رئيس مهرجان دبي السينمائي: لا أخاف المسؤولية وأتطلع إلى سنوات أفضل للسينما العربية

عبد الحميد جمعة يؤكد إنجاز دورة ناجحة من ناحية التركيز على وجود أفلام عالمية

عبد الحميد جمعة رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي
عبد الحميد جمعة رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي
TT

رئيس مهرجان دبي السينمائي: لا أخاف المسؤولية وأتطلع إلى سنوات أفضل للسينما العربية

عبد الحميد جمعة رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي
عبد الحميد جمعة رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي

يرى عبد الحميد جمعة، رئيس مهرجان دبي السينمائي الدولي، أن مهرجان دبي اليوم بات يقف على بوّابة عشر سنوات جديدة عليه فيها مواصلة صعوده وتطوّره. وإحدى أهم مهامه في الأعوام المقبلة هي الإسهام بصورة أكثر فاعلية في تطوير صناعة الفيلم الإماراتي والخليجي بشكل عام.
في حواره لـ«الشرق الأوسط» يراجع سمات أساسية من مراحل تطوّر المهرجان عبر السنوات السابقة وعن الإعلام العربي وكيف تعامل مع المهرجان منذ البداية وإلى اليوم.
كانت النتائج أعلنت في حفلة أدارتها الإعلامية ريا أبي راشد بقدرة لافتة. علاوة عن إجادتها الإنجليزية كانت حاضرة تماما وملمّة جيدا وبعيدة عن الأداء التقليدي الذي عادة ما يميز مثل هذه المناسبات.
لكن الحفلة كلها كانت أيضا سريعة وسلسة التقديم على عكس حفلات ختام ماضية. وهي بدأت بجوائز يمكن القول إنها «مساندة» (أفضل من وصفها ثانوية) وفيها ورد اسم المخرج محمد خان لأول مرة، فهو فاز بجائزة الفيبرسكي («الاتحاد الدولي لنقاد السينما») لأفضل فيلم روائي وذلك عن فيلمه الجديد «فتاة المصنع».
بعد ذلك انتقلت الجوائز إلى المسابقات الرسمية والمرة التالية التي ورد فيها اسم هذا الفيلم كانت عندما فازت بطلته ياسمين رئيس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها فيه. دورها الرئيس نص على تجسيد شخصية فتاة قوية الشخصية وفي الوقت ذاته مرهفة الإحساس وتمر بتجربة عاطفية تضعها في محك مباشر مع التقاليد الاجتماعية. للأسف خسر «فتاة المصنع» بعد ذلك جولات مهمّة بينها جائزة أفضل مخرج وأفضل فيلم.
دور ياسمين رئيس جاء قويا مع أداء مناسب في قوته وفي الصف المقابل، دور قوي وأداء مناسب في قوّته أيضا من نصيب الممثل المغربي حسن باديدة في فيلم «هم الكلاب» لهشام لعسري، الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل.
الجائزة العربية الأكبر (جائزة أفضل فيلم) بقيت حائرة حتى النهاية خصوصا بين «فتاة المصنع» و«عمر» لكنها انتهت لصالح «عمر» لمخرجه هاني أبو أسعد الذي كان أيضا تسلم جائزة أفضل مخرج.
يبدأ حديثنا مع رئيس مهرجان دبي السينمائي من نقطة شمولية:
* ما تقييمك الخاص للدورة العاشرة؟
- أعتقد أنه بعد عشر سنوات أنجزنا دورة ناجحة ومن جميع النواحي. من ناحية التركيز على السينما العربية. ومن ناحية وجود أفلام عالمية دخلت ترشيحات الغولدن غلوبس ومرشحة بقوّة لدخول سباقات الأوسكار، بينها فيلم الختام «أميركان هاسل». تم عرض 100 فيلم عربي بينها 15 فيلما إماراتيا، ستة أفلام خليجية، 40 في المائة من الأفلام العربية من مخرجات عربيات وهذا أعتبره أمرا جيدا. لو نظرت اليوم للفائزين كان المسرح مشغولا بعدد كبير من السينمائيات الفائزات. إذا نظرنا إلى السجادة الحمراء فإن الحركة كانت دائمة والنجوم الذين احتشد الجمهور لهم كانوا متوفّرين.
ندخل في السوق، المراكز العارضة التي أقامتها الشركات في هذا السوق كانت متكاملة. المساحة صغيرة، لكنها اشتملت على عدد كبير من هذه المراكز. تسلمنا أكثر من ثلاثين طلب اشتراك، لكننا لم نستطع توفير المكان لها. إذا دخلت السينيتك ستجد أكثر من 350 فيلما مشاركا للبيع والشراء. أكثر من 41 مرشدا للعمل. «إنجاز» (صندوق الدعم المعتمد من قبل المهرجان) حركة دائمة. السوق السينمائي حركة دائمة. الحضور الإعلامي طاغ هذه السنة من العالمين العربي والعالمي. كرمنا عشر شخصيات وردت في استفتاء «أفضل عشرة أفلام عربية في التاريخ» وكان هناك حضور كبير جدّا للسينمائيين المصريين عبر الأفلام أو عبر الضيوف.
* لماذا اتجهتم هذه السنة لتأكيد هذا الحضور المصري؟
- بغينا أن نعوّض غياب الاحتفالات السينمائية المصرية هذه السنة، فهذا العام لم يجر إنجاز دورة جديدة من مهرجان «القاهرة» السينمائي وحاولنا منحهم بيتا آخر يأتون إليه ريثما تقام الدورة المقبلة من مهرجان القاهرة السينمائي. أردت أن أجعلهم يشعرون بأنهم جزء من هذا البيت الثاني.
* هل ووجهت الدورة الحالية بأي انتقاد؟
- النقد لا بد منه وأنا أرحب به. أستمع جيدا للآخرين وأريد منهم أن ينتقدوا ما يرونه نقصا أو تقصيرا. كان هناك بعض الهفوات التنظيمية في اليومين الأولين وعالجناها على الفور. أحاول أن أفهم المشكلة وأقوم بحلها على الفور.
* في أحيان يكون الناقد على خطأ. حكمه من الخارج.
- صحيح لكن يجب أن نسمع له وأن نتيح له الوقت للتعبير عما يراه. قد يكون على صواب، لكن حتى ولو لم يكن كذلك سيكون سعيدا إذا ما تحدّث إلى رئيس المهرجان وسيشعر بسعادة كونه استطاع الحديث إليه وبثه شكواه.
* ما رأيك بمواكبة الإعلام العربي للمهرجان. في البداية كان النقد هو أن المهرجان بإدارة غير عربية وأنه عبارة عن استعراض للنجوم. بعد ذلك انتقل إلى نطاق إيجابي وجاد. ما رأيك بذلك؟
- يفاجئنا الإعلام العربي بمواقف من حين لآخر. مثلا هذا العام وأول ما أعلنا أن الدورة الجديدة سيجري افتتاحها بفيلم عربي (فيلم «عُمر» الذي خرج بجائزتين رئيستين) انطلق تعليق البعض متسائلا عما إذا كان يليق بمهرجان دبي وتاريخه الافتتاح بفيلم عربي. في الماضي كان البعض يأخذ علينا الافتتاح بفيلم غير عربي. ولو افتتحنا هذه الدورة بفيلم أجنبي لوجد من يقول: «كيف تدعون أنكم تساعدون السينما العربية وتفتتحون الدورة العاشرة بفيلم غير عربي؟». أعتقد أن هناك نوعا من الصحافة تحب إثارة القضايا والاهتمام. بعد الافتتاح بفيلم «عُمر» شعرت بأن كل من شاهد الفيلم قدّر لنا هذا الاختيار.
* هل توافق على أن السينما الإماراتية في هذا المهرجان، ومن خلال المسابقة الخاصة بها، لا تحظى بتغطية إعلامية عربية تستحقها؟ السبب في رأيي هو أن الصحافي الزائر يريد أن يتعرّف أساسا على جديد السينما العربية كلها ويعتبر مسابقتها بمثابة بانوراما تتيح له ذلك.
- هذا صحيح. العروض الأخرى تتم في أوقات متوازية مع عروض مسابقة المهر الإماراتي التي تشهد حضورا جماهيريا كبيرا في الواقع، لكن كما تقول هناك الكثير من الأفلام التي تعرض في الوقت ذاته ولا مجال لمشاهدتها كما ينبغي. ولا تنس أن السينما الإماراتية تنال حقها في مهرجاننا الثاني «مهرجان الخليج السينمائي» الذي يقام في الشهر الرابع من السنة. هناك تقف جنبا لجنب الأفلام الخليجية. من يدري، ربما سنعمد إلى حل معين في السنوات التالية مثل أن نباشر مسابقة المهر الإماراتي قبل يومين أو ثلاثة من بداية المهرجان.
* هل تتدخل في اختيار الأفلام التي يقدّمها المهرجان في أي من المسابقات؟
- المدير الفني مسعود أمرالله آل علي إنسان بالغ المعرفة والثقافة السينمائية وأعتز به وأحترم كل آرائه وهو الذي يختار القسم الغالب من الأفلام. أحيانا عندما يكون لدي تفضيل لفيلم أقترحه ونتناقش. في بعض المرات يقنعني بوجهة نظره إذا ما كانت متعارضة مع وجهة نظري فأرضى، وفي أحيان أخرى أقنعه بأسبابي الخاصة للوقوف وراء هذا الفيلم المعين. كثيرا ما أعود إلى الفيلم بعد جلستي مع مسعود وأعاود مشاهدته هذه المرة برؤية مزدوجة: نصفها مني ونصفها من مسعود لكي أقف على وجهة نظره على نحو كامل. في الدورة الحالية كانت الأفلام الأجنبية من اختياري إجمالا. كثير منها سيتوجه إلى الأوسكار وبعضها مرشح لجوائز الغولدن غلوب ومنها «أميركان هاسل» و«12 سنة عبدا» و«مجمّد». في النهاية هو صاحب القرار الفني وأثق برأيه ونحن متجانسان تماما أنا في الإدارة العامة وهو في الأفلام.
* واكبت المهرجان من مطلعه إلى اليوم. ما الشيء الذي لم يتحقق بعد وتريد تحقيقه؟
- ما لم يتحقق بعد هو صندوق لدعم الفيلم الإماراتي. الدعم الذي نقوم به شامل وعام وليس مخصصا للسينما الإماراتية وهذا ما أحب تحقيقه كما أريد لدعمنا أن يواصل شموليته حيال الأفلام الخليجية والعربية على نحو عام.
* خطر لي أن جوابك سيكون أنك ترغب في أن يكون للمهرجان قصر عروض خاص به.
- هذا وارد. طبعا يحتاج إلى وقت لتنفيذه، ربما ثلاث أو أربع سنوات من الآن. قصر يكون بمثابة مركز شامل لكل النشاطات. لكن الطلب عليه أن ينتظر لأن رغبتي الأولى هي صندوق الدعم الذي ذكرته. نحن الآن لا نستقبل إلا عددا محدودا جدّا من الأفلام الإماراتية، ولا أريد أن أجد نفسي مجبرا على اختيار فيلم لا يتمتع بالمواصفات الصحيحة. حتى يصبح ذلك ممكنا، على الإنتاج الإماراتي أن يكون وفيرا بحيث نستطيع اختيار الأفضل للعرض. أتمنى أيضا إنشاء مدرسة سينمائية مناسبة لنا. أعرف أن هناك مدرسة نيويورك التي فتحت لنفسها فرعا في أبوظبي، وهي بالتأكيد مدرسة مهمة، لكن منهجها لا يلتقي بالضرورة مع ثقافتنا الخاصة. الطلاب الشباب في اعتقادي يريدون دروسا في البدايات المناسبة لهم تساعدهم وتأخذ بأيديهم وتمنحهم مناهج تلبي حاجاتهم.
* بعد عشر سنوات من العمل رئيسا لهذا المهرجان كيف تنظر إلى المستقبل؟ هل تخشى من مسؤوليته؟
- الخوف كان في البداية. ربما في السنوات الخمس الأولى حين كانت الطريق ما زالت في مطلعها وكانت لا تزال محفوفة بالمخاطر واتخاذ القرار الصحيح كان بدوره مغامرة. لكن الآن على العكس. وراءنا خبرة وتجربة أنا راض عنها. ولا أخشى المسؤولية خلال السنوات المقبلة بل أتطلع إلى تحملها والسعي لمواصلة إنجاح هذا المهرجان بكل ما لدينا نحن جميعا من طاقة.
* في النهاية، ما رأيك بالدورة العاشرة ونتائجها؟
- كما ذكرت أعتقد أنها كانت دورة ناجحة وأنا راض عنها. نحن نريد لهذا المهرجان أن يبقى صرحا للسينما العربية والمسألة عندنا ليست إقامة مهرجان بحفلات وينتهي الأمر مع ليلة الختام، بل نريد أن نصاحب السينما العربية في عملية نقلها من واقعها اليوم إلى واقع جديد وطموح. نريد لها الأفضل ونطمح أن ننجز في المستقبل أكثر مما أنجزناه لها حتى الآن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».