البصرة الفيدرالي بموجب الدستور العراقي، في وقت أعلنت فيه الحكومة المركزية في بغداد عن وصول الأموال المخصصة للمحافظة من تخصيصات البترودولار البالغة نحو 3 مليارات دولار أميركي.
وكانت كل من محافظة البصرة عام 2008، ومحافظة صلاح الدين عام 2013، تقدمت بطلب إقامة إقليم فيدرالي على أسس إدارية، لكن حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الأولى (2006 - 2010) أجهضت فكرة إقليم البصرة، والثانية (2010 - 2014) جمدت إقليم صلاح الدين.
وفي حين يرى القاضي وائل عبد اللطيف، وهو عضو مجلس حكم ووزير ونائب سابق وأحد أبرز المطالبين بإقليم خاص للبصرة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «إقامة الأقاليم الفيدرالية حق دستوري لا جدال فيه شريطة أن تتولى قوى جديدة غير القوى التي تسيطر الآن على القرار والمتمثلة بالأحزاب الإسلامية ذات الارتباط بإيران»، فإن عضو البرلمان السابق عن محافظة صلاح الدين الشيخ شعلان الكريم يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «حكومة المالكي كانت قد جمدت العمل في الخطوات التي قام بها مجلس محافظة صلاح الدين من أجل إقامة الإقليم الخاص بالمحافظة، غير أن المجلس تقدم بطعن إلى المحكمة الإدارية التي حكمت لصالح المحافظة، وقد اكتسب الحكم الدرجة القطعية بحيث الآن لا نحتاج إلى المضي في إعلان الإقليم سوى إلى الذهاب للاستفتاء».
وبشأن البصرة التي تستمر فيها المظاهرات التي رفع قسم من المتظاهرين فيها سقف مطالبهم ووصل إلى ما بين الدعوة إلى إعلان إقليم فيدرالي والدعوة إلى إسقاط النظام السياسي، يقول عبد اللطيف إن «الطلب الذي تقدم به 15 عضوا في مجلس البصرة ويمثلون مختلف التوجهات في المحافظة إنما هو طلب شرعي ما داموا لا يزالون تحت السقف الزمني لإدارة المحافظة، فإن كل شيء يتوقف على ما يقوله أهالي المحافظة يوم الاستفتاء؛ هل يقبلون بالفيدرالية أم يبقون تحت الحكم المركزي». ويضيف عبد اللطيف أن «الطلب مرتبط بحق دستوري لا تملك الحكومة إيقافه تحت أي ذريعة، علما بأن كل الحكومات السابقة ومنذ عام 2004 وإلى اليوم تتذرع بأن الوقت غير ملائم، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تمنع، لكنها تستمر في وضع العراقيل لكسب الوقت».
وردا على سؤال بشأن تجربة كردستان وما تسببه من نزاعات مستمرة مع الحكومات الاتحادية في بغداد مما يجعلها تعرقل طلبات المحافظات الأخرى، يقول عبد اللطيف إن «وضع كردستان مختلف عن باقي مناطق العراق؛ حيث إن كردستان تكاد تكون مستقلة عن المركز منذ عام 1991 وحتى عام 2003 حيث تم الاعتراف بهذا الوضع بعد سقوط النظام ومن ثم تم تثبيته في الدستور العراقي. يضاف إلى ذلك الطابع القومي لكردستان، مما يجعل الفيدرالية فيها مبنية على هذا الأساس أكثر مما هي مسألة إدارية وجغرافية في باقي المحافظات». وحول نقل الصلاحيات إلى المحافظات وفق نظام اللامركزية مما يجعل الحكومات المحلية هي المسؤولة عن تقديم الخدمات للمواطنين، وبالتالي ما الضمانة لأن تتغير الحال عند إعلان الإقليم في ظل سيادة القوى نفسها، يقول عبد اللطيف إن «المطلوب قوى أخرى تتسيد المشهد، وليست هذه القوى الحالية المرتبطة بأحزاب الإسلام السياسي المرتبطة بإيران والتي لا تستطيع خدمة أبناء المحافظة عند إعلانها إقليما»، مبينا أن «فساد النظام السياسي الحالي لا يمكن تغييره إلا من قبل قوى أخرى لا بد أن تأخذ فرصتها في التغيير نحو الأفضل».
من جهته يرى الكريم أن «الحكومة الاتحادية تعمل دائما على وضع العراقيل المختلفة؛ ومن بينها عدم إنفاق الأموال المطلوبة لذلك، وتحت ذرائع مختلفة». وبشأن العلاقة بين طلبي البصرة وصلاح الدين لإعلان إقليمين، يقول الكريم: «لا علاقة مباشرة؛ لوجود فرق زمني بين الطلبين، حيث البصرة كانت أسبق، لكن كلا الطلبين ينسجم مع الدستور العراقي، غير أن تجديد المطالبة به الآن من قبل البصرة تأتي لتردي الخدمات بينما البصرة هي سلة الاقتصاد العراقي، لكننا لا نريد الانطلاق من سياسات رد الفعل بقدر ما نريد تفعيل الأسس القانونية»، مشيرا إلى أن «الدستور العراقي يؤكد على اللامركزية الإدارية، لكن لم يجر تفعيل ذلك بسبب هيمنة الأحزاب السياسية الفاسدة فضلا عن أن الحكومة المركزية عطلت نقل الصلاحيات إلى المحافظات التي كان يحتلها (داعش)».
وفي السياق نفسه، يقول مروان الجبارة، الناطق الرسمي باسم مجلس شيوخ صلاح الدين، لـ«الشرق الأوسط» إن «مطالبتنا بالإقليم في صلاح الدين لم تكن لأسباب طائفية؛ بل إدارية بحتة، لأننا نرى أننا بهذه الوسيلة التي لا تتعارض مع الدستور نأخذ حقوقنا، وبالتالي فإننا نؤيد اليوم مطالبة البصرة بأن تأخذ حقها بالتظاهر والضغط على الحكومة المركزية أو من خلال تحويل المحافظة إلى إقليم». وأضاف أن «دعوتنا لإقامة الفيدرالية أقامت الدنيا ولم تقعدها، بينما نحن لم نمارس سوى حقنا الدستوري، لكن نقول إن الحكومة السابقة ارتكبت خطأ لا يغتفر؛ حيث أدت سياساتها إلى دخول تنظيم داعش إلى محافظاتنا».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.