احتجاجات جماهيرية تعمّ نيكاراغوا وتشل شوارعها

TT

احتجاجات جماهيرية تعمّ نيكاراغوا وتشل شوارعها

خلت الشوارع من أي حركة بسبب إضراب عام في معظم أنحاء نيكاراغوا أول من أمس الجمعة، وأغلقت المتاجر أبوابها تلبية لدعوة جماعات المجتمع المدني التي تطالب باستقالة الرئيس دانييل أورتيغا بعد احتجاجات دامية بدأت منذ أكثر من ثلاثة أشهر أدت إلى سقوط نحو 300 قتيل. وجاء هذا الإضراب العام بعد احتجاجات جماهيرية عمت نيكاراغوا يوم الخميس. وقتل شخصان وجرح عشرات آخرون في أعمال عنف في مدينة مسايا الجمعة، معقل المعارضة في نيكاراغوا فيما وجه أورتيغا دعوة إلى السلام. وأكد الفارو ليفا من المركز النيكاراغوي لحقوق الإنسان: «قتل شخصان، شرطي ومتظاهر». وأضاف أنهما قتلا في حي بجنوب مدينة مسايا على بعد نحو 30 كلم عن العاصمة، عندما قام أنصار أورتيغا «بإطلاق النار من أسلحة من العيار الثقيل». وقام أورتيغا بحشد أنصاره للقيام بمسيرة إلى مسايا، ردا على إضراب عام دعت إليه المعارضة وشل البلاد. وأغلقت غالبية المحلات والبنوك والأسواق ومحطات الوقود والمطاعم في أنحاء البلاد، بحسب مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال أورتيغا في تصريحات مقتضبة إنه يأسف على هذه الأزمة وعرض إجراء محادثات مع المعارضين لحكومته. وأضاف في الوقت الذي وقف أنصاره بجواره: «أدعو (المحتجين) إلى إنهاء المواجهة وأن نتحد جميعا لمنح الشعب السلام الذي تحتاج إليه نيكاراغوا». وهذه ثالث فترة رئاسة على التوالي لأورتيغا ومن المقرر أن تنتهي في 2021. ودعا ممثلو منظمات المجتمع المدني إلى إجراء انتخابات مبكرة لإنهاء الأزمة في حين رفض وزير الخارجية دينيس مونكادا هذا الاحتمال خلال جلسة لمنظمة الدول الأميركية بواشنطن. وقال: «لا يمكنكم دعم مؤسسات البلد ولا يمكنكم دعم ديمقراطيته بانتهاك دستوره... وفرض إرادة جماعات تسعى لتغيير الحكومة». وتشهد نيكاراغوا اضطرابات منذ أبريل (نيسان) عندما اقترح رئيسها اليساري خفض معاشات التقاعد لتغطية عجز في منظومة التأمين الاجتماعي.
وفي ماناغوا دهمت الشرطة وقوات عسكرية موالية للحكومة جامعة ناسيونال أوتونوم حيث يعتصم عشرات الطلاب منذ بدء الاحتجاجات. وذكرت وسائل إعلام محلية أن طلابا في الجامعة تحصنوا داخل الحرم الجامعي بينما كانت جماعات شبه عسكرية مؤيدة لأورتيغا تطلق النار على المبنى من الخارج. ولم يُعرف عدد المصابين في الجامعة.
وبدأت حركة الاحتجاج، وهي الأعنف التي تشهدها البلاد منذ عقود، في 18 أبريل بإصلاح لنظام الضمان الاجتماعي. وعلى الرغم من سحب هذا الإصلاح، لم يتراجع الغضب الشعبي بل تفاقم مع قمع الشرطة للمحتجين الذين يستهدفون أورتيغا وزوجته. ورفض أورتيغا تقديم موعد الانتخابات كما يُطالب المعارضون الذين وصفهم علنا بأنهم «مجموعة من الانقلابيين».
كما اندلعت اشتباكات عنيفة في كنيسة بالعاصمة ماناغوا حيث أصيب عدة أشخاص بجروح خطيرة. والاشتباكات بين القوات التي تدعم الرئيس أورتيغا ومتظاهرين يطالبون باستقالته هي أدمى احتجاجات في نيكاراغوا منذ انتهاء حربها الأهلية عام 1990. وقال باولو أبراو المسؤول في لجنة الأميركتين لحقوق الإنسان على «تويتر» إن ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص أصيبوا في كنيسة ديفاين ميرسي في ماناغوا. وقال مراسل صحيفة واشنطن بوست على «تويتر» إن شخصا أصيب بالرصاص في ساقه وسمحت له الشرطة مع آخرين بالمغادرة حيث كانت في انتظارهم سيارات إسعاف. ولم يُعرف عدد الأشخاص الذين ما زالوا محاصرين في الكنيسة حيث منع إطلاق النار في المساء الموجودين بالداخل من المغادرة.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.