الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ماكرون منح الإسلام أطراً وقواعد تضمن بأن يُمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

الاندماج خطوة أولى لمواجهة العنف والإرهاب أوروبياً

ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)
ممثلو مؤسسات إسلامية يضعون أكاليل من الورود على أرواح ضحايا هجوم جسر لندن الإرهابي العام الماضي («الشرق الأوسط»)

أحد أهم الأسئلة المطروحة في مواجهة ظاهرة الإرهاب العالمي في الأعوام القليلة الماضية ينسحب على أوروبا بنوع خاص، بأكثر من أي موقع أو موضع في الغرب: هل مِن علاقة ما بين القدرة على الاندماج في المجتمع الأوروبي ومحاصرة ظاهرة العنف ومجابهة حركات التطرف الفكري التي تقود حكماً في نهاية المطاف إلى الإرهاب بكل أشكاله وصنوفه؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هي العقبات التي تقف في طريق أصحاب الأصول العرقية، ومعتنقي الأديان المغايرة للمسيحية في أوروبا، والحديث هنا ولا شك يكاد يكون محصوراً في مسلمي أوروبا الذين باتوا مطالبين بتحقيق ثنائية غير يسيرة، فمن جهة الاحتفاظ بهويتهم الدينية والمذهبية دون انتقاص أو تماهٍ مع الآخر المغاير، ومن جانب آخر يطلب منهم الاندماج المدني بأقصى حدّ ومد، وتقديم خطاب ديني معتدل في مواجهة العنف والعنصرية.

قد يتحتم علينا أن نقدم بدايةً تعريفاً لفكرة الاندماج، التي تعني ضمَّ عناصر جديدة إنسانية في سياقات جماعية موجودة بالفعل، بهدف الحصول على مجتمع واحد متجانس ومتناسق وسبيكة اجتماعية منصهرة في ثوب وإطار واحد وواضح، وبمعنى آخر يعني الاندماج الإيجابي الخلاق بناء الجسور وهدم الجدران بين البشر في رقعة جغرافية، وحيز زماني واحد، لخير وصالح كل الأطراف سواء الأصيلة في المجتمعات أو الوافدة.
والشاهد أن القيم وإن كانت واحدة في كل زمان ومكان، إلا أن عملية التعبير عنها تختلف من ثقافة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، ومن هنا تظهر الحاجة إلى المواءمات بين القديم والجديد، كما بين الشرق والغرب، وبين العالم المتقدم ومعاييره، والعالم النامي وأزماته.
هل يعاني مسلمو أوروبا من مشكلة ما في الاندماج ومن جرائها تظهر عناصر إرهابية بين صفوف المسلمين الأوروبيين؟
يبدو أن المسألة معقدة والجواب ليس يسيراً، لا سيما أنه لا يمكن بحال من الأحوال دمج جميع مسلمي أوروبا في تصنيف واحد، فهناك أجيال عرفت طريقها لأوروبا منذ الحرب العالمية الأولى، كالأتراك المسلمين بنوع خاص، وهناك جماعات من الذين ولدوا في أوروبا وحافظوا على عقيدتهم الإسلامية، وغالب الأمر أن هؤلاء وأولئك قد اندمجوا بدرجة أو بأخرى في المجتمع الأوروبي.
إلا أن الإشكالية الحقيقية تتصل بالمهاجرين واللاجئين حديثي العهد بأوروبا، وجل هؤلاء رقيقو الحال ثقافياً وفكرياً، اجتماعياً واقتصادياً، وقد قذفت بهم أنواء الحروب والفقر والصراعات الأهلية من الشرق الأوسط بنوع خاص، ومن أفريقيا عامة.
هذا الفريق لم ينَلْ حظاً وافياً كافياً من التعليم، وربما جرت المقادير بنشأته في مجتمعات متشددة، وبعضها الآخر متعصب، وغالباً ما تحدث لهؤلاء «صدمة العولمة أو الانفتاح»، وذلك من جراء الانتقال المفاجئ من حاضنات فكرية واجتماعية منغلقة إلى أخرى قد تعاني من وفرة الانفتاح.
وفى وسط الاضطراب النفسي القاتل يحدث ما أطلق عليه الكاتب الآيرلندي الشهير جورج برنارد شو «البحث عن المرفأ القريب»، وليس أقرب من الطروحات والشروحات الدينية، من هنا تتخلق أجواء «الجيتو» النفسي أولاً، والمادي ثانياً، وتظهر تالياً أعراض الإحساس بالدونية، وينتشر الشعور بالأقلية، ومن ثم عدم الاختلاط بأصحاب المجتمعات الأصلية.
ولعل الناظر للتجربة الأوروبية يدرك أن هناك بالفعل معضلة كبيرة في سيادة نموذج رائد وراقٍ من الاندماج، إذ توجد أحياء بكاملها مغلقة على المسلمين، وهناك أحياء في فرنسا ووسط باريس مثل بلفيل تحديداً يكاد اللسان العربي فيها يتجاوز اللغة الفرنسية، وفي برلين يوجد حي إستانبول وغالبية سكانه من الذين يتحدثون التركية فيما بينهم، وإن أجادوا الألمانية.
هل هناك علاقة مباشرة بصورة معينة بين الإرهاب وعدم المقدرة على الاندماج؟
ربما ينبغي الإضافة إلى ما تقدم أن القصور يشوب كثيراً من الجاليات العربية والإسلامية في هذا المضمار، فلا جهد يبذل لتعلُّم لغة الدولة المضيفة، وكذا عدم القدرة على التعاطي بإيجابية مع سوق العمل الأوروبية، إذ إن لها متطلبات مختلفة بدرجة كبيرة عن نظيراتها في العالم النامي. أضف إلى ذلك حالة عدم الاتزان والفصام التي يعانونها، والاغتراب الروحي الذي يتألمون من شأنه، وبالإضافة إلى ذلك هناك إشكالية جرائم الشرف، حيث التعاطي والنظر إلى المرأة تتم من خلال منظور شرقي، لا يعتد به القانون الأوروبي، كل هذا يجعل من غير المندمجين والرافضين التعايش مع الأوروبيين قنابل موقوتة وجاهزة لأي تطرف أو تشدد ديني أو آيديولوجي.
قبل نحو عام أجرى معهد «بيرتلسمان ستيفتانغ» الألماني دراسة عن أحوال المسلمين في أوروبا ومعضلة الاندماج، الدراسة جرت وقائعها في خمس دول أوروبية، وخلصت إلى تقرير جاء عنوانه «المسلمون في أوروبا... اندماج ولكن دون قبول مجتمعي». وقد حمل كثيراً من الرسائل حول اندماج مسلمي أوروبا وكذا العقبات التي يواجهونها.
في تقريرها المعنون «بداية جديدة» تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه ليس هناك إجماع على تعريف مفهوم اندماج اللاجئ أو المغترب في الدول المضيفة، لكنها تحدد أن عملية اندماج اللاجئ في مجتمع جديد هي عملية تفاعلية تقع مسؤوليتها على الطرفين: اللاجئ نفسه والبلد المضيف، وأن هناك ثلاثة أبعاد رئيسية تحكم تلك العملية وهي البعد القانوني أو الحقوقي، والبعد الاقتصادي، والبعد الثقافي أو المجتمعي.
الأبعاد المتقدمة تحتاج إلى بعض التفكيك والتحليل، إن جاز التعبير؛ فالمسألة الأولى ربما نجدها طرف الدولة المضيفة وهل توفر للقادم إليها سواء كان لاجئاً أو مهاجراً الحزمة القانونية لاعتباره مواطناً كاملَ المواطنة له الحق كله في حرية التنقل والحركة، قادراً على متابعة عملية التعلم، يتلقى علاجه في المؤسسات العلاجية الرسمية للدولة، حاصلاً على رخصة للعمل... كل هذه الجزئيات حال وجودها تدفع المندمجين دفعاً إلى التماهي رويداً رويداً مع المجتمعات الأوروبية، وغنى عن القول إنه حال تراجع دولة المستقر عن تقديم تلك الخدمات، فإن فرص الاندماج تتقلص وتتعاظم إمكانات الاستقطاب من قبل الجماعات الأصولية، ما يعني ازدياد معدلات العنف والإرهاب في الأوساط الأوروبية.
البعد الثاني يتصل بالأوضاع الاقتصادية ويعد طريقاً من اتجاهين بمعنى أن الدولة المضيفة يقع عليها عبء توفير فرص العمل، وعلى المندمج أن يسعى لتنمية قدراته بما يلائم أسواق العمل هناك، وعدم الاكتفاء براتب الإعانة، وكلما أضحى المندمجون أكثر إفادة من الناحية الاقتصادية لمجتمعاتهم الجديدة، بات تقبل المواطنين الأصليين لهم أكثر يسراً وسهولاً وأكثر أريحية.
والثابت أن عدم الاندماج اقتصادياً لا يعنى سوى فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية التي تتوافر لها الأموال لاصطياد عناصر من غير المندمجين والزج بهم في أتون الإرهاب الأعمى، مغررة بهم بفعل حفنة دولارات، عطفاً على فشل مجتمعي في احتواء الجديد القادم من الخارج. فيما يظل البعد المجتمعي والثقافي أهم الأبعاد، والجهد لا بد أن يكون وبالضرورة متبادل بالإقناع العقلي لا بالقسر الفكري، بمعنى أن المندمج يجب أن يدرك أن هناك معطيات حياتية مغايرة طرأت عليه، وأنه يعيش في وسط غير الذي أتى منه، وبيئة لها كينونتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والمجتمعية والمختلفة غالباً عن أوضاعه التي عاش فيها طويلاً من قبل في بلاده الأصلية.
وفي الوقت ذاته، ينبغي على دولة الاستضافة تفهم تلك الإشكاليات النفسية التي يعاني منها المندمجون في سنواتهم الأولى، وأن تقدم لهم الدروس والدورات التثقيفية، خصوصاً مساعدتهم في تعلم لغة الدولة المضيفة، فاللسان حياة، وكلما سهل التعامل مع الآخرين، بات من اليسير الاندماج.
والعكس هنا، أي الفشل في بسط مظلة مجتمعية تجاه المندمجين الجدد، وهو أمر سيعيد سيرة الأنظمة أو الجماعات التكفيرية التي عرفتها بعض المجتمعات الشرق أوسطية مثل جماعة «التكفير والهجرة» في مصر في سبعينات القرن الماضي، والتي كان أعضاؤها ينظرون إلى المجتمع على أنه كافر، ولهذا عمدوا إلى السكن والإقامة في أماكن خاصة بهم، وتالياً تدبير عمليات إرهابية ردعت المصريين لعقود طوال.
ولعل أكثر دولة أوروبية تحديداً يمكن للمرء أن يقيس عليها نجاعة أو إخفاق عملية الاندماج هي فرنسا، لأكثر من سبب، فهي من جهة الدولة الليبرالية العلمانية بامتياز، فيما الجانب الآخر من المشهد يعود إلى وجود أكبر عدد من المسلمين الأوروبيين والمهاجرين إليها، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن فرنسا قد شهدت عدد واضح من العمليات الإرهابية والتي قام بعملها من يمكن أن نطلق عليهم «غير المندمجين»، لا سيما أن بعضهم من الجيل الثاني الذي نشأ وتربى في فرنسا عينها، ما يعنى أن هناك معضلة جوهرية في المشهد الفرنسي.
إشكالية مسلمي فرنسا باتت تطرح تساؤلات لدى النخبة عن علاقة التهميش مع الإرهاب، وقد بلغ الجدل حد صدور تصريحات الرئيس ماكرون نهار الاثنين 9 يوليو (تموز) الحالي أمام البرلمانيين المجتمعين في فرساي، التي قال فيها إنه «لا يوجد أي سبب على الإطلاق لكي تكون العلاقة بين الجمهورية الفرنسية والإسلام صعبة، مؤكداً أنه سيتم وضع (إطار قواعد) لتسيير شؤون المسلمين في فرنسا».
الرئيس الفرنسي بتصريحه هذا اقترب بشكل إيجابي من مرحلة اندماج فاعل، مفوِّتاً الفرصة على اليمين المتشدد الذي يعمق الهوة بين الأوروبيين ومسلمي القارة العجوز، وقد أضاف في تصريحاته أنه «اعتباراً من الخريف، سنوضح هذا الوضع عبر منح الإسلام إطاراً وقواعد ستضمن بأن يمارس في كل أنحاء البلاد طبقاً لقوانين الجمهورية... سنقوم بذلك مع الفرنسيين المسلمين ومع ممثليهم».
قطع ماكرون ولا شك شوطاً كبيراً على قوانين ومسارب الإرهاب من جماعات التعصب والتشدد الديني حين أشار وسط تصفيق البرلمانيين إلى أن «النظام العام والحس العادي بالكياسة واستقلالية الأذهان والأفراد حيال الدين ليست كلمات فارغة في فرنسا، وهذا يستلزم إطاراً متجدداً وتناغماً مجدداً».
وعلى أن عملية اندماج مسلمي أوروبا وإن كانت تواجه عقبات من بعض التيارات الأصولية الإسلامية التي لا يصب في صالحها هذا التناغم المجتمعي، فإن هناك أيضاً عقبة كؤود أخرى تواجه الحكومات الأوروبية من الأوروبيين أنفسهم... ماذا عن العقبتين المتقدمتين؟
أولاً: ينبغي الإشارة إلى بعض الأخطاء والتي تصل حد الخطايا التي قامت عليها دول أوروبية كرست النهج الانعزالي، عوضاً عن زخم منظومة الاندماج.
خذ إليك بريطانيا على سبيل المثال، التي قدَّمت ملاذاً لجماعات أصولية مثل «الإخوان المسلمين» و«الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» وغيرها، ملاذاً وشرعية مكنا للإخوان في أوروبا من السيطرة بدرجة أو بأخرى على الكثير من الأماكن المجتمعية ناهيك بدور العبادة، والمدارس.


مقالات ذات صلة

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

العالم إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

إسبانيا: السجن لأعضاء خلية «إرهابية» خططت لاستهداف مصالح روسية

قضت محكمة إسبانية، الجمعة، بالسجن 10 سنوات على زعيم خلية «إرهابية» نشطت في برشلونة، و8 سنوات على 3 آخرين بتهمة التخطيط لهجمات ضد أهداف روسية في المدينة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وذكرت «المحكمة الوطنية» في مدريد، في بيان، أنها أدانت «4 أعضاء في خلية إرهابية متطرفة مقرُّها برشلونة، حدّدوا أهدافاً روسية لتنفيذ هجمات ضدَّها في عاصمة كاتالونيا بشمال شرقي إسبانيا. وأضافت المحكمة، المسؤولة خصيصاً عن قضايا «الإرهاب»، أنها برّأت شخصين آخرين. وجاء، في البيان، أن زعيم الخلية «بدأ تحديد الأهداف المحتملة، ولا سيما المصالح الروسية في عاصمة كاتالونيا، وأنه كان في انتظار الحصول على موادّ حربية». وأوض

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

اعتقال سوري بتهمة التخطيط لهجمات في ألمانيا

أعلنت السلطات الألمانية، الثلاثاء، القبض على سوري، 28 عاماً، في هامبورغ للاشتباه في تخطيطه شن هجوم ارهابي. وأعلن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية، والمكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية هامبورغ، ومكتب المدعي العام في الولاية أنه يُشتبه أيضاً في أن شقيق المتهم الذي يصغره بأربع سنوات، ويعيش في مدينة كمبتن ساعده في التخطيط. ووفق البيانات، فقد خطط الشقيقان لشن هجوم على أهداف مدنية بحزام ناسف قاما بصنعه.

«الشرق الأوسط» (هامبورغ)
العالم هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

هولندا تُدين أربع نساء أعادتهن من سوريا بتهمة الإرهاب

حكمت محكمة هولندية، اليوم (الخميس)، على أربع نساء، أعادتهنّ الحكومة العام الماضي من مخيّم للاجئين في سوريا، بالسجن لفترات تصل إلى ثلاث سنوات بعد إدانتهنّ بتهم تتعلق بالإرهاب. وفي فبراير (شباط) 2022 وصلت خمس نساء و11 طفلاً إلى هولندا، بعدما أعادتهنّ الحكومة من مخيّم «الروج» في شمال شرقي سوريا حيث تُحتجز عائلات مقاتلين. وبُعيد عودتهنّ، مثلت النساء الخمس أمام محكمة في روتردام، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، حيث وجّهت إليهن تهمة الانضمام إلى مقاتلين في تنظيم «داعش» في ذروة الحرب في سوريا، والتخطيط لأعمال إرهابية. وقالت محكمة روتردام، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ النساء الخمس «قصدن ساحات ل

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
العالم قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

قتيلان بإطلاق نار في هامبورغ

أفادت صحيفة «بيلد» الألمانية بسقوط قتيلين عقب إطلاق نار بمدينة هامبورغ اليوم (الأحد). وأوضحت الصحيفة أنه تم استدعاء الشرطة قبيل منتصف الليل، وهرعت سياراتها إلى موقع الحادث. ولم ترد مزيد من التفاصيل عن هوية مطلق النار ودوافعه.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

الادعاء الألماني يحرّك دعوى ضد شابين بتهمة التخطيط لشن هجوم باسم «داعش»

أعلن الادعاء العام الألماني في مدينة كارلسروه، اليوم (الخميس)، تحريك دعوى قضائية ضد شابين إسلاميين بتهمة الإعداد لشن هجوم في ألمانيا باسم تنظيم «داعش». وأوضح الادعاء أنه من المنتظر أن تجري وقائع المحاكمة في المحكمة العليا في هامبورغ وفقاً لقانون الأحداث. وتم القبض على المتهمَين بشكل منفصل في سبتمبر (أيلول) الماضي وأودعا منذ ذلك الحين الحبس الاحتياطي. ويُعْتَقَد أن أحد المتهمين، وهو كوسوفي - ألماني، كان ينوي القيام بهجوم بنفسه، وسأل لهذا الغرض عن سبل صنع عبوة ناسفة عن طريق عضو في فرع التنظيم بأفغانستان. وحسب المحققين، فإن المتهم تخوف بعد ذلك من احتمال إفشال خططه ومن ثم عزم بدلاً من ذلك على مهاج

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.