فتيات مصريات يُقبلن على تعلم «ويندو» لمواجهة التحرش

فن دفاعي يجمع بين مهارات الرياضات القتالية وتقنيات علم النفس

أماني عبد العال مدربة {ويندو}
أماني عبد العال مدربة {ويندو}
TT

فتيات مصريات يُقبلن على تعلم «ويندو» لمواجهة التحرش

أماني عبد العال مدربة {ويندو}
أماني عبد العال مدربة {ويندو}

لاقى فن «ويندو» للدفاع عن النفس، إقبالاً كبيراً من الفتيات المصريات في الآونة الأخيرة، وانتشرت أكاديميات تعليمية لهذا الفن الجديد الذي يستخدم في مواجهة التحرش.
فن «ويندو» وهو أحد الفنون القتالية النسائية للدفاع عن النفس يختلف عن بقية الفنون القتالية، لأنه يجمع بين آليات ومهارات الرياضات البدنية، وبين تقنيات علم النفس، حيث يتضمن تدريبات لتعزيز ثقة المرأة بنفسها واستخدامها لبعض المهارات السلوكية البسيطة في الدفاع عن نفسها ضد المتحرشين.
تتضمن مرحلة التدريب الأساسي التي تستغرق نحو 3 أشهر، تدريب النساء على بعض التكتيكات النفسية البسيطة التي تساعدها في مواجهة المضايقات، والتعامل مع المواقف المختلفة من خلال تعزيز ثقتها بنفسها، وتطوير استخدام لغة جسدها وحواسها في إيصال رسالة واضحة للشخص الذي يحاول مضايقتها مفادها «أنا قوية ويمكنني مواجهتك وستندم على ذلك»، وتعمل التدريبات النفسية على تطوير استخدام «نظرة العين» و«نبرة الصوت» كإحدى وسائل خلق مساحة آمنة خلال تحركات المرأة في الشارع أو وسائل المواصلات العامة والتجمعات المختلفة.
وتشكل جلسات محاكاة الواقع التي يطلق عليها «سايكو دراما» فرصة للفتيات والنساء لتبادل الخبرات، حيث تتضمن تدريبات على مواقف افتراضية مختلفة وكيفية مواجهتها، كأن تتعرض المرأة للمضايقة في إحدى وسائل النقل العام، أو إذا تعرضت لموقف ما في الشارع، ويتم تمثيل المواقف المختلفة واقعياً وتتعلم الفتيات وسائل التعامل معها سواء بالتصرف اللفظي السلوكي أو الدفاع عن نفسها باستخدام تقنيات قتالية إذا تطلب الموقف، كما تتضمن الجلسات حواراً مفتوحاً بين المشاركات، فتسرد إحداهن موقفاً صعباً تعرضت له وكيف تصرفت، وتقوم رفيقاتها بمناقشة جدوى رد فعها واقتراح أساليب أخرى لمواجهة نفس الموقف.
وتركز مرحلة التدريب المتقدم التي تستغرق نحو 3 أشهر إضافية، على تطوير المهارات القتالية، حيث تتعلم الفتاة كيفية مواجهة شخص آخر يهددها بسلاح ما، أو مجموعة أشخاص يهاجمونها في وقت واحد، إضافة إلى تقنيات تتعلق بوسائل مواجهة المعتدي في قتال بدني مباشر، وكيفية التخلص من قبضته خلال محاولات الاعتداء الجنسي.
تقول أماني عبد العال، مؤسس أكاديمية «ويندو»، وهي اختصاصية نفسية، وباحثة بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بالتدريب على فن (ويندو) في أكاديميتي الخاصة، إضافة إلى الدورات التي أنظمها في الجامعات والمدارس والنوادي ومراكز الشباب، وأعمل كذلك مع بعض الجمعيات النسوية ومنظمات دولية تنظم تدريبات لللاجئات».
وتضيف عبد العال: «يختلف فن (ويندو) عن الفنون القتالية الأخرى لكونه رياضة نسائية هدفها تعليم المرأة وسائل الدفاع عن نفسها، ويمزج بين الحركات القتالية البدنية وتقنيات علم النفس، فالكثير من المضايقات التي تتعرض لها النساء يمكنها أن تنهيها بكلمة أو نظرة تجبر الرجل على التوقف، وتعمل التدريبات النفسية على تعزيز ثقة الفتاة بنفسها وإيمانها بأنها قادرة على صد المعتدي، وتُقبل الكثيرات على تعلم هذا الفن، لأنه يمنحهن شعوراً بالحرية والقدرة على مواجهة المواقف المختلفة، وهو لا يقتصر على سن محددة إذ يمكن لأي فتاة عمرها أكبر من 8 سنوات المشاركة في التدريبات».
تنتهي المرحلة النهائية من التدريبات بمشهد يعكس الكثير من الدلالات النفسية، إذ تقوم المشاركات بتحطيم قطعة خشبية بضربة يد واحدة، بما يعزز الثقة بالنفس، وإدراك المرأة لقوتها وقدرتها على التصدي لأي معتدٍ.
من جانبها تقول رحمة عبد الرحمن، وهي فتاة شاركت في تدريبات «ويندو»، لـ«الشرق الأوسط»: «شاركت في دورات (ويندو) العام الماضي بالصدفة، فأنا طالبة في قسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وكان الأمر إجبارياً في البداية، حيث نظمت الجامعة هذه الدورات كجزء من الأنشطة الإجبارية، لكن بعد مشاركتي أحببت الفكرة وحرصت على الاستمرار وشاركت في مراحل أخرى متقدمة في إحدى الأكاديميات».
وتضيف عبد الرحمن: «تغيرت حياتي تماماً، وأصبحت لديّ ثقة بالنفس، ومجرد إحساسي بأنني قادرة على صد أي معتدٍ أمر يجعلني أتمكن من التعامل مع أي موقف به مضايقات، وقد فوجئت بما يمكن أن تحققه نظرة العين أو نبرة الصوت في إيقاف أي شخص عند حده، الآن عندما أجد فتاة لا أعرفها تتعرض لأي مضايقة في الشارع أو أي مكان لا أستطيع منع نفسي من التدخل، وأنجح بالفعل في إنهاء الموقف، وأدركت أن المتحرش أو المعتدي بالأساس شخص جبان يغريه ضعف الفتاة، وعدم قدرتها على التصرف، لكن إذا واجهته يتراجع فوراً».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».