مريم طوسي بطلة سباقات العدو الإيرانية.. تتحدى الصعوبات

قالت لـ {الشرق الأوسط} إنها تطمح للمشاركة في بطولة آسيا

مريم طوسي بطلة سباقات العدو الإيرانية.. تتحدى الصعوبات
TT

مريم طوسي بطلة سباقات العدو الإيرانية.. تتحدى الصعوبات

مريم طوسي بطلة سباقات العدو الإيرانية.. تتحدى الصعوبات

أحرزت العداءة الإيرانية مريم طوسي البالغة من العمر 25 عاما، لقب البطولة في سباقات 100 متر، و200 متر، و400 متر للسيدات في إيران، ولكنها تتحدى الصعوبات، وتعاني من حالة التمييز في مسيرتها الرياضية.
وبينما تعج صفحتها على «فيس بوك» بمئات الآلاف من متابعيها، تشتكي مريم من غياب المتفرجين خلال سباقات العدو في إيران. وتمكنت العداءة الإيرانية من كسب هذا الكم من المتابعين على صفحتها، لأنها تعتبر أول فتاة إيرانية تحرز لقب البطولة في سباقات العدو.
وتعود المشاركة الأخيرة لمريم في المنافسات الرياضية الدولية إلى بطولة التضامن الإسلامي بإندونيسيا، في عام 2013، إذ انتزعت ميداليتين ذهبيتين في سباقي 200 متر، و100 متر للسيدات، وحطمت الرقم القياسي في سباقات 100 متر في إيران.
ولم تتمكن مريم من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت بمدينة لندن في عام 2012 بسبب فارق زمني بلغ ثمانية أجزاء في المائة من الثانية، ولكنها تطمح للوصول إلى دورة الألعاب الأولمبية المقبلة، وإحراز لقب البطولة. وبعد ذلك، ستفكر مريم في الانخراط في المشهد الاجتماعي والسياسي.
وتشارك العداءة الإيرانية في الألعاب والمنافسات الدولية بالزي الإسلامي الذي جعل المنافسة بالنسبة لها مهمة صعبة بسبب ارتدائها ملابس ثقيلة، فيما ترتدي الأخريات أزياء خفيفة. غير أن الصعوبات لا تثبط من عزيمتها، بل تتذكر دوما ما قالته لها إحدى بطلات العالم في ألعاب القوى في إحدى المنافسات: «أنت البطلة الحقيقية، لأنك تخوضين المنافسات تحت هذه الظروف».
وقد التقت جريدة «الشرق الأوسط» العداءة الإيرانية مريم طوسي، وأجرت معها حوارا، فيما يلي نص الحوار:
* ما المنافسات الدولية المقبلة التي تستعدين لخوضها؟
- أستعد لمنافسات بطولة آسيا لألعاب القوى.
* هل تواجهين مشكلات؟
- عدم وجود المدرب المناسب هو أكبر عقبة أواجهها حاليا. لقد وعدتني اللجنة الأولمبية الوطنية بأنني سأتدرب مع مدرب أجنبي، غير أنها واجهت صعوبات في العثور على مدرب يكون بالمستوى الذي أنا عليه الآن، ويكون قادرا على أن يرتقي بقدراتي إلى المستوى المطلوب. أتدرب في الوقت الحاضر مع مدربتي الإيرانية السابقة.
* وهل من الضروري أن يقوم مدرب أجنبي بتدريبك؟
- تجعلني الأرقام القياسية التي أحرزتها على مستوى البلاد في مستوى الأوائل في القارة الآسيوية. ويجب أن أرتقي إلى مستوى أفضل مما حققته. وهذا يأتي ضمن مهام المدرب. أطمح للمشاركة في منافسات بطولة آسيا التي ستقام بعد أقل من 10 أشهر. وعليّ أن أعمل جاهدة بهدف المنافسة مع اللواتي يتمتعن بأفضل الإمكانيات.
* هل يجب أن تكون المدربة امرأة؟
- أجل.
* ولماذا يصعب العثور على مدربة أجنبية؟
- تمكنت من تحقيق نتائج جيدة في العام الماضي منها انتزاع أول ميدالية ذهبية لسباقات العدو للسيدات في المنافسات المحلية بإيران، بفضل مدربتي الروسية التي كانت أحرزت لقب بطولة العالم في سباقات العدو. ولكن الوضع مختلف في الوقت الحاضر، إذ يصعب العثور على مدربة.
* وما السبب وراء عدم استمرارك في التدريب مع مدربتك الروسية؟
- لم يقم الاتحاد الإيراني لألعاب القوى بتجديد العقد مع المدربة بعد انتهاء المهلة، والسبب قد يرجع إلى الأزمة المالية التي كانت تعاني منها المؤسسات الرياضية في إيران خلال فترة زمنية.
* هل هناك أسباب أخرى تمنع المدربات الأجنبيات من المجيء إلى إيران؟ وهل تعتقد المتدربات غير الإيرانيات أن الظروف المعيشية في إيران غير ملائمة أم لديهن انطباع مختلف عن الحياة في إيران؟
- قد يكون لديهن طابع غير صحيح عن إيران بسبب الدعايات السلبية التي يتم ترويجها، كما أن المدربة التي تقوم بمهمة التدريب في إيران ستكون لديها ظروف مختلفة عن نظرائها من المدربين الرجال بسبب ضرورة التزامها بالزي الإسلامي أو الحجاب. وهذا ما ترفضه كثير من المدربات.
* ما دراستك بالجامعة؟
- أدرس في فرع التربية البدنية السنة الأخيرة في جامعة طهران.
* هل أنت من مستخدمي «فيس بوك»؟
- لدي صفحة على «فيس بوك»، قام أحد المشجعين بفتحها. ولكن مدير أعمالي يديرها الآن، وأنا أشرف عليها، أستمتع كثيرا بقراءة التعليقات التي تعطيني الدافع للاستمرار.
* ما عدد الذين يتابعونك على «فيس بوك» وفي المباريات؟
- لا توجد أي دعاية تشجع المتفرجين على الحضور لتشجيع العداءات، وهم قلة.
* كم يبلغ عدد متابعيك على «فيس بوك»؟ وهل استطاعت صفحتك على «فيس بوك» أن تجعلك أكثر قربا من مشجعيك؟
- لم يكن يعرفني إلا القليل من الناس قبل أن أفتح صفحة على «فيس بوك»، لأن وسائل الإعلام الإيرانية لا تهتم بالرياضة النسائية. وتمكنت من تقديم نفسي إلى الإيرانيين من خلال صفحتي على «فيس بوك».
* لقد تحولت صفحتك على «فيس بوك» إلى وسيلة إعلام، إذ تقومين بنشر صور جديدة من الألعاب النسائية لا يُسمح لها بالانتشار في وسائل الإعلام المحلية. ما ردة فعل متابعيك على ذلك؟
- كانت جيدة جدا. تقدم هذه الصور والصفحة صورة عن أجواء المنافسات والظروف التي أمارس الرياضة فيها. فكل تعليق أتلقاه يعطيني جرعة مضاعفة من الطاقة، وتجعلني أنسى التعب والإرهاق بسبب تماريني اليومية.
* هل تمارسين نشاطات اجتماعية أو تطمحين في أمور أخرى مثل العضوية في البرلمان أو مجلس البلدية؟ فعلى سبيل المثال السيدة ندا عبد الله زاده قائدة فريق كرة القدم النسائي كانت على رأس قائمة الذين فازوا في انتخابات المجالس البلدية في مدينة «بوشهر»، فما رأيك؟
- أجل، سأفكر بالطبع في هذه المواضيع مستقبلا، لكنني وفي الوقت الحاضر أفضل التركيز في الأهداف التي رسمتها في المجالات الرياضية وأهمها المشاركة في ألعاب البطولة الآسيوية. وقبل أشهر جرى تعييني سفيرة حسن النوايا لسلامة الأسرة. وقد شاركت بعدها في مؤتمر في تايلاند.
> هل نتوقع منك في المستقبل تولي مناصب مثل سفيرة السلام في منظمة الأمم المتحدة أو في مؤسسات اجتماعية أخرى؟
- أجل، مائة في المائة. فبرأيي أن حضور الرياضيين في هذه المجالات قد يكون مؤثرا، لأنه على سبيل المثال إذا أصبح شخصا ما قدوتي فيكون سلوكه أكثر تأثيرا على الشخص العادي.

* أنت تشاركين بالزي الإسلامي في المباريات، فهل هذا صعب؟
- اعتدت نوعا ما على هذا الأمر، لأنني أمارس تماريني وأنا مرتدية هذا الزي. سبق وأن سألتني عداءات أخريات عن هذا الزي. عندما كنت أشارك في المنافسات سابقا بهذا الزي، فكان الأمر يثير استغرابهن، لم يعد الأمر عجيبا وأصبح عاديا. عندما شاركت لأول مرة في المنافسات العالمية، أخبروني بأن علي منافسة خمس من بطلات العالم، منهن بطلة واحدة حائزة على المرتبة الأولى في السباقات الدولية.
فلم تكن تتصور هذه البطلة العالمية أنه يمكن المشاركة في سباقات العدو بهذا الزي، وقد سألتني عن ذلك. لكننا اعتدنا هذا الأمر في إيران، لأنه نمارس التمارين ونشارك في المباريات المحلية بهذا الزي، وفي الحقيقة علينا أن نبذل جهدا أكثر من الأخريات. فقد بذلت الكثير من الفتيات الإيرانيات جهودا جبارة وقد حصلن - وبهذا الزي - على الكثير من الميداليات. وقد يؤثر ثقل الزي وخفته على سرعة العداء، وقد يجري تصميم الأزياء الرياضية للنساء في بعض البلدان الإسلامية بشكل يكون أكثر خفة بهدف الحد من الاحتكاك وقوة الريح.
* ما رد فعلك إزاء ما قالته البطلة العالمية عن زيك؟
- لم أرَ أمرا سيئا. فتلك البطلة العالمية التي تحدثت عنها قالت إنني بطلة لأنني أشارك بهذه الأزياء والظروف الصعبة في المباريات العالمية.
* هل يمكن تغيير هذا الزي؟
- طبعا يمكن. وقد يكون القماش المستخدم أكثر خفة، لكن لم يقُم بذلك لأن مشكلتنا هي عدم وجود الدعم والرعاية المالية. فعلى سبيل المثال أنا أعرف عداءة بحرينية شاركت في سباق سابق بزي رياضي إسلامي، وقد علمت أن شركة «نايكي» صممت زيا إسلاميا لها، فإنه خفيف جدا وكان خمار رأسها أيضا من قماش عديم الوزن.
* ما أكثر المشكلات التي تواجهها الرياضيات في إيران؟
- لا أتوقع أي مستقبل لي كامرأة رياضية في مجال العدو السريع في إيران. على سبيل المثال إذا أصبت بجروح اليوم لربما ينتهي عمري الرياضي. أي لا يوجد حتى تأمين مناسب للرياضيين في إيران. وإذا كنا نتمتع بالتأمين المناسب أو كان لدينا رعاية مالية وتأمين صحي لحُلت بعض مشكلاتنا. يستطيع الاتحاد الإيراني لألعاب القوى تقديم الدعم والرعاية المالية بشكل محدود، لأنه يواجه صعوبات مالية أيضا.
* ما الفرق بين العداء والعداءة في إيران؟ هل هناك تمييز جنسي تشعرين به؟
- لقد تحسن الوضع حاليا قياسا بالماضي، لكن لا يمكن إخفاء مثل هذا التمييز الجنسي ضد الرياضيات الذي يشمل الأزياء والشؤون المالية وأمور أخرى. وعلى الرغم من ذلك فإنني متفائلة إزاء المستقبل.
* إلى أي بلد سافرت؟ وهل شاركت في السباقات التمهيدية الدولية؟
- شاركت في سباقات في كثير من الدول، وأحلى ذكرياتي هي حصولي على أول ميدالية ذهبية، كما أنني لا أنسى مشاركتي في البطولة الدولية في عام 2011. لم أشارك في أي أدوار تمهيدية لسباقات العدو في العام الماضي. بل إن مشاركتي اقتصرت على الدوري المحلي في إيران. ولكنني أتمني خوض مثل هذه السباقات التمهيدية أكثر.
* ما الذي تطمحين في الوصول إليه بمسيرتك الرياضية؟
- لدي طموحات كبيرة. فقد كنت أطمح إلى انتزاع ميدالية ذهبية في بطولة آسيا لألعاب القوى وقد تحققت أمنيتي. ولكنني أطمح في المشاركة بأولمبياد آسيا، وإحراز الميدالية، وبعدها سينصب تركيزي على المشاركة وإحراز نتائج متقدمة في الساحة الرياضية الدولية.
* ماذا تعنين بالساحة الرياضية الدولية؟
- يتمنى الرياضيون الوصول إلى الأولمبياد الذي لم أتمكن من بلوغه بسبب ثمانية أجزاء من الثانية. ولكن أصبح لدي دافع أقوى، وكلي أمل في أن أبلغ الأولمبياد المقبل.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».