ماكرون يواجه أقسى اختبار بعد فضيحة أحد مساعديه في قصر الإليزيه

الفضيحة هي أقسى تجربة يمر بها إيمانويل ماكرون منذ وصوله إلى الرئاسة في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)
الفضيحة هي أقسى تجربة يمر بها إيمانويل ماكرون منذ وصوله إلى الرئاسة في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)
TT

ماكرون يواجه أقسى اختبار بعد فضيحة أحد مساعديه في قصر الإليزيه

الفضيحة هي أقسى تجربة يمر بها إيمانويل ماكرون منذ وصوله إلى الرئاسة في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)
الفضيحة هي أقسى تجربة يمر بها إيمانويل ماكرون منذ وصوله إلى الرئاسة في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)

في هذا الصيف الخانق، وقبل أيام قليلة من بدء عطلة الرئاسة والحكومة، حيث تفرغ المكاتب من أصحابها، تتجمع الغيوم السوداء فوق قصر الإليزيه منذرة بعواصف سياسية هوجاء. والسبب «فضيحة الدولة» المتمثلة في حالة أحد موظفي القصر الرئاسي الذي كان مولجاً حتى يوم أمس الحراسة المقربة للرئيس إيمانويل ماكرون وعائلته.
قطعاً، لم يكن ماكرون في حاجة إلى هذه الفضيحة. يكفيه ما تداوله الفرنسيون حول طلبه إقامة مسبح خاص في مقر الرئاسة الصيفي المسمى «حصن بريغونسون» المطل على البحر الأبيض المتوسط. وقبلها الجدل الذي أثارته رغبة القصر في تجديد الأواني والأطباق المنزلية من البورسلين بكلفة لا تقل عن نصف مليون يورو، وذلك في زمن شد الأحزمة والتقشف المفروض على الوزارات، في حين الرئيس يتهم بأنه «رئيس الأغنياء» الذين أعفاهم من «ضريبة الثورة» وأزاح عنهم ضريبة الخروج من فرنسا والاستقرار المالي في بلد آخر. ونتيجة ذلك كله، أن صورته تلطخت نوعاً ما وشعبيته تهاوت إلى درجة مقلقة، حيث إن آخر نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت لصالح صحيفة «لو فيغارو» اليمينية ونشرت أمس بينت، أن ما نسبته 59 في المائة من الفرنسيين يعارضون سياسة ماكرون في حين هبطت نسبة المؤيدين إلى 39 في المائة. وجدير بالذكر، أن هذا الاستطلاع أجري قبل انفجار الفضيحة الأخيرة. هذه الفضيحة لها اسم ووجه ووظيفة. الاسم هو ألسكندر بنعلا. والوجه: شاب أسمر البشرة رياضي الجسم وخفيف اللحية. لم يبلغ بعد السابعة والعشرين من عمره. وظيفته: ملحق بالقصر الرئاسي ومكلف بالسهر على أمن الرئيس. نراه حيناً إلى جانبه يقود دراجة هوائية. ومرة أخرى متزلجاً معه في جبال البيرينيه، أو لصيقاً به خلال احتكاك ماكرون بالجمهور. هو كظله. له مكتب في القصر ولديه سيارة وظيفية، بل إنه انتقل مؤخراً إلى شقة تابعة للإليزيه مطلة على نهر السين في «كيه برانلي». ألكسندر بنعلا الذي تعرف إلى ماكرون إبان حملة الأخير الرئاسية اكتسب ثقة الرئيس فأصبح سريعاً حارسه الشخصي. ومع فوز ماكرون بالرئاسة، كان من الطبيعي أن يرافقه إلى الإليزيه، حيث عُيّن مساعداً لرئيس مكتب الرئيس مكلفاً أمن ماكرون خلال تنقلاته داخل فرنسا. هذا الشاب أضحى منذ 72 ساعة حديث الصحافة على أنواعها والشغل الشاغل للنواب والوزراء والقصر. والجميع متفق على اعتبار أن هذه الفضيحة هي أقسى تجربة يمر بها عهد ماكرون منذ وصول الأخير إلى الرئاسة في شهر مايو (أيار) من العام الماضي؛ لأنها تصيب سمعة العهد في الصميم. ماكرون أراد «جمهورية نموذجية» لا فساد أو محسوبية فيها.
تعود هذه القصة إلى الأول من مايو، وهو يوم عيد العمال في فرنسا، الذي يترافق مع مسيرات عمالية غالباً ما تكون احتجاجية ومطلبية. وذاك اليوم، كان ألكسندر بنعلا في مهمة «رقابة». 80 يوماً انقضت ولم يسمع أحد اسم بنعلا حتى عمدت صحيفة «لو موند» إلى نشر خبر مرفق بفيديو يظهر فيه بنعلا بثياب مدنية معتمراً خوذة الشرطة وشارة رجالها وهو يهجم على شاباً لينهال عليه ضرباً ورفساً بعد أن ألقاه أرضاً. ولم يكتف بذلك، بل إنه يسحب فتاة من شعرها ويضربها ويقودها لا يظهر بوضوح على شريط الفيديو». كذلك، يحظى بنعلا بمساعدة مدني آخر في حين رجال الشرطة الموجودون في المكان امتنعوا عن التدخل.
الفيديو انتشر كالنار في الهشيم. وتكاثرت الأسئلة: ما صفة بنعلا الرسمية حتى يتدخل هكذا ويهاجم أشخاصا وينهال عليهم ضرباً ورفساً؟ من سمح له بأن يكون من ضمن فريق الشرطة؟ ولماذا لم يعمد المسؤولون إلى الكشف عن هذه الحادثة؟ ومن سعى إلى التعتيم عليها، بل دفنها علماً بأنها حصلت قبل ثمانين يوماً؟
سريعاً جداً، انهالت الانتقادات على الحكومة والقصر. اليمين واليسار تكاتفا لمهاجمة ماكرون حكومته ومن يعتبر نفسه فوق القوانين. جلسة حامية في مجلس النواب وارتباك حكومي. ولم يكف بيان من قصر الإليزيه يؤكد أن بنعلا قد عوقب على فعلته وجمد عمله لأسبوعين من دون راتب، كما أنه نقل إلى وظيفة إدارية داخل القصر. الجميع رأوا أن هذه العقوبة «غير كافية» وطالبوا بإقالته ومحاسبة رؤسائه، بل محاسبة وزير الداخلية الذي هو المسوؤل الأول عن الشرطة والقوى الأمنية وأدائها. كثيرون اعتبروا أن بنعلا يتمتع بحماية ماكرون. وإزاء تفاعل الفضيحة واشتداد الحملة السياسية وتوافر عناصر مادية، عمد القضاء إلى وضع بنعلا في التوقيف الاحتياطي بسبب لجوئه إلى العنف وانتحال صفة رسمية وحمل شارات لا حق له بها والحصول على صور ليس مؤهلاً الحصول عليها... وبموازاة ذلك، أعلن قصر الإليزيه عن البدء في الإجراءات لتسريح بنعلا من عمله، كذلك أوقف الشخص الآخر الذي يظهر على الفيديو. اسمه فانسان كراس وهو رجل درك سابق وعمل مع بنعلا منذ العام الماضي. يضاف إلى ذلك أن مدير مكتب الرئيس ماكرون قد تم استجوابه في حين تشكلت لجنة نيابية للنظر في هذه الفضيحة، وطلب وزير الداخلية تحقيقاً داخلياً يضاف إلى التحقيق العدلي الأولي الذي انطلق.
الأسئلة التي تطرح كثيرة، خصوصاً بعد أن أخذت الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية تبحث في ماضي هذا الرجل لتجد أن شكوى قد قدمت ضده لاستخدامه العنف ضد امرأة، بل إن أشخاصاً عملوا معه يلقبونه بـ«رامبو» لميله المفرط لاستخدام القوة البدنية. وأخيراً، فإن الانتقادات توجه لوزير الداخلية جيرار كولومب، حيث ذهب سياسيون إلى التشكيك في قدرته على إدارة وزارة رئيسية بحجم هذه الوزارة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟