المعارضة في نيكاراغوا تدعو إلى إضراب عام

واشنطن تطلب من موظفيها المغادرة خوفاً على سلامتهم

TT

المعارضة في نيكاراغوا تدعو إلى إضراب عام

تغرق نيكاراغوا في دوامة من العنف مع اشتداد حدة أعمال العنف في الشارع بين المجموعات شبه العسكرية ومعارضي نظام الرئيس دانييل أورتيغا. ونفت الحكومة النيكاراغوية أي مسؤولية عن العنف الذي تسببت به المجموعات شبه العسكرية التي تتهمها المعارضة بالتحرك المدعوم من السلطات. واتهم تحالف المعارضة حكومة أورتيغا بأنها لا تبدي «أي انفتاح أو إرادة سياسية»، خصوصاً في شأن الاقتراح الهادف إلى الدفع قدماً في اتجاه تنظيم انتخابات في مارس (آذار) 2019، بدلاً من 2021.
ودعت المعارضة إلى إضراب عام في 13 يوليو (تموز) للمطالبة برحيل أورتيغا وإنهاء العنف في هذا البلد الذي يشهد موجة احتجاجات، رداً على المسيرة التي نظمتها الحكومة أمس (السبت).
وقال القيادي في الحركة الطالبية فرنسيسكو مارتينيز في مؤتمر صحافي، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية: «نعلن مجموعة من التحركات على مدى 3 أيام لنقول لأورتيغا وروزاريو موريلو (زوجته) أن يرحلا». وبدأت حركة الاحتجاج، وهي الأعنف التي تشهدها البلاد منذ عقود، في 18 أبريل (نيسان) بإصلاح لنظام الضمان الاجتماعي. وعلى الرغم من سحب هذا الإصلاح، لم يتراجع الغضب الشعبي، بل تفاقم مع قمع الشرطة للمحتجين الذين يستهدفون أورتيغا وزوجته التي تشغل منصب نائب الرئيس.
وأمرت الولايات المتحدة الجمعة جميع موظفيها غير الأساسيين بمغادرة نيكاراغوا بعدما خلفت أعمال العنف 230 قتيلاً، بحسب ما أعلنته سفارتها في نيكاراغوا. وقال بيان السفارة إن الولايات المتحدة «أمرت بمغادرة الموظفين غير الأساسيين»، وحضت مواطنيها على إعادة النظر في خطط السفر إلى نيكاراغوا نظراً «للجرائم والاضطرابات الأهلية والإمكانات الصحية المحدودة».
وحذر البيان من أن «قوات موازية للشرطة مدججة بالسلاح تسيطر عليها الحكومة وبملابس مدنية، يصل عددها أحياناً إلى المئات، تعمل في أجزاء كبيرة من البلاد ومنها في نيكاراغوا»، ونصح الرعايا بتجنب المظاهرات.
وعقب بدء المظاهرات الأولى، أمرت الولايات المتحدة أقارب الموظفين الدبلوماسيين بالمغادرة.
كما زادت ضغوطها على أورتيغا لتحقيق تقدم في مفاوضات السلام المتعثرة. وفرضت الخزانة الأميركية الثلاثاء، عقوبات مالية على مفوض الشرطة الوطنية فرنسيسكو خافيير دياز مدريز، وسكرتير مكتب رئيس بلدية ماناغوا فيدل انتونيو مورينو بريونيس على خلفية دورهما في قتل وضرب محتجين. كما فرضت عقوبات على خوسيه فرنسيسكو لوبيز سينتينو، المدير التنفيذي لإحدى شركات النفط، الذي تقول الخزانة الأميركية إنه اختلس ملايين الدولارات من شركتين مرتبطتين بالحكومة لحسابه وحساب قادة نيكاراغوا.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.