رئيس نيكاراغوا يحتفل بذكرى ثورة «الساندنيستا» ويتهم الكنيسة بـ«التآمر» ضده

واشنطن: كل الخيارات مطروحة لوقف العنف

أورتيغا خلال الاحتفال بالذكرى الـ39 لثورة «الساندنيستا» الذي حضره مع زوجته ونائبته روزاريو موريو (أ.ف.ب)
أورتيغا خلال الاحتفال بالذكرى الـ39 لثورة «الساندنيستا» الذي حضره مع زوجته ونائبته روزاريو موريو (أ.ف.ب)
TT

رئيس نيكاراغوا يحتفل بذكرى ثورة «الساندنيستا» ويتهم الكنيسة بـ«التآمر» ضده

أورتيغا خلال الاحتفال بالذكرى الـ39 لثورة «الساندنيستا» الذي حضره مع زوجته ونائبته روزاريو موريو (أ.ف.ب)
أورتيغا خلال الاحتفال بالذكرى الـ39 لثورة «الساندنيستا» الذي حضره مع زوجته ونائبته روزاريو موريو (أ.ف.ب)

تعاني نيكاراغوا، الواقعة في أميركا الوسطى، من الاضطرابات منذ 18 أبريل (نيسان) الماضي، عندما اندلعت احتجاجات ضد إصلاحات مثيرة للجدل لنظام المعاشات. ورغم إلغاء التشريعات نتيجة الضغط الشعبي إلا أن الاحتجاجات استمرت، وتحولت إلى مواجهات مسلحة راح ضحيتها مئات القتلى. وطالبت الحكومة، الكنيسة، بالتواصل مع المعارضة، إلا أن الكنيسة دعمت مطالب المحتجين، وطالبت بتحقيق مستقل لمعرفة من يقف وراء أعمال العنف. كما قامت منظمة «الدول الأميركية»، أول من أمس، بإدانة العنف، وطالبت هي الأخرى بإجراء انتخابات مبكرة. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن أورتيغا أطلق العنان للشرطة والجماعات المسلحة على المتظاهرين العزل. وتعترف الحكومة بوفاة أقل من 50 شخصاً فقط.
واستغل رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا خطاباً بمناسبة الذكرى 39 لثورة «الساندينستا» اليسارية، يوم الخميس، لاتهام الكنيسة الكاثوليكية بالمشاركة في انقلاب ضده. وقال أورتيغا أمام الآلاف من مؤيديه في العاصمة ماناغوا إن الأساقفة لم يكونوا وسطاء في الأزمة السياسية، بل كانوا جزءاً من خطة انقلاب. وأوضح أورتيغا أن هذا يفقدهم الأهلية في إدارة الحوار الوطني بين الحكومة وزعماء المعارضة. ووفقاً لتعليمات الحكومة، تم بث خطاب أورتيغا على جميع محطات التلفزيون والإذاعة في البلاد.
وقال أورتيغا «يؤلمني أن أساقفتي تصرفوا مثل انقلابيين (....) لم يعودوا مؤهلين ليكونوا وسطاء أو شهوداً» في الحوار «لأن رسالتهم كانت الانقلاب». ودعا المجمع الأسقفي في نيكاراغوا، الذي يترأسه الكاردينال ليوبولدو برينيس، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، إلى إصلاح في السلطة وتنظيم انتخابات عامة مبكرة في 2019 بدلاً من 2021 سنة نهاية ولاية أورتيغا، الذي رفض هذه المقترحات. وبعد خطاب أورتيغا القاسي، قال أسقف ماناغوا سيلفيو بايز، في تغريدة على «تويتر»، إن الكنيسة لا تتألم بسبب التشهير بها، بل تتألم «من أجل المعتقلين المسجونين ظلماً ومن أجل الذين يهربون من القمع».
من جهته، أكد الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية لويس الماغرو تأييده لحوار «يسهله» المؤتمر الأسقفي، بصفته «هيئة مكلفة تسوية الجوانب السياسية والانتخابية للأزمة» في نيكاراغوا.
واتهم أورتيغا، المقاتل اليساري السابق، في الاحتفال الذي حضره مع زوجته ونائبته روزاريو موريو، الكنائس بالتواطؤ مع المحتجين، وأن «العديد من الكنائس تستخدم ثكنات لتخزين الأسلحة، لتخزين القنابل». ووصف أورتيغا المظاهرات التي بدأت في أبريل (نيسان) بأنها «شيطانية»، معتبراً أنها «مؤامرة مسلحة» تمولها الولايات المتحدة. وردد الحشد «لا لن يرحل وسيبقى»، خلال التجمع الذي رفعت فيه أعلام «الجبهة الساندينية للتحرير الوطني».
وقالت إلينا مانزاناريس (51 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية، «جئنا لنؤكد مجدداً أن الشعب يدعم دانيال (أورتيغا) و(الجبهة الساندينية للتحرير الوطني) وهما الخيار الوحيد الذي يحمي مصالح الشعب». وعادة يحضر مهرجانات التاسع عشر من يوليو (تموز) قادة من اليسار في دول أخرى، لكن نظراً للأوضاع هذه السنة قلصت الحكومة حجم الاحتفالات. واستعادت قوات خاصة موالية للرئيس أورتيغا السيطرة الأربعاء على مدينة ماسايا معقل المعارضة.
و«الجبهة الساندينية للتحرير الوطني» هي الحركة الأميركية اللاتينية الوحيدة التي حققت انتصاراً عسكرياً على نظام سوموزا الديكتاتوري في 1979، قبل أن تخسر السلطة بعد عقد على أثر نزاع عنيف مع مناهضين للثورة قامت الولايات المتحدة بتسليحهم. وقد استعادت السلطة بعد ذلك عبر الانتخابات. وبات الحزب الحاكم يطبق بدقة توصيات صندوق النقد الدولي، بما فيها إصلاح نظام التقاعد الذي فجَّر المظاهرات الشعبية الغاضبة. ودعا قادة المعارضة، السكان، إلى البقاء في بيوتهم الخميس. وفي يوم العطلة هذا بدت شوارع ماناغوا هادئة، ولم يسجل أي حادث يذكر. وقالت باترونا أمادور (82 عاماً): «بماذا سنحتفل؟ لا شيء. نحن في وضع سيئ وفقراء وكل شيء ثمنه مرتفع»، مؤكدة أن «ما حدث في البلاد أمر مروع». من جهته، أكد جيراردو سائق سيارة الأجرة والعسكري السابق «من قبل كنا نحتفل لكن الحكومة ارتكبت مجازر وقتلت وأوقفت الكثير من الناس».
والخميس دعت أوساط الأعمال التي تدعم أورتيغا عادة إلى رحيله. وقالت اللجنة التنسيقية للجمعيات الزراعية والتجارية والصناعية والمالية المؤسسة التي تضم أرباب العمل، وتتمتع بنفوذ كبير، إن «نيكاراغوا لن تنعم بالسلام والتنمية طالما بقي هذا النظام في مكانه».
على الصعيد الدبلوماسي، عبرت بنما بلسان وزير خارجيتها لويز ميغيل إينكابيي، الخميس، عن استعدادها للمشاركة في أي عملية حوار يمكن أن يتيح تسوية الأزمة الخطيرة التي تشهدها نيكاراغوا. أما كوستاريكا المحاذية لنيكاراغوا فقد فتحت مكانين مخصصين لاستقبال العدد المتزايد للمهاجرين الفارين من نيكاراغوا. وقال وزير الخارجية إيبسي كامبل إن «ما بين مائة و150 شخصاً يصلون يومياً للمرة الأولى إلى كوستاريكا».
وعلى صعيد متصل قالت الولايات المتحدة إنها تدرس «كل الخيارات» لوقف العنف في نيكاراغوا. وقال تود روبنسون الخبير في شؤون أميركا الوسطى بوزارة الخارجية الأميركية «كل الخيارات مطروحة على الطاولة». وقال في مؤتمر صحافي جرى عبر الهاتف «سنستخدم كل ما لدينا من أدوات لمواصلة الضغط على حكومة أورتيغا». وأوضح روبنسون أن المسؤولين عن العنف يجب أن يحاسبوا على أفعالهم أمام المجتمع الدولي.



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».