عمالة أطفال اللاجئين السوريين... واقع مرير ومستقبل مجهول

أطفال سوريون اتجهوا لسوق العمل لتأمين متطلبات الحياة لأسرهم بعد فرارهم من الحرب في بلادهم («الشرق الأوسط»)
أطفال سوريون اتجهوا لسوق العمل لتأمين متطلبات الحياة لأسرهم بعد فرارهم من الحرب في بلادهم («الشرق الأوسط»)
TT

عمالة أطفال اللاجئين السوريين... واقع مرير ومستقبل مجهول

أطفال سوريون اتجهوا لسوق العمل لتأمين متطلبات الحياة لأسرهم بعد فرارهم من الحرب في بلادهم («الشرق الأوسط»)
أطفال سوريون اتجهوا لسوق العمل لتأمين متطلبات الحياة لأسرهم بعد فرارهم من الحرب في بلادهم («الشرق الأوسط»)

أفرزت الحرب الدائرة في سوريا أزمات كثيرة، وخلقت كوارث اجتماعية لا يمكن معالجتها في المستقبل القريب، ليكون الأطفال الصغار الذين تركوا المدرسة وابتعدوا عن التعليم واتجهوا إلى سوق العمل بين ضحايا هذه الحرب. وتتعرض تلك الأنامل الصغيرة للأعمال الشاقة بعيداً عن الإنسانية وقريباً من الاستغلال؛ مما يستدعي التفكير ملياً في جيل ساقته الأقدار إلى مستقبل مجهول وطريق شائكة تنذر بكارثة قادمة قد لا يستطيع المجتمع تداركها أو معالجتها.
جمال ذو الـ14 ربيعاً تحدث لـ«الشرق الأوسط» قائلاً «أعمل الآن في أحد المقاهي بمدينة غازي عنتاب، عندما قدمت إلى تركيا كنت في الصف الرابع، لم أستطع متابعة دراستي في سوريا بسبب الحرب الدائرة هناك، فبعد وصولنا إلى تركيا قرر والدي أن يؤمّن لي عملاً في إحدى ورش الخياطة، كان العمل شاقاً جداً، ولم أكن معتاداً على هذا العمل أبداً، يبدأ عملي من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، والأجر الذي أتقاضاه باليوم 20 ليرة تركية، طبيعة عملي هي تطبيق الأغراض وتنظيفها من الخيوط الزائدة ووضعها في أكياس النايلون، وهذا سببه أننا لا نملك نقوداً في تلك الفترة من أجل تأمين متطلبات المنزل.
ويتابع جمال «كنت أرى الكثير من الأطفال من هم في سني يذهبون للعمل وما زلت أراهم إلى الآن وهم كثر، كان معي في الورشة التي كنت أعمل فيها ستة أطفال بينهم بنتان، كلهم تركوا المدرسة واتجهوا للعمل وأغلب هؤلاء الأطفال لا يعرفون القراءة والكتابة، مجبرين على العمل من أجل الوقوف مع عائلاتهم والمصاريف التي تنتظرهم، أما عن التصرفات التي كنت أراها وكانت تفاجئني، أن ثلة من هؤلاء الأولاد يدخنون السجائر، بالإضافة إلى الألفاظ غير المقبولة التي يتفوهون بها»، ويضيف «كنت أحزن كثيراً عندما أتذكر المدرسة لأنني كنت مجتهداً، وبالنسبة لي نسيت ما تعلمته في السنوات السابقة عندما كنت في الصف الرابع، وأتمنى لو أنني أستطيع إكمال دراستي».
أما والد جمال (45 عاماً) فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما قدمنا إلى تركيا كانت أوضاعنا سيئة جداً، ولم يكن لنا أي عمل، خسرنا أعمالنا وأموالنا في سوريا وأصبحنا مهجّرين لا نملك أي شيء، حينها قررت أن أعمل لكن المشكلة أن المبلغ الذي سوف أحصل عليه لا يكفيني وعائلتي، عندي أربع أولاد وأمهم والمتطلبات اللازمة للبيت كثيرة ولا أستطيع تحملها وحدي، إضافة إلى أننا لم نعد نفكر بالمستقبل فيجب أن نفكر بما نحن فيه أولاً؛ لذلك أجبرت على دفع ابني إلى السوق ليساعدني، والسبب الوحيد هذا الواقع الذي نعيشه».
ويضيف الوالد: «إنها الحرب التي منعت أولادنا من التعليم، وأجبرتنا على زجهم في سوق العمل، كثيراً ما أتألم على أولادي، لكن لا أستطيع أن أفعل شيئاً من أجلهم، وما زلنا على أمل أن تنتهي الحرب ونعود إلى بيوتنا، لكن لم نكن نعرف أن الحرب سيطول أمدها إلى هذه الدرجة».
ويكمل والد جمال حديثه أعرف بأن المدرسة هي طريق العلم وأفضل من أي شيء، وأعرف أن ابني سوف يصل لمرحلة يفقد فيها مبادئ القراءة والكتابة، وأعرف أن المدارس هنا في تركيا مؤمنة فيوجد مدارس مؤقتة تعلم باللغة العربية، ومدارس تركية والتعليم فيهما مجاناً، وكم أنا حزين على مستقبل ابني، لكنني مجبر وليس باليد حيلة، وفي الوقت نفسه لم يكن ابني الوحيد من ترك المدرسة وذهب إلى سوق العمل، هناك الكثيرون من هؤلاء الأطفال الذين يذهبون في كل صباح إلى العمل ولا يعودون إلا في المساء وهم يحملون همومهم وآلامهم معهم، ويتحملون مسؤوليات أكبر من عمرهم بكثير، فمنهم من فقد الأب أو الأخ الأكبر، أو عنده أب معاق، فأصبح ذلك الصغير من يحمل هموم ومصاريف عائلته بأكملها، والحمد لله لسنا من الذين أجبر أولاده للعمل من أجل الثروة وجمع المال وهم كثر، بل نحن نعمل من أجل لقمة العيش وسترة الحال فقط»
حسام رسلان، وهو مدرس علم النفس التربوي، يقول لـ «الشرق الأوسط»»، إن «مما لا شك فيه أن عمالة الأطفال لها آثار سلبية على الطفل، وانعكاسات سيئة على المجتمع، وذلك بعد انتهاء الحرب واستقرار الأوضاع، والثمن سيكون باهظاً، فعمالة الأطفال تقوم على دخول الطفل في شتى أنواع العمل دون وجود ضوابط وقوانين تحكم هذا العمل قبل سن البلوغ، وبخاصة في ظل الأوضاع الراهنة ولعل أسوأ الصور التي باتت مألوفة في مجتمعنا في ظل هذه الأوضاع التسول، العسكرة، صالات النت والألعاب، التي لا تتناسب مع أعمارهم (الجسدية والعقلية)».
ويضيف رسلان «إن هذا كله ظهر نتيجة النزوح والفقر، إضافة إلى التفكك الأسري وفقدان مقومات الحياة الأساسية وفقدان المعيل في أغلب الأحيان، حيث دفع الكثيرون من الأطفال للعمل إما بدافع من الأهل، بسبب الحاجة والفقر، أو بسبب غياب الضوابط التي تلزم الأطفال بالتعليم، ولعل من أسوأ الآثار السلبية للعمالة على الطفل التسرب المدرسي وترك التعليم في معظم الأحيان وما ينتج منه من ظاهرة أمية وندرة المتعلمين والنخب العلمية، إضافة إلى استغلال الطفل والإيذاء الجسدي، حيث إن معظم الأعمال لا تتناسب وعمر الطفل من حيث الصعوبة ونوعية العمل».
ويتابع رسلان «لا ننسى الآثار النفسية والاجتماعية للعمالة على الطفل كالتدخين وتعاطي المخدرات، والانحراف الأخلاقي، والجهل بسبب عدم مواكبة علوم العصر وانتشار الجريمة التي بدورها لها آثار كبيرة على المجتمع والطفل على حد سواء، وهذا ما سوف نشاهده في الغد القريب».
ويشير حسام رسلان أخيراً إلى أن هذا الواقع سوف يؤدي إلى ازدياد الجهل، بسبب عدم القدرة على مواكبة علوم العصر وانتشار الأمية، وعدم وجود الأدمغة الوطنية لتلبية احتياجات التنمية والإعمار في المستقبل، إضافة إلى اكتساب الأطفال سلوكيات وأفكاراً تنافي الواقع الاجتماعي وتؤثر سلباً على مستواهم النفسي والعقلي.

- من مبادرة «المراسل العربي» - لإرسال القصص الصحافية - راسلونا على [email protected]



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.