شاشات: بين قصرين

شاشات: بين قصرين
TT

شاشات: بين قصرين

شاشات: بين قصرين

منذ أن قرأت جدتها لها كفّها في الحلقة الأولى من «السيدة الأولى»، أدركت مريم (غادة عبد الرازق) أنها ستنتهي إلى الحياة في القصر الجمهوري، والحلقات السبع التالية هي الطريق الصعب والهيّن معا صوب هذا الهدف. هذا على الرغم من أن خطوط الكف لا تُظهر الأشياء والأماكن والأشخاص على نحو محدد كما تفعل قراءة فناجين القهوة مثلا، لكن هذا لا يعد مهمّا حالما يجرف المسلسل الاهتمام صوب ما هو أجدى.
مسلسل «السيّدة الأولى» (سي بي سي دراما، وأبوظبي) واحد من أفضل المسلسلات المتاحة، وهي ليست كثيرة. جيّد على أكثر من نحو. الإخراج لمحمد بكير جيّد لأنه دقيق في إحاطته بالتفاصيل، ولأنه منفّذ بقدر محدد من فن اللقطة إلى فن المشهد. الكتابة لعمرو الشامي جيّدة بدورها، لناحية حسن استعراضه وسرده لعالم عادة ما يكون مغلقا، خصوصا أمام التناولات الجادة كهذا العمل، ولتوزيع شخصياته وتضارب مصالحها، كذلك بالنسبة للحوار البعيد تماما عن الاسترسال والثرثرة والكاشف في كل مشهد عن جزء جديد إضافي لما سبق.
كذلك هو جيّد في توزيع الأدوار كلّها: ممدوح عبد العليم في دور رئيس الجمهورية، وأنوشكا في دور السيّدة الأولى، وهي محور الأحداث، و(السوري) باسل الخيّاط في لكنة مصرية سليمة تماما كما باقي الممثلين الذين توزّعوا ليغطّوا جوانب ذلك العالم داخل القصر وخارجه.
لا بأس أن المسلسل لم يرد الحديث عن رئيس مصري بعينه. بل من الأفضل أنه لا يتحدّث عن أي من الرؤساء الذين تناوبوا على القصر الجمهوري من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي، مبقيا المسألة في دائرة التأليف الروائي، إنما من دون تغريب.
ما كشفته الحلقات حتى الآن هو إلمام مناسب وحيوي بالتفاصيل الحياتية من دون إهمال الجوانب العاطفية والشخصية في حياة الجميع. كذلك ما تم تأسيسه في الحلقة الأولى، عندما انبرى الفرقاء، وبينهم زوجة الرئيس نفسها، بولوج صراعات القوى حال تعرّض الرئيس لمحاولة اغتيال سنعرف من قام بها ولحساب من في الحلقات المقبلة.
اللافت أن المخرج محمد بكير لديه الوقت، من حين لآخر، لكي يؤلّف أجواء بصرية خاصّة. يشتغل على الإضاءة وعلى التصوير الثابت والموحي (بعض مشاهده ذكرتني بأجواء «كل رجال الرئيس» للأميركي آلان ج. باكولا)، وإشراك التصميم الفني والديكور في لعبة الإيحاء هذا ليس هيّنا على الإطلاق.
في قصر آخر في زمن آخر يأتي «سرايا عابدين» (mbc) للمخرج عمرو عرفة. مسلسل كتبته هدى مشاري حمادة، ومثل «السيدة الأولى» فإن المرأة هي التي يدور المسلسل حولها وليس الرجل. القصران الحديث والقديم يختلفان في جوانب كثيرة، لكن ليس في الظروف الزمنية والهندسية أو المعمارية، بل في التناول. وفي حين أن «السيّدة الأولى» ليس لديه وقت يضيعه، فإن الثاني من تلك المسلسلات التي تعتبر أن لديها ثلاثين حلقة وليس هناك من حاجة للاستعجال لا في العرض ولا في المعالجة ولا في الإيقاع.
لكن هناك الكثير مما قد يجلب النظر إلى هذا المسلسل، خصوصا أولئك الذين يكترثون للحكايات المخملية في مخادع الحريم. ليس أن الكاتبة والمخرج يتنازلان عن الحد الأدنى من اللياقة في هذه المناسبات، لكن منوال الحديث لا يتحسّن كثيرا بمجرد ألا يتعامل مع المشاهد بحريّة كاملة، بل يبقى هنا شيء من «السوب أوبرا» الشاسع في عدد شخصياته والكبير في إنتاجه والثري في ديكوراته.
لا أدري لماذا خطر لي المخرج السينمائي الراحل حسن الإمام كأفضل من امتلك ناصية معالجة مثل هذه القصص: حكايات الجواري والباشاوات والصراع المحتدم بين النساء اللواتي إما يعملن للالتزام بالأوامر أو لتجربة حظ الخروج عنها أملا في التميّز والارتقاء.
هناك فرصة ضائعة هنا لم تتشكل معالمها واضحة بعد. ألسنا، مثلا، بحاجة إلى كوميديا حول الموضوع؟ هل على كل إنتاج تاريخي أن يأتي محمّلا بثقل النواحي والعناصر الكثيرة التي تتداخله؟ هل نحتاج إلى نوع من «السيرة» أو ما يشابهها كلّما تناولنا حياة شخصيات سابقة وقعت؟ ولماذا علينا أن ندّعي الواقعية في المعالجة إذا ما كانت ستؤدي إلى حركة إيقاعية بطيئة ومتكررة؟
الإمام لم يكن مخرجا أفضل من سواه، لكنه تخصص في هذا اللون وبنجاح مشهود. كان عادة ما يصنع الفيلم الذي تلتقي حوله كل العواطف وليس بعضها فقط.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.