تعاون سعودي ـ فرنسي للتنقيب عن آثار العصر الروماني في البحر الأحمر

كشف العلاقة بين الفراعنة وتيماء عبر خرطوش الملك رمسيس الثالث

يعمل 40 باحثا وخبيرا متخصصا في الآثار في السعودية ضمن اتفاقية تعاون مشترك بين السعودية وفرنسا للتنقيب عن السفن الغارقة في مياه البحر الأحمر
يعمل 40 باحثا وخبيرا متخصصا في الآثار في السعودية ضمن اتفاقية تعاون مشترك بين السعودية وفرنسا للتنقيب عن السفن الغارقة في مياه البحر الأحمر
TT

تعاون سعودي ـ فرنسي للتنقيب عن آثار العصر الروماني في البحر الأحمر

يعمل 40 باحثا وخبيرا متخصصا في الآثار في السعودية ضمن اتفاقية تعاون مشترك بين السعودية وفرنسا للتنقيب عن السفن الغارقة في مياه البحر الأحمر
يعمل 40 باحثا وخبيرا متخصصا في الآثار في السعودية ضمن اتفاقية تعاون مشترك بين السعودية وفرنسا للتنقيب عن السفن الغارقة في مياه البحر الأحمر

باشرت السعودية وفرنسا تعاونا في مجال التنقيب عن الآثار في البحر الأحمر، خاصة الآثار التي يعود تاريخها إلى العصر الروماني.
وأكد لـ«الشرق الأوسط» لويس بلين القنصل الفرنسي في جدة أن بلاده أوفدت أكثر من 40 باحثا وخبيرا متخصصا في الآثار إلى السعودية، كاشفا عن وجود تعاون مشترك بين السعودية وفرنسا للتنقيب عن السفن الغارقة في مياه البحر الأحمر، التي تعود للعصور القديمة، والعصر الروماني تحديدا.
وأوضح أن فرنسا بالتعاون مع هيئة السياحة والآثار أرسلت باحثين إلى منطقة ينبع والوجه وجدة، وهي المناطق التي توجد بها موانئ، للتنقيب عن الآثار البحرية، وستبدأ الأعمال قريبا في منطقة ينبع تليها الوجه وجدة.
وعن الآثار الموجودة في المناطق البرية، أوضح بلين وجود خبراء وباحثين فرنسيين في الآثار من أعلى المستويات في ست مناطق في السعودية، منها مدائن صالح ونجران والخرج والقريات ودومة الجندل، للتنقيب عن آثار تعود للعصور الإسلامية وما قبل الإسلام.
وبين أن الخبراء يعملون حاليا في مدائن صالح، ولدى فرنسا الكثير من البعثات في جزيرة فرسان وفي نجران، لافتا إلى أن نجران غنية بالآثار التي تحتوي على نقوش، وأن البعثات الفرنسية استطاعت الوصول إلى قطع أثرية من خلال التنقيب تحتوي على نقوش عربية وكتابات تعود إلى القرن الرابع الميلادي. وأوضح أيضا أن الباحثين توصلوا في دومة الجندل لآثار رومانية، موجودة من فترة الاستيطان الروماني الذي كان موجودا في هذه المنطقة، كما عثر الباحثون في الخرج على أقدم مسجد. واستبعد بلين وجود آثار سعودية في فرنسا خرجت عن طريق التهريب وجرت إعادتها للسعودية، كما يحدث مع العراق ومصر، مؤكدا قيام عدة معارض للآثار احتضنتها فرنسها، منها في متحف اللوفر في باريس، وانتقلت بعد ذلك إلى برلين وأميركا ومن ثم روسيا.
وكشف عن اتفاقية بين هيئة السياحة والآثار في السعودية وفرنسا لإقامة معرض في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل الذي يصادف شهر الحج، تعرض من خلاله المملكة بعضا من آثارها في فرنسا.
من جهة أخرى، أكدت هيئة السياحة والآثار في السعودية عبر موقعها الإلكتروني آخر اكتشاف للآثار في السعودية قرب واحة تيماء التاريخية، التي تعد من أكبر المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية.
وبينت أن آخر الاكتشافات هو خرطوش الملك رمسيس الثالث، الذي أثار العثور عليه تساؤلا كبيرا حول أسباب وجوده في عمق الشمال الغربي للجزيرة العربية.
كما نجح علماء الآثار السعوديين الذين أجروا بحثا ميدانيا ومكتبيا في الوصول من خلاله إلى وجود طريق تجاري مباشر يربط وادي النيل بتيماء، وكان يستخدم في عهد الفرعون رمسيس الثالث في القرن الـ12 قبل الميلاد.
وبحسب الهيئة، كانت تسير على هذا الطريق القوافل المصرية للتزود من تيماء بالبضائع الثمينة التي اشتهرت بها أرض مدين، مثل البخور والنحاس والذهب والفضة، وكان الطريق الذي يربط وادي النيل بتيماء محددا بتواقيع ملكية (خراطيش) للملك رمسيس الثالث، وُضعت على مناهل في شبه جزيرة سيناء والجزيرة العربية.
ويمر هذا الطريق بعد وادي النيل بميناء القلزم، ثم مدينة السويس، حيث يوجد معبد للملك رمسيس الثالث، ثم يسير بحرا إلى سرابيط الخادم بالقرب من ميناء أبو زنيمة على خليج السويس، حيث عُثر هناك على نقوش للملك رمسيس الثالث أيضا، ثم يعبر شبه جزيرة سيناء بشكل عرضي ويمر على منهل وادي أبو غضا بالقرب من واحة نخل، حيث عثر فيه أيضا على خرطوش مزدوج مماثل لخرطوش تيماء يحمل اسم الملك رمسيس الثالث.
وأكدت الهيئة أن اكتشاف هذا الطريق سيشكل نقطة تحول في دراسة جذور العلاقات الحضارية بين مصر والجزيرة العربية، مشيرة إلى أن هناك المزيد من المعلومات سيجري الكشف عنها في المستقبل.
ومن المتوقع وجود خراطيش أخرى على مسار الطريق لرمسيس الثالث أو غيره من ملوك مصر، في منطقة حسمي، التي تفصل وبطول 400 كيلومتر بين تيماء ورأس خليج العقبة، وتتميز بواجهاتها الصخرية البديعة التشكيل والصالحة للكتابة والنقش، لافتا إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تعمل على تنفيذ مسح أثري دقيق لهذه المنطقة.
والجدير بالذكر أنه جرى العثور في السابق على عدد من اللقى الأثرية الصغيرة المصنوعة بمصر في عدد من المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية، مثل مدافن جنوب الظهران في المنطقة الشرقية من المملكة، وفي الفاو عاصمة مملكة كندة الواقعة في الجنوب الغربي لهضبة نجد، وفي تيماء نفسها، ومعظم هذه القطع عبارة عن «جعران» من الخزف المغطى بطلاء أزرق تركوازي، ويعود تاريخها لفترات مختلفة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».