الاحتفال بمرور 50 عاماً على إطلاق أغنية «أزورو»

النشيد الوطني غير الرسمي لإيطاليا

أدريانو تشيلينتانو
أدريانو تشيلينتانو
TT

الاحتفال بمرور 50 عاماً على إطلاق أغنية «أزورو»

أدريانو تشيلينتانو
أدريانو تشيلينتانو

عندما وصل رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، ماتيو رينزي، إلى ألمانيا لحضور قمة مجموعة الدول السبع قبل ثلاث سنوات، لم يتم استقباله بعزف النشيد الوطني الإيطالي.
وبدلاً من النشيد الوطني، قدمت فرقة غنائية من بافاريا أغنية البوب الشهيرة، «أزورو» (وتعني اللون الأزرق بالإيطالية)، التي يبلغ عمرها حالياً 50 عاماً، وأصبحت واحدة من أكثر الأغنيات الإيطالية شعبية في العالم، شأنها شأن أغنيتي «Volare» و«O Sole Mio».
ويشار إلى أن الأغنية من تأليف باولو كونتي (81 عاماً)، وهو مغنٍ وكاتب أغانٍ. وكانت الأغنية تصدرت لأول مرة قوائم الأغنيات في نسخة غناها نجم البوب والروك الإيطالي، أدريانو تشيلينتانو (80 عاماً).
وأكد كونتي للصحافيين في مؤتمر صحافي عقد في يونيو (حزيران) الماضي بمناسبة مرور خمسين عاماً على إطلاق الأغنية لأول مرة، «لم أنسَ هذه الأغنية قط؛ فهي في قلبي». كما أرجع كونتي السبب وراء النجاح الأولي للأغنية إلى نجم الغناء، تشيلينتانو، قائلاً عنه «كنت أعلم أنه بسبب تقديمه الأغنية، ستحقق نجاحاً ضخماً».
وكان تشيلينتانو، الذي كان مشهوراً بالفعل بإيطاليا في أواخر ستينات القرن الماضي،- وافق على تسجيل الأغنية وإطلاقها بعد أن طارده صديق لكونتي في مجال الموسيقى، لمدة يومين وأقنعه بأن يسمعها.
وعلى الرغم من أن أغنيات كونتي عادة ما تتسم بطابع موسيقى الجاز الصاخبة، حيث تكون قطعاً موسيقية رفيعة تستحضر سحر باريس في عشرينات القرن الماضي، فإن لحن أغنية «أزورو» يتميز بالسعادة التي تستحضر بسهولة روح إيطاليا الجميلة.
وتتحدث كلمات الأغنية عن رجل يغرق في أحلام اليقظة بعد ظهر أحد الأيام الصيفية. ويقول أحد مقاطع الأغنية «ذَهَبَت هي إلى الشاطئ، وأنا وحيد هنا في المدينة، أسمع صوت طائرة تمر فوق أسطح المنازل».
وحتى لو لم يصل معنى الكلمات لغير الإيطاليين، فإن الأغنية تحظى بشعبية كبيرة مع الأجانب أيضاً. فهي أغنية يتم تقديمها بصورة منتظمة في مهرجان «أوكتوبرفست» في ميونيخ، كما أن جماهير كرة القدم تتغنى بها دائماً.
وكان المنتخب الإيطالي، المعروف أيضاً باسم «أزوري»، قدم أداءً رائعاً لأغنية «أزورو» في عام 2006، عندما فاز بكأس العالم في ألمانيا.
كما قدم الأغنية فنانون من إسبانيا وفرنسا وألمانيا. وقد أعاد فريق موسيقى البانك الألماني «Die Toten Hosen» تقديم الأغنية في عام 1990؛ تقديراً لفوز ألمانيا بكأس العالم الذي كانت تستضيفه إيطاليا آنذاك.
ولم يبدأ كونتي في تقديم أغنية «أزورو» بشكل منتظم إلا في ثمانينات القرن الماضي، عندما انطلق مشواره الغنائي. ومن بين أشهر أغنياته الأخرى «Via con me»، التي تشتمل على جزء باللغة الإنجليزية.
ويحظى كونتي بمكانة خاصة بين الجمهور الناطق باللغة الإنجليزية. وفي عام 1998، حصل ألبومه «The Best of Paolo Conte» على لقب ألبوم العام في مجلتي «The New Yorker» و«Rolling Stone».
وعلى الرغم من الإشادة به، بقي النجم الإيطالي شخصية مراوغة. ويفخر الفنان المنحدر من استي، وهي منطقة تشتهر بالنبيذ وتقع جنوب شرقي تورينو، ببلاده ويرفض الحداثة بصورة دائمة.
وكان قد قال للصحافيين أثناء مؤتمر صحافي عقده بمناسبة ذكرى طرح الأغنية «ليس لدي هاتف محمول»، مضيفا أنه يقضي وقته في المنزل، حيث يستمع إلى تسجيلات موسيقى الجاز القديمة التي انتشرت في عشرينات القرن الماضي، أو يشاهد حفلات موسيقية كلاسيكية ومباريات كرة قدم على التلفزيون.
ومع ذلك، خرج كونتي من عزلته، لتقديم حفلين موسيقيين في الهواء الطلق، وبيعت تذاكرهما بالكامل - بروما، في يونيو الماضي، للاحتفال بعيد ميلاد أغنية «أزورو» الخمسين.
وبمشاركة فريق الأوركسترا بالكامل، محاطاً بأشجار الصنوبر الضخم وتحليق طيور النورس، إلى جانب الأطلال المهيبة لحمامات كاراكالا (أحد أقدم المباني المهيبة في روما القديمة) في الخلفية، كان ثمة شيء مميز في أدائه.
ففي الليلة الأولى، عندما قدمت الأوركسترا أول أجزاء أغنية «أزورو»، ظهر نجم لامع في السماء. ثم تعثر كونتي، النجم المخضرم، في الكلمات، إلا أن الجمهور رد على ذلك بالتصفيق الحار.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».