توقع ائتلاف حكومي ضعيف عشية الانتخابات الباكستانية

صيغة البرلمان المعلّق تكرس هيمنة المؤسسة العسكرية على المشهد السياسي

TT

توقع ائتلاف حكومي ضعيف عشية الانتخابات الباكستانية

قبل ساعات من توجه أكثر من مائة مليون ناخب باكستاني للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراح اليوم، تباينت التوقعات حول نتائج الانتخابات الباكستانية الأكثر جدلاً في تاريخ البلاد. لكن جميع استطلاعات الرأي أشارت إلى أن أي نتيجة للانتخابات ستظهر فوز المؤسسة العسكرية من خلال تحكمها في الانتخابات وما ستفرزه من «برلمان معلّق» لا يحظى فيه أي حزب أو حزبين مجتمعين بأغلبية تقليدية، مما يضطر الأحزاب الكبرى إلى التحالف مع مجموعة من الأحزاب الصغيرة لتشكيل حكومة بأغلبية تقليدية ضعيفة.
وأظهرت استطلاعات الرأي عشية الانتخابات تضاربا في النتائج حسب هوية الجهة المستطلِعة، وأشارت مراكز استطلاع مقربة من الجيش وحزب حركة «الإنصاف» بزعامة عمران خان إلى تقدم حزبه ومرشحيه وإمكانية حصولهم على ما يقرب من المائة مقعد من أصل 272 مقعدا يجري التنافس عليها، فيما هناك 70 مقعدا مخصصة للنساء توزع على الأحزاب، كل حسب نسبة الأصوات التي حصل عليها في الاقتراع المباشر.

- عمران خان في مواجهة شريف
وأشارت مراكز استطلاع تابعة لمؤسسات إعلامية باكستانية إلى تقارب النتائج بين حزبي حركة «الإنصاف» بزعامة عمران خان المقرب من الجيش وحزب «الرابطة الإسلامية» بزعامة شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف. وأعطت كل حزب زهاء تسعين مقعدا، فيما أشار معهد «غالوب» العالمي - فرع باكستان في استطلاعه للآراء إلى إمكانية تقدم «الرابطة» بزعامة آل شريف وحصوله على قرابة المائة مقعد، وهو ما يجعل من العسير على أي من الحزبين المتنافسين تشكيل حكومة بمفرده.
حزب «الشعب» الباكستاني بزعامة الرئيس السابق آصف علي زرداري أعطته استطلاعات الرأي نتائج مختلفة، حيث أشارت بعض المراكز إلى إمكانية حصوله على خمسة وثلاثين مقعدا، فيما أشارت مراكز أخرى إلى إمكانية تجاوزه الستين مقعدا مما يجعله في مركز جيد للمساومة على الدخول في تحالف مع أي من الحزبين الرئيسيين.

- تراجع الأحزاب الدينية
وأشارت جهات دبلوماسية غربية في إسلام آباد ومصادر مقربة من الجيش ووسائل إعلام باكستانية إلى إمكانية حصول تشودري نثار علي خان وزير الداخلية السابق في حكومة نواز شريف وحلفائه من المستقلين، على قرابة الأربعين مقعدا في البرلمان القادم، ليكون مفاجأة الانتخابات، ويجعله في موقف مساومة جيد مع عدد من الأحزاب الصغيرة، فيما تراجع التأييد لتحالف الأحزاب الدينية الباكستانية إلى أقل مستوى لها منذ عام 2002، إذ أشارت غالبية الاستطلاعات إلى إمكانية حصولها بالكاد على خمسة عشر مقعدا في البرلمان المقبل.
آراء المؤسسة العسكرية الباكستانية والسفارات الغربية أشارت إلى إمكانية تحالف عمران خان مع كل من حزب «الشعب»، وهو أمر نفى عمران خان سابقا إمكانية حصوله لاتهامه الرئيس السابق آصف زرداري بالفساد، لكن تيارات قوية في حزب حركة «الإنصاف» تضغط على عمران خان من أجل التحالف مع زرداري للحد من شعبية ونفوذ حزب الرابطة الإسلامية، وكذلك التحالف مع المستقلين بزعامة وزير الداخلية السابق نثار علي خان وعدد من الأحزاب الصغيرة للحصول على أغلبية مريحة في البرلمان وضمان عدم تأثر الحكومة بانسحاب أي حزب منها. لكن هذه الأوساط أشارت مع إمكانية فوز حزب عمران خان بأكثر عدد من المقاعد إلى إمكانية عدم تولي عمران خان رئاسة الحكومة القادمة، المنصب الذي عمل للوصول إليه على مدى أكثر من عشرين عاما، وذلك لعدم رضا الجيش عن شخصه وتقلب آرائه السياسية.
ورأت هذه الأوساط أن البديل عن عمران خان سيكون نائبه في رئاسة الحزب شاه محمود قرشي وزير الخارجية السابق في عهد آصف علي زرداري، فيما تحدث آخرون عن إمكانية إقالة عمران خان من البرلمان القادم عن طريق المؤسسة القضائية التي تنظر في قضية تمويل خارجي تلقاه من جمعيات يهودية في أميركا ومؤسسات أجنبية، وهو أمر ممنوع قانونيا في باكستان ويضع علامات استفهام حول شخص عمران ومستقبله السياسي.

- رأي الجيش
وأشارت هذه المصادر إلى أن عمران خان يحاول تركيز السلطات كافة في يده شخصيا وهو ما لا يريده الجيش في رئيس أي حكومة باكستانية. كما ألمحت مصادر مقربة من الجيش الباكستاني إلى إمكانية «فرض» وزير الداخلية السابق تشودري نثار علي خان، في منصب رئاسة الحكومة القادمة لعدة عوامل منها قربه من المؤسسة العسكرية، وكونه من المقربين من شهباز شريف ما يشكل عامل «ضغط وتهدئة» على حزب «الرابطة» الإسلامية في حال تولى قيادة المعارضة في المرحلة القادمة، ويؤدي ذلك إلى تفادي قيام الحزب بمسيرات أو اعتصامات كالتي قام بها عمران خان إبان حكم نواز شريف، وسيكون عامل جذب للأحزاب الصغيرة لائتلاف حكومي موسع لا يعارض أي سياسة للجيش الباكستاني.

- وزيرة بين مرشحين لمناصب سيادية
ولفت أصحاب هذا الرأي بأن قيادات في حزب عمران خان منهم نائبه شاه محمود قرشي وعضوة القيادة المركزية للحزب شيرين مزاري وغيرهما يعتبرون من المقربين للمؤسسة الأمنية والعسكرية الباكستانية، على أن يتولى شاه محمود قرشي الخارجية وتتولى شيرين مزاري منصبا وزاريا هاما في الحكومة القادمة.
على صعيد الأقاليم الباكستانية، أشارت استطلاعات الرأي إلى عدم وجود تغيير يذكر في مستقبل حكومات الأقاليم بحيث يحتفظ حزب «الرابطة الإسلامية» بحكومة البنجاب، فيما يحتفظ حزب عمران خان بحكومة إقليم خيبر بختون خوا - بيشاور، ويحتفظ حزب «الشعب» بحكومة إقليم السند، وتكون هناك حكومة ائتلافية من غالبية الأحزاب في إقليم بلوشستان الذي يعجز فيه أي حزب عن تحقيق أغلبية تقليدياً في البرلمان الإقليمي.
ويسعى الجيش من خلال هذه التوليفة إلى إيجاد حكومة يكون له فيها الكلمة الفصل في الشؤون الخارجية والدفاعية والمالية والأمنية الداخلية، على أن تركز الحكومة القادمة على الاستعانة بالتكنوقراط في العديد من المؤسسات الباكستانية وتسعى لتحسين أوضاع الاقتصاد الباكستاني المتدهور.
الأكثر إثارة في الانتخابات الباكستانية الحالية هو تنامي الشعور العام في باكستان، خاصة في إقليم البنجاب، ضد المؤسسة العسكرية والأمنية التي تحكم البلاد من وراء ستار. وخرجت مظاهرة كبيرة في مدينة راولبندي التي تعتبر العاصمة العسكرية للبلاد وفيها مقر قيادة الجيش الباكستاني تهتف ضد الجيش وتدخله في الانتخابات ومنع نواز شريف من الترشح والحكم عليه بالسجن عشر سنوات، وكانت مدينة راولبندي بضواحيها وملايينها التسعة تعتبر من أهم المدن المؤيدة للجيش الباكستاني داخليا، كما نشط حزب «الرابطة» الإسلامية وجمعيات المجتمع المدني ووسائل إعلام في انتقاد تدخل الجيش الباكستاني في الانتخابات والسياسة. وأشار تقرير أعدته لجنة حقوق الإنسان في باكستان إلى تورط جهات أمنية في إعاقة توزيع صحيفة «داون» أشهر الصحف الباكستانية واتهامها بموالاة نواز شريف بعد أن نشرت مقابلة معه انتقد فيها تدخل المؤسسة الأمنية في الحكومة والبرلمان. وكانت آخر موجة من الاتهامات صدرت من القاضي شوكت عزيز صديقي عضو هيئة المحكمة العليا في إسلام آباد، إذ قال في محاضرة له أمام نادي المحامين في راولبندي إن كل المؤسسة القضائية حاليا خاضعة لضغوط من الاستخبارات والجيش وأنهم وعدوه إن أصدر حكما ضد نواز شريف بجعله رئيسا للمحكمة العليا، وهو ما أثار حفيظة الجيش الذي طلب من رئيس المحكمة العليا في باكستان التدخل للتحقيق في الادعاءات الموجهة للاستخبارات والجيش.
وتخشى أوساط أمنية من انفلات الأمور في إقليم البنجاب في حال أظهرت نتائج الانتخابات هبوطا حادا في عدد المقاعد التي يحظى بها حزب «الرابطة»، حيث تشير كل التوقعات إلى تقدم الحزب في إقليم البنجاب على حزب حركة «الإنصاف».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».