الأردن يستعد لترتيب البيت الداخلي للإعلام... والتحديات كثيرة

ضعفه على مدار السنوات ساهم في تنشيط دور وسائل التواصل الاجتماعي

أكد الرزاز أن حكومته ستلتزم بتهيئة المناخ الملائم للحريات الإعلامية (غيتي)
أكد الرزاز أن حكومته ستلتزم بتهيئة المناخ الملائم للحريات الإعلامية (غيتي)
TT

الأردن يستعد لترتيب البيت الداخلي للإعلام... والتحديات كثيرة

أكد الرزاز أن حكومته ستلتزم بتهيئة المناخ الملائم للحريات الإعلامية (غيتي)
أكد الرزاز أن حكومته ستلتزم بتهيئة المناخ الملائم للحريات الإعلامية (غيتي)

أدرك صاحب القرار في الدولة الأردنية مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع الأردني خلال ما يسمى بالربيع العربي، وذلك بسبب تراجع وسائل الإعلام المحلية وعجزها عن إشباع رغبات الجمهور المتلقي للخدمة من مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وذلك لأسباب كثيرة؛ سياسية وإدارية ومهنية.
- بيان وزاري يعد بـ«سلطة رابعة»
تأتي حكومة الدكتور عمر الرزاز بوعود لتغيير هيكلية المنظومة ودعمها، حيث جاء في البيان الوزاري الذي ألقاه الرزاز أمام مجلس النواب مؤخرا أن الإصلاح السياسي لا يستقيم دون تفعيل دور الإعلام كسلطة رابعة، لذا فإنّ الحكومة عازمة على الارتقاء بمستوى أداء مؤسّسات الإعلام الرسمي، والانتقال بها من مفهوم «إعلام الحكومة» إلى مفهوم «إعلام الدولة»، بما يعزّز دورها في خدمة الوطن والمواطن، والرقابة على أداء المؤسّسات، بكلّ مهنيّة وموضوعيّة.
كما تلتزم الحكومة، وفق البيان، بتهيئة المناخ الملائم للحريّات الإعلامية، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بقيم الحريّة المسؤولة، واحترام الرأي والرأي الآخر، والابتعاد عن الإساءة والتشهير، واحترام الحقّ في الحصول على المعلومات، وما يقتضيه ذلك من إجراء التعديلات الضروريّة على التشريعات الناظمة لقطاع الإعلام، وتدفّق المعلومات، بما يعزّز دور وسائل الإعلام في حماية المجتمع، وتعزيز مستوى الوعي والثقافة لدى الأفراد، وتكريس قيم المحبّة والتسامح، وترسيخ صورة الأردن كحاضنة للثّقافة والفنّ والإبداع.
البيان لم يكن الخطوة الوحيدة التي بدرت عن حكومة الرزاز، فخلال زيارتها لنقابة الصحافيين أوضحت وزیرة الدولة لشؤون الإعلام - الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، جمانة غنیمات، أن لديها خطة لإصلاح قطاع الإعلام وترتیب البیت الداخلي لمؤسسات الإعلام الرسمي لیكون إعلاما للدولة وليس بالصورة النمطیة السائدة. وأشارت غنیمات، إلى أن أولوياتها تتمثل بتطویر أدوات قطاع الإعلام والتفاعل مع كل التحدیات والمشكلات التي تواجه القطاع. وحملت غنیمات، خلال زيارتها الرسمیة إلى نقابة الصحافیین، «رسالة نوایا» تضمنت الجدیة في مواجهة التحدیات التي تواجه قطاع الإعلام عبر التشاركیة والتعاون مع النقابة.
وناقشت مع نقیب وأعضاء مجلس النقابة سبل مواجهة التحدیات التي تحد من تطور الإعلام الأردني وآلیات تحقیق مطالب العاملین فيه. كما أكدت أن الحكومة منفتحة على إجراء تعدیل في قانون حق الحصول على المعلومات وفقا لنهج واضح یضمن انسیاب المعلومات، إلى جانب مراجعة شاملة ودراسة وافیة لكل تحدیات ومطالب المؤسسات الإعلامية والصحافیة والعاملین فيها.
- غياب الإرادة السياسية في السابق
يقول الدكتور نبيل الشريف وهو وزير إعلام سابق إن الخلل ليس جديدا على الواقع الإعلامي الأردني وإن المخرج من هذا الخلل أشار إليه رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز في بيانه الوزاري وهو الانتقال من إعلام الحكومة إلى إعلام الدولة. ويكشف أن «هذه المطالبة ليست جديدة حيث جاءت في وثيقة لا يعرفها كثيرون تحت مسمى الرؤية الملكية للإعلام صدرت عام 2004 من قبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ومن ضمنها هذا المطلب». ويضيف الشريف أن «مشكلتنا في الأردن مع رؤساء الحكومات المتعاقبون الذين يعتقدون أن الإعلام الرسمي لهم، مسخر لرئيس الوزراء وحكومته، وما تبقى منه فهو للشعب». واعتبر الشريف أن تلك الأولويات المعكوسة هي التي تفشل المؤسسات الإعلامية الرسمية.
وتابع: «ليس لدينا مشكلة في الإعلام الأردني من حيث القدرات البشرية والدليل أن القدرات الأردنية موجودة في معظم وسائل الإعلام العربية وبكفاءة عالية وأن العبء يكمن في عدم توفر الإرادة السياسية»، متأملا أن تختلف حكومة الرزاز عن سابقيها.
وحول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام الإلكترونية والورقية والإذاعة والتلفزيون يرى الشريف أن الذي أدى إلى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وأخذ دورها هو فشل وسائل الإعلام الرسمية وافتقارها إلى المعلومات. وأعتقد أن الحكومة قادرة على ترتيب البيت الداخلي للإعلام إذا توفرت الإرادة والرغبة الحقيقية للنهوض بالواقع الإعلامي، مشيرا إلى أن ذلك «لن يتحقق بين يوم وليلة لأن العقليات تأخذ وقتا كبيرا حتى تتأقلم مع الواقع الجديد».
- مشكلات إدارية وأعباء مادية
من جانبه، قال نقيب الصحافيين الأردنيين راكان السعايدة إنه «لا شك أن لدينا مشكلة في الإعلام وهي مركبة جزء منها مرتبط بالجانب الإداري المالي والجزء الآخر مرتبط بالمحتوى بالجانب المهني». ويتابع شارحا: «بالنسبة للجانب المالي والإداري فهناك أزمات مالية تعاني منها معظم الصحف الورقية ووسائل الإعلام الخاص وشبه الخاص وهناك ضعف في موازنات بعض وسائل الإعلام الرسمي والذي ينعكس على تطوير مهارات وقدرات هذه المؤسسات».
ويضيف: «هناك أمر سلبي في الجانب اللوجيستي والأمور الفنية المرتبطة بالتجهيزات ذات الصلة بعمل هذه المؤسسات وهو ينعكس على الجانب المعيشي للصحافيين العاملين في هذه المؤسسات». أما الجانب الثاني فيرى السعايدة أنه مرتبط بالمحتوى الموجود في الإعلام الرسمي وفي الإعلام شبه الخاص من حيث إنه يقع تحت تأثير الحكومات واتجاهاتها السياسية والاقتصادية والذي أضعف دور الإعلام وأخرجه من دائرة التأثير لصالح مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول السعايدة: «نريد أن نعول على هذه الحكومة وإعطائها فرصة لإحداث صدق النية وتحويل الإعلام إلى إعلام دولة لا يرتبط بالحكومات وأن يعمل بمهنية وموضوعية وأن يتم معالجة أزماته المالية ورفده بالكفاءات الإدارية العليا على كل المستويات للنهوض بهذه المؤسسات ومعالجة أزماتها وأيضا الإدارات المتعلقة بالجانب المهني والتحريري لرفع سوية المهنة والمواد الصحافية بحيث تنقل كل الآراء ولا تحجب رأيا عن غيره وتضع القارئ في الصورة الكاملة لوجهات النظر وتركه يختار بنفسه وهو جوهر العملية».
ويتابع السعايدة بالقول إن «هذا يحتاج إلى إعادة النظر بتشريعات كثيرة ومراجعة قانون المطبوعات والنشر وقانون المرئي والمسموع والجرائم الإلكترونية وقانون حق الحصول على المعلومة. وأن نعمل على رفع مستوى الحرية ضمن عمل مؤسسي قانوني تشريعي وليس مرتبطا فقط بالحكومة حيث إن الحكومة تريد رفع هذا السقف وحكومة أخرى تريد خفض هذا السقف وأن نخرج من منح الحقوق».
- قصة الصحف السبع
> توجد في الأردن سبع صحف يومية أقدمها «الدستور» تأسست سنة 1967 وتساهم فيها الحكومة وصناديقها بنسبة 78 في المائة، وصحيفة الرأي ونظيرتها الإنجليزية الجوردان تايمز وتبلغ نسبة مساهمة الحكومة فيهما 80 في المائة إضافة إلى خمس صحف مستقلة تابعة للقطاع الخاص وهي: الغد والسبيل، والأنباط، والديار.
وعلى سبيل المثال، تواجه اثنتان من أكبر وأقدم الصحف اليومية الأردنية، وهما صحيفتا الدستور (ملكية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص)، والرأي (حكومية) ظروفا مالية وصلت مؤخرا إلى توقف «الدستور» عن دفع رواتب عدة أشهر مستحقة للعاملين فيها. وظهرت أزمة الصحف الورقية في الأردن منذ سنوات. وشهدت أكثر من صحيفة في السنوات الثلاثة الأخيرة إضرابات واعتصامات مفتوحة للصحافيين.
وتجلت الأزمة في عام 2013 عندما أطاحت بصحيفة «العرب اليوم» والتي توقفت عن الصدور بعد 17 عاما من تاريخ صدورها، لتعاود لاحقا الصدور لكن إلكترونيا.
وفي السنة نفسها أيضا شهدت صحيفة الرأي الحكومية اعتصاما للصحافيين والعاملين فيها على مدار أكثر من 40 يوما مع حجبها يوما واحدا عن الصدور وكذلك الامتناع عن نشر أخبار الحكومة، وذلك بسبب سياسات حكومية تجاه الصحيفة إضافة إلى «الفجوة الكبيرة في الرواتب وتراكم عدد من قضايا الفساد في المؤسسة التي تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي أسهما فيها».
وفي الفترة نفسها دخل العاملون في صحيفة «الدستور» اعتصاما مفتوحا اعتراضا على تفكير إدارة الصحيفة في الاستغناء عن 200 موظف فيها بين صحافيين وعاملين.


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».