بكين تتوسط لتسوية الخلافات بين نيودلهي وإسلام آباد

يخدم جهودها الرامية إلى استكمال الممر الاقتصادي الباكستاني ـ الصيني

الرئيس الصيني شي مع رئيس وزراء الهند مودي (رويترز)
الرئيس الصيني شي مع رئيس وزراء الهند مودي (رويترز)
TT

بكين تتوسط لتسوية الخلافات بين نيودلهي وإسلام آباد

الرئيس الصيني شي مع رئيس وزراء الهند مودي (رويترز)
الرئيس الصيني شي مع رئيس وزراء الهند مودي (رويترز)

تعمل بكين على نزع التوتر الدائم بين نيودلهي وإسلام آباد في محاولة منها لإحلال السلام بين البلدين، ومنها جاءت مبادرتها لتنظيم مناورات عسكرية تشترك فيها جيوش الدول الثلاث خلال الشهر المقبل رغم الخلافات الراهنة بين الهند من ناحية، وبين الصين وباكستان من ناحية أخرى بسبب «مبادرة الحزام والطريق» الصينية، والمناوشات المسلحة المتكررة بين الجيشين الهندي والباكستاني على طول خط المراقبة الحدودي في إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه.
وفي ظل المقترح بإيجاد آلية ثلاثية مشتركة مع الهند وباكستان، تهدف الصين إلى القيام بدور الوسيط السلمي بين البلدين، ولدى بكين خطة لأجل ذلك. في يونيو (حزيران) الماضي، طرح المبعوث الصيني لو تشاو هوي فكرة اجتماع قادة الدول الثلاث على هامش مؤتمر قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخير، وقال السفير الصيني «لماذا لا تعقد باكستان والصين والهند قمة ثلاثية أخرى فيما بينهم؟».
وجاء المقترح في وقت تتطلع فيه الهند والصين إلى تعزيز العلاقات الثنائية فيما بينهما على نحو ما قرره رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة ووهان غير الرسمية التي عقدت في أبريل (نيسان) الماضي. ونالت كل من الهند وباكستان عضوية منظمة شنغهاي للتعاون اعتباراً من العام الماضي، وهي التجمع الإقليمي المعني بشؤون أواسط آسيا، وشهدا أول اجتماع بصفتيهما عضوين في المنظمة في مدينة «تشينغ داو» الصينية الشهر الماضي.
وفي حين أنه لدى الهند الكثير من الارتباطات الثلاثية التي تجمعها بالكثير من الدول، بما في ذلك (روسيا، والهند، والصين)، و(الولايات المتحدة، والهند، واليابان)، و(الولايات المتحدة، والهند، وأفغانستان)، باعتبارها آليات سياسية لإجراء المحادثات، فمن شأن القمة المقترحة أن تكون الأولى من نوعها في وجود كل من باكستان والهند.
ولم تُخف بكين اهتمامها بتعزيز العلاقات الجيدة بين الهند وباكستان تحت مظلة منظمة شنغهاي للتعاون. ومن المثير للاهتمام، أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي قد صرح خلال قمة المنظمة قائلاً «أعتقد بعد انضمام كل من الهند وباكستان إلى عضوية المنظمة، يمكننا توفير منصة أفضل وفرص أفضل لبناء العلاقات الثنائية بينهما».
وقال المحلل أنانث كريشنان، من صحيفة «إنديا توداي» معلقاً «ربما يكون المبعوث الصيني قد استبق الأحداث، لكن من الواضح أن الصين تنظر بالفعل إلى منظمة شنغهاي للتعاون باعتبارها منبراً محتملاً للحد من التوترات القائمة بين الهند وباكستان».
ويعتبر جابين جاكوب، محلل الشؤون الصينية في نيودلهي، المقترح الخاص بالاجتماع الثلاثي من بين الجهود المبذولة من جانب الصين للتوسط في إرساء السلام بين الهند وباكستان والتي تدهورت علاقاتهما بصورة حادة خلال العامين الماضيين. وقال إنها محاولة من جانب بكين للاضطلاع بدور أكثر توازناً وأكثر قرباً في التعامل مع الهند وباكستان. ومع ذلك، فإنه من الواضح أيضاً أن بكين لا يمكنها التخلي عن إسلام آباد لمجرد تعزيز العلاقات الثنائية مع نيودلهي.
هناك سبب رسمي وراء الخطة الصينية المقترحة. فمن شأن تهدئة حدة الصراع أن تعزز من الروابط الاقتصادية بين البلدين، وعلى المنوال نفسه الذي أسفر تخفيف حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة في السبعينات عن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. لكن هناك بعض الأسباب غير الرسمية أيضاً. وأحد هذه الأسباب هو أن الحد من التوتر القائم بين البلدين سوف يخدم الجهود الصينية الرامية إلى استكمال الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني. ولقد رفضت الهند المشاركة في هذه المبادرة زاعمة أنها تمر عبر الأراضي الباكستانية؛ الأمر الذي يجعلها من المبادرات غير المعقولة بالنسبة إلى نيودلهي، على أقل تقدير، حيث تواصل الهند وباكستان صراعهما للسيطرة على هذه المناطق. ولهذا السبب تحتاج الصين إلى الهند للوصول إلى سلام مع باكستان.
يقول المعلق صمويل راماني، من صحيفة «ذي ديبلومات»: «تنظر الصين إلى جهود الوساطة باعتبارها فرصة لاختبار استراتيجيتها لاستخدام التكامل الاقتصادي أداةً من أدوات تسوية الصراع. وبما أن صلاحيات الاستثمارات الهندية في ميناء تشابهار الإيراني باتت محل شكوك بسبب مخاطر العقوبات الأميركية ضد نيودلهي، فإن صناع السياسة في الصين يعتقدون بإمكانية استمالة الهند للتعاون مع الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني إن طُرح على نيودلهي عرض معقول بشأن الممر. وإن نجحت جهود الوساطة الصينية في إرساء الأساس للتعاون الاقتصادي المستدام بين نيودلهي وإسلام آباد، فسوف يتم الكشف عن مهارات التحكيم الصينية إلى المجتمع الدولي، ومن شأن ذلك أن يمنح طموحات وضعية القوة العظمى لدى الصين دفعة وزخماً كبيراً». ومن الأسباب الأخرى لدى الصين في الوصول إلى تسوية سلمية بين الهند وباكستان هو إيجاد سوق جديدة وكبيرة للمنتجات الصينية. ولا سيما مع تصاعد التوترات التجارية الراهنة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
وقال فيجاي إزواران، رجل الأعمال الماليزي ورئيس مجمع شركات «كيو آي»: قد تكون الصين على استعداد للقيام بدور مهم في تحسين العلاقات الهندية - الباكستانية طالما اقتنعت بكين في إمكانية إيجاد حل اقتصادي لمشكلات وتحديات العالم». وكان التفاعل السياسي بين الرئيس الصيني ورئيس الوزراء الهندي من الإشارات الواضحة على الاستراتيجية الصينية الرامية إلى تخفيف المعارضة الهندية إزاء باكستان، وجعل البلدين في صدارة عملية المصالحة الأفغانية.
وقالت صحيفة «إنديان إكسبريس» في مقالتها الافتتاحية مؤخراً: «تعتزم الصين الظهور شريكاً ذا أهمية في تسوية الصراع المسلح في أفغانستان مع التركيز على الاعتبارات الاقتصادية والأمنية لوقف تدفقات المتطرفين الأفغان إلى منطقة شينغ يانغ الصينية التي تقطنها أغلبية مسلمة وتسيطر عليها الصين تماماً. والمهم في ذلك السياق ليس مظهر مائدة المفاوضات، بل ما يُطرح عليها من ملفات للتباحث بشأنها. كما حضت بكين نيودلهي للاستعداد للجلوس إلى مائدة التفاوض لمناقشة جدول الأعمال ذي الملفات الثلاثية».ومع ذلك، نصح عُدي باسكار، مدير جمعية الدراسات السياسية في نيودلهي، الهند بتوخي جانب الحذر في الاستجابة للمقترحات الصينية، وقال: «من المهم دراسة المقترحات الصينية بكل عناية بشأن بعض الاحتمالات التي يمكن مراجعتها ومناقشتها بشكل ثنائي مع بكين في هذه المرحلة، وأنا لن أندفع في طريق القمة الثلاثية التي تضم باكستان حالياً. ولنترك الحوار السياسي، والدبلوماسي، والعسكري، والتجاري على مستواه الثنائي في الوقت الراهن».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».