لماذا يسافر الرحالة؟

أدب الرحلة قلت صناعته منذ بداية القرن العشرين

لماذا يسافر الرحالة؟
TT

لماذا يسافر الرحالة؟

لماذا يسافر الرحالة؟

أصدرت «المجلة العربية» السعودية في عددها الأخير لشهر يوليو (تموز) الحالي كتابا بعنوان: «كتابات الرحالة مصدر تاريخي»، وهو من تأليف الدكتور علي عفيفي غازي، الذي عمل على تعريف أدب الرحلة وذكر أهميته في التأريخ والحديث على فوائد ودوافع الارتحال، إضافة إلى تتبع مسار الرحالة من العصور القديمة إلى العصور الحديثة.
نقرأ في الفصل الأول تعاريف كثيرة عن الرحالة نختار منها الآتي: الرحالة شخص ينتقل من بلد لآخر أو أكثر للتعرف عليها، فهو يخترق حاجز المسافة إما من أجل إشباع هواية عنده أو من أجل مصلحة معينة، فعموما يكون الارتحال لأسباب نذكر منها: البحث عن عمل أفضل وشروط عيش أحسن، الفرار من الكوارث وكل الأخطار المحدقة بالإنسان، اكتشاف الغير المختلف لغة ودينا وعرقا وثقافة، رؤية الذات من خلال الغير الذي يعد أفقا ممكنا ومكملا لنواقصها. أو ببساطة لأن الأمر لا يخلو من فضول ومغامرة في التجديد والاطلاع على بيئات مختلفة وخارجة عن المألوف... بعد ذلك قام المؤلف بتحديد معنى أدب الرحلة باعتباره «مجموعة من الآثار الأدبية التي تتناول انطباعات المؤلف عن رحلاته إلى بلدان مختلفة، وقد يتعرض فيها لوصف ما يراه من عادات وسلوك وأخلاق، ولتسجيل دقيق للمناظر الطبيعية التي يشاهدها أو يسرد مراحل رحلته، أو يجمع بين كل هذا في آن واحد».
يؤكد المؤلف على أن الرحالة شخص متميز وفريد لأنه حينما يعود إلى وطنه يحمل معه تصوراته وانطباعاته الخاصة به وهو يتفاعل مع الأمكنة والثقافات، ورغم الطابع الخاص للرحلة التي يقوم بها فالأمر لا يخلو من فائدة لوطنه إذ يقدم لها سجلات مغامراته والكثير من الخبرات والدراسات، وأيضا يزود أفراد أمته بالأبحاث الجغرافية والخرائط والتنبيهات الإنتربولوجية الخاصة بالشعوب الأخرى (زواج، طلاق، مراسيم الجنائز، المقدس والمدنس...)، والتي طبعا تخرج الجماعة من تمركزها حول ذاتها وتضفي على عالمها طابع النسبية.
قبل إنهاء الفصل الأول من الكتاب يشير المؤلف إلى ملاحظة هامة وهي أن أدب الرحلة قد قلت صناعته منذ بداية القرن العشرين لانتشار الطائرات والسفن والقطارات والسيارات وكل وسائل التواصل السريعة التي جعلت العالم قرية كونية، وليس قرى مبعثرة ومتباعدة لا سبيل إلى اكتشافها إلا بالارتحال. لقد أصبحت رحلاتنا الآن قصيرة وخاطفة لا تسمح بالمشاهدة الدقيقة والمتأنية أو الكتابة عنها بأفق أدبي خيالي، ناهيك عن أننا أصبحنا في كثير من الحالات نستغني عن التنقل الجسماني، إذ يأتينا المكان إلى عقر دارنا.
حاول المؤلف أيضا في كتابه سرد مسار تاريخي للرحالة عبر الزمن متحدثا عما قام به بعض المشاهير من الحضارات القديمة (المصريون والسومريون والفينيقيون ثم الإغريق والرومان والمسلمون...) فتوقف عند أسماء معروفة مثل زيارة المؤرخ الإغريقي هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد إلى باقي الحضارات آنذاك، وكيف أنه قام بوصف آثارها وأسلوب حياة بعض الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، خاصة عند المصريين الذي ترك لنا في نيلهم قولا مأثورا هو: «مصر هبة النيل»، كما رسم صورة للعربي باعتباره فارسا لكن لا يحترم وعده، وطبعا العديد من الملاحظات والانطباعات الأخرى التي أودعها مجلداته التي تقع في تسعة أجزاء.
وأشار المؤلف أيضاً إلى شخصية ديودور الذي كتب عن أساطير المصريين خاصة أسطورة ايزيس وأوزيريس وعن النيل وفيضانه، دون أن ينسى بلوتارك الذي عني بتاريخ اليونان والرومان. ليخصص بعد ذلك صفحات حول الأدب العربي قبل الإسلام، مذكرا برحلات العربي الذي يقال عنه إنه: «أخو سفر جواب أرض»، فهو كان يتنقل إلى اليمن والحبشة والشام والعراق والهند... وقد ذكر لنا القرآن رحلتي الشتاء والصيف وما تحملان من دلالة. إن العربي لم يكن يرتحل فقط طلبا للكلأ وبحثا عن الماء نظرا لطبيعة أرضه، بل أيضا من أجل النشاط التجاري الذي كان باعثا حقيقيا للانتقال من مكان إلى آخر دون إهمال الارتحال لأسباب دينية، وهنا نستحضر طبعا طقس الحج. وبنفس الطريقة سيعمل المؤلف على إبراز تغيرات ملامح الرحالة وقت الإسلام وفي العصور الوسطى والحديثة الأوروبية.
في الفصل السادس الذي جاء بعنوان «دوافع وأهداف الرحلة» سيجيب لنا المؤلف عن سؤال: لماذا يسافر الرحالة؟ ليحدد عناصر الإجابة كالآتي: دوافع علمية (الشعوب تلاقحت فيما بينها معرفيا بفضل رحلات العلم) ودينية (الرغبة في الحج وزيارة الأماكن المقدسة، إضافة إلى حملات التبشير...) وحربية (نتذكر الحروب الصليبية، وكيف أنها جعلت المحاربين الأوروبيين ينقلون ذكرياتهم وانطباعاتهم وأقاصيص عن مغامراتهم في ربوع الشرق، وهو ما ترك أثرا في نفسية الغرب) واقتصادية (البحث عن الأسواق والمواد الخام) واستعمارية (الاستيلاء والتوسع وفرض السيطرة على المستضعفين)... كما وقف المؤلف عند الدوافع السياسية للرحلة، فالدول المهيمنة كانت ترسل عيونا لأهداف التجسس ودراسة طباع الشعوب والبحث عن إمكانات القوة والضعف لديها، وهنا بالضبط يلقي الكتاب نظرة على الاستشراق، الذي وإن كان بعضه بغرض علمي صرف، ترك لنا كنزا عن الشرق ما زال تأثيره إلى حد الآن، كان بعضه الآخر لخدمة الإمبريالية تمهيدا لتوغلها وبسط سيطرتها.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».