مع إسدال الستار أمس على النسخة الحادية والعشرين من كأس العالم لكرة القدم، بالمباراة النهائية بين فرنسا وكرواتيا على ملعب لوجنيكي في موسكو، تم الإعلان عن ختام المهرجان الكروي الذي استمر شهرا وساهم في تبديل مفاهيم بالنسبة إلى الدولة المضيفة وإحياء الأمل على المستطيل الأخضر لعدد من منتخبات «المستضعفين» كرويا.
ولطالما خيمت المخاوف من العنصرية والعنف والأزمات الدبلوماسية على الاستضافة الروسية للمونديال الذي انطلق في 14 يونيو (حزيران)، إلا أنه ومنذ صافرة البداية، كانت التجربة إيجابية لما يقدر بأكثر من مليون مشجع أجنبي حضروا إلى البلاد، بحسب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
وقال السويسري جياني إنفانتينو رئيس الفيفا أمام حشد من الجماهير على مسرح البولشوي وإلى جواره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء أول من أمس إن كأس العالم ساهمت في تغيير نظرة العالم إلى روسيا.
وأضاف في إشارة إلى بوتين: «قدمنا عملا جيدا معا». وقال بوتين بالإنجليزية التي نادرا ما يتحدث بها علنا «شكرا لك سيدي الرئيس على كلماتك الرقيقة».
وقال بوتين لحشد من اللاعبين السابقين البارزين بينهم البرازيلي رونالدو والفرنسي مارسيل ديساييه فضلا عن مسؤولين في الحكومة الروسية إنه حزين لأن البطولة انتهت لكنه لاحظ أيضا أنها ساهمت في تحسين صورة البلاد.
وأضاف الرئيس الروسي: «لا يسعنا إلا أن نشعر بالحزن لأن هذا المهرجان الكروي الرائع الذي منحنا الكثير من اللحظات السعيدة والانطباعات الحيوية ومجموعة من الأصدقاء الجدد قد انتهى تقريبا... الخرافات والصور النمطية عن روسيا تبددت».
وأشار بوتين إلى أن روسيا تتطلع لعودة جماهير كأس العالم لبلاده مرة أخرى، وقال: «في روسيا، نسعد دوما برؤية أصدقائنا سواء القدامى أو الجدد. لدينا الآن الكثير منهم».
وغصت شوارع موسكو والمدن العشر الأخرى المضيفة بجماهير من كل أنحاء العالم، وخصوصا تلك القادمة من أميركا اللاتينية بأعداد كبيرة، لمتابعة ما اعتبرها رئيس الفيفا جاني إنفانتينو «أفضل كأس عالم».
وأوضح رئيس الاتحاد الدولي: «روسيا تغيرت، أصبحت بلدا حقيقيا لكرة القدم، ليس فقط مع كأس عالم نظمت على أعلى مستوى، لكن أيضا لأن كرة القدم باتت جزءا من الحمض النووي للبلاد بفضل أداء المنتخب الوطني وكل العمل الذي تحقق على مستوى البنى التحتية، كل شيء كان مذهلا وفعالا جدا».
واعتبر إنفانتينو أن «إرث كأس العالم هذه سيرفع من تصنيف روسيا بين دول كرة القدم. ما تم بناؤه، تم بناؤه من أجل المستقبل»، مضيفا: «ما تغير هو النظرة إلى روسيا. نحو مليون شخص زاروا روسيا، موسكو وأيضا كل المدن الأخرى المضيفة، وأدركوا أنهم في بلد جميل، مضياف، مستعد لأن يظهر للعالم كله أن الواقع ليس ما نعتقد أننا نعرفه».
في حين كان حضور الجمهور من دول الغرب أقل عددا لأسباب عدة تتقدمها العلاقات المتوترة بين روسيا ودول غربية عدة، إلا أن المشجعين الإنجليز كانوا من بين الأوروبيين الذين انتقلوا إلى روسيا في القسم الأخير من البطولة، بعدما شاهدوا منتخبهم يواصل التقدم فيها (حل رابعا).
وبعدما كانوا يتوجسون من التعرض لاعتداءات من قبل المشاغبين الروس، تبدلت نظرة الجمهور الإنجليزي لروسيا، وسيغادر أفراده البلاد بانطباع مماثل للذي تحدث عنه مدرب منتخبهم غاريث ساوثغيت.
وقال الأخير بعد الخسارة أمام بلجيكا (صفر - 2) في مباراة تحديد المركز الثالث في سان بطرسبورغ: «كان تنظيم البطولة لائقا، وكان الترحيب بنا في كل المدن التي حللنا فيها في روسيا رائعا».
وتابع: «تحدث كثيرون عن العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا، إلا أنني وعلى الصعيد الشخصي، وبعد التواصل مع الناس هنا، أقول إنه لم يكن ممكنا أن نلقى استقبالا أفضل من الذي حظينا به».
وسواء كانت هذه أفضل كأس عالم كما اعتبرها إنفانتينو أم لا، فثمة حقيقة ثابتة، أن روسيا قدمت عرضا رائعا، وحظي العالم بكرة قدم لن ينساها.
في الجانب الفني، كان عدد الأهداف (إلى ما قبل المباراة النهائية) أقل مما شهدته النسخة السابقة في البرازيل قبل أربعة أعوام (163 هدفا حاليا مقابل 173 في البرازيل)، إلا أن مباراة واحدة في النسخة الحالية انتهت بالتعادل السلبي وكانت بين فرنسا والدنمارك في ختام الدور الأول للمجموعة الثالثة.
المخاوف الأولية بشأن اعتماد تقنية المساعدة بالفيديو في التحكيم «في إيه آر» كانت أقل من المتوقع، على رغم بعض الاختلاف في وجهات النظر الذي رافق مرحلة دوري المجموعات.
وحول نظام «حكم الفيديو المساعد» أكد إنفانتينو أن التجربة حققت بداية ناجحة في مونديال روسيا وساعدت في محو أخطاء ارتكبها حكام المباريات.
وقال رئيس الفيفا: «النتائج واضحة وإيجابية لأبعد الحدود، عدد القرارات الصحيحة من قبل الحكام ارتفع من 95 في المائة إلى 32.99 في المائة، خلال البطولة».
وأضاف إنفانتينو: «نظام فار لا يغير كرة القدم وإنما يعزز نظافة كرة القدم ويجعلها أكثر شفافية ونزاهة»، مشيرا إلى أنه على سبيل المثال «لن تشاهدوا بعد الآن احتساب هدف سجل من موضع تسلل».
وأوضح إنفانتينو أن 440 لقطة جرى مراجعتها عبر نظام فار حتى الدور نصف النهائي وأسفرت عن إعادة فحص 19 حالة، منها 16 حالة شهدت تغيير قرار تحكيمي خاطئ إلى قرار صحيح، بينما تأكدت صحة القرارات التي اتخذت في الحالات الثلاث الأخرى.
وتابع إنفانتينو: «ما أنجزناه هو تمكين الحكم من التأكد مرة ثانية، إما أن يغير القرار وإما يتأكد من صحته».
وأضاف أن الفيفا سيبحث التطورات المحتملة لتكنولوجيا حكم الفيديو، لكنه أكد على أن «كأس العالم كانت بالتأكيد أكثر عدلا مع هذا النظام».
وعلى المستوى الفني للفرق فلعل الأمر الأكثر إثارة للانتباه، هو السباق الكروي الرائع حتى المباراة النهائية من قبل المنتخب الكرواتي، في مقابل الخروج المبكر لمنتخبات مرشحة مثل ألمانيا (حاملة لقب 2014)، وإسبانيا والأرجنتين، ما عكس صورة مختلفة لكرة القدم على صعيد المنتخبات حيث يصعب التكهن سلفا بالنتائج، على نقيض المسابقات القارية لا سيما على مستوى الأندية.
كان مفترضا أن تكون النهائيات الحالية الفرصة الأمثل للأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو، وحتى البرازيلي نيمار، لإحراز اللقب للمرة الأولى. إلا أن البرازيل خرجت من الدور ربع النهائي، فيما خرجت كل من الأرجنتين والبرتغال من ثمن النهائي. ومع تخطي كل من ميسي ورونالدو عتبة الثلاثين، ربما يكون فاتهما القطار لإحراز الكأس.
الفرنسي كيليان مبابي والبلجيكي إدين هازارد والكرواتي لوكا مودريتش تألقوا، من دون أن يفرض أي منهم نفسه نجما أوحد للبطولة.
ويقول مدرب كرواتيا زلاتكو داليتش: «بالنسبة لي، ميسي هو أفضل لاعب في العالم، ونيمار قريب جدا منه من حيث الترتيب، وقد ودعت كل الفرق المدججة بالنجوم، والتي اعتمدت بشكل حصري عليهم البطولة مبكرا وعادت إلى ديارها».
وأضاف: «أما الفرق المدمجة والمتحدة، والتي حاربت من أجل شيء ما، فقد كان مشوارها أطول. وربما كانت هذه من أغرب النهائيات في تاريخ كأس العالم».
وبدا أنه من غير المجدي، وخصوصا مع الاقتراب من الختام، أن يضع بلد ما خططا طويلة الأمد لتحقيق النجاح.
على سبيل المثال، كرة القدم في كرواتيا تعاني مشكلات في البنية التحتية وسياسية. داليتش نفسه تولى منصبه قبل مباراة من نهاية التصفيات الأوروبية المؤهلة (قاد الفريق إلى الملحق وتأهل على حساب اليونان)، لكن بفضل تأثيره ووجود بعض اللاعبين الجيدين تمكن المنتخب الكرواتي من الذهاب بعيدا في البطولة.
وقال المدرب الإسباني للمنتخب البلجيكي روبرتو مارتينيز: «سيكون مصدر إلهام لأي شخص في هذا العالم إذا أحرزت كرواتيا اللقب. عندها يجب أن تكون قادرا على القتال لتحقيق أحلامك».
لقد أعطت كرواتيا الأمل للدول الصغيرة التي تتطلع لمحاكاة النجاح في كأس العالم، وخصوصا مع دخول البطولة مرحلة جديدة بإقامة نهائيات النسخة 22 في قطر بين نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) 2022 ورفع عدد المنتخبات المشاركة في النهائيات إلى 48 في نسخة 2026 التي تستضيفها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وعلى رغم غياب الدول الأفريقية عن الدور ثمن النهائي للمرة الأولى منذ 1982، وهيمنة المنتخبات الأوروبية على الأدوار الإقصائية (ستة من ثمانية في ثمن النهائي، وأربعة من أربعة في نصف النهائي)، اعتبر إنفانتينو أن وصول كرواتيا، البلد الصغير الذي يقتصر عدد سكانه على 4.1 مليون نسمة، إلى المباراة النهائية، يجب أن يمنح الدول الصغيرة الأمل بتحقيق نتائج أفضل في مونديال 2022.
مونديال 2018 أثبت تغيراً في موازين القوى... والدول الصغيرة قالت كلمتها
المهرجان الكروي اختتم بعد 30 يوماً من العروض الرائعة وروسيا أكثر المستفيدين
مونديال 2018 أثبت تغيراً في موازين القوى... والدول الصغيرة قالت كلمتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة