تشكيلتي الأخيرة تحكي قصتنا كرحّل في القرن الـ21... أحياناً اختياراً وأحياناً اضطراراً

مصمم لا يضاهي حبه للشرق سوى عشقه للفن والهندسة المعمارية. من الشرق يغرف ألوانه ومن الفن والعمارة يستلهم خطوطه وأحجامه. منذ أن استقل بنفسه منذ أكثر من عشر سنوات، نأى بها عن المنافسة والتغيرات التي أودت بأسماء كبيرة. صحيح أنه يسبح ضد التيار، وقد يخاطب امرأة بعينها إلا أنه نجح أن يوسع قاعدة زبوناته، غير مُنكر تأثير الأزمة الاقتصادية السلبي على قطاع الموضة ككل وعلى المصممين المستقلين مثله بوجه خاص. يوم الثلاثاء الماضي وخلال أسبوع الـ«هوت كوتير» لخريف وشتاء 2019، قدم تشكيلة تعبق بالفنية لكن بنسمات منطلقة لم نعهدها في تصاميمه من قبل. والقصة كما قال في هذه الدردشة الجانبية مبنية على مفهوم الترحال. فنحن كلنا أصبحنا رحلا في هذا العالم، حسب رأيه. فحتى من لا يستطيع أن يذهب بعيدا بجسده يمكن أن يرحل بخياله إلى أبعد منطقة في الكون بفضل هاتفه:
- الفن يُغذي خيالي، والهندسة المعمارية تُلهمني دائما. فكل يوم أكتشف مواهب جديدة تؤثر علي أحيانا بطريقة لا يمكن تصورها. أكبر مثال على هذا تأثير الراحلة زها حديد على أعمالي لفترة. في هذه التشكيلة الموجهة لخريف وشتاء 2019 يمكن رؤية الفن والمعمار على حد سواء في الأشكال المستديرة والمربعات التي تشكل خدعا غرافيكية. لم أستلهم من فنان معين بقدر ما وُلدت الفكرة من لحظات تأمل في الماضي والحاضر وكيف أتطلع إلى المستقبل. من الناحية الجمالية، تعمدت التخفيف من الأبعاد الثلاثية باستثناء وردة ضخمة تتدلى وكأنها شلال على قطعة من الغازار باللون الأسود، ومجموعة من اللؤلؤ تزين العنق لتبدو وكأنها فرو. لكن المهم هنا أن مفهوم الانطلاق الذي لعبت عليه وصل إلى حد اللامبالاة رغم أنه يبقى مربوطا بمفهوم الفخامة. فنحن مهما عشقنا السفر والتنقل نريد أيضا الراحة لكن ليس على حساب الأناقة والتفرد.
- من بداية الفكرة ورسمها على الورق إلى الرتوشات الأخيرة، من المُفترض أن تكون هناك خطوات مهمة تضفي على أي تشكيلة شخصية متماسكة، بمعنى أن تكون لها تيمة قوية. أحتاج دائما إلى نسج قصة في خيالي أولا تساعدني على إيصال رسالتي، قد تكون الألوان الخيط الذي أنسج منه تفاصيلها، كما قد يكون الحجم أو الشكل. هذا الموسم، اخترت لها عنوان «نيو نوماد» أي «الرُحل الجدد» لأني أردت أن أحكي من خلالها قصتنا كرحل في القرن الـ21 والمستقبل بعد أن تيسر السفر وأصبح متاحا للكل. كما أن التغيرات السياسية والاقتصادية تدفع الناس إلى الترحال والنتيجة أن يتنقلوا حاملين معهم قصصا وثقافات تُغني الآخر. فالسفر ليس دائما اختيارا
- حسب هذه التيمة كان لا بد أن أركز على خطوط مريحة ترجمتها في تصاميم تعانق الجسم وتتزاوج برقة مع بعض الأحجام السخية والواسعة التي تراقصت على أقمشة طبيعية مثل الجلد الذي ظهر في بنطلونات مطرزة بأحجار الكريستال، وفساتين سهرة من الموسلين وأخرى على شكل كنزات من الشامواه والكشمير. أما الألوان فاخترتها بين البني التبغي والأبيض المطبوع أحيانا باللون العنابي أو الأسود. كان لا بد أيضاً أن أراعي تطورات العصر، الأمر الذي يُفسر لمسات من الملابس الرياضية أدخلت عليها تقنيات جديدة حتى أتمكن أن أزاوج بين هذا الأسلوب المنطلق وبين الأشكال الفخمة والتطريزات الغنية. إنها لعبة التناقضات، وهذا ما أحبه.
- عالم الموضة حاليا يخضع لمعايير تثير بعض المخاوف، مثل الخضوع لمجموعات كبيرة تحدد ما يقدمه المصمم كما توجهات السوق. رغم أني مُستقل فإن الأمر لا يخلو من المصاعب بالنسبة لي، لأني أخضع أيضا للتوازن الاقتصادي والسياسي في العالم. عندما أسافر، وهو ما أقوم به كثيرا، فإني أحرص على أن تكون عيوني مفتحة على ما يجري حولي حتى أقرأ المستجدات والتغيرات بشكل يساعدني على أن أتخذ قرارات صائبة. بالنسبة لظاهرة المشاهير، فهو أمر لا يمكن لأي مصمم أن يتجاهله، ولا أخفي أني أسعد عندما تطلب مني نجمات مثل سيلين ديون أو بيونسي تصاميم للظهور بها في مناسبات كبيرة. فهذا الأمر يساعد على التعريف بالمصمم على مستوى أكبر.
- أنا أؤمن بأن رضا كل الناس غاية لا تُدرك، وبالتالي لا أتوقع أن يُعجب الكل بأسلوبي أو يفهموه. ما أقدمه في عروضي مجموعة أفكار يمكن ترويضها أو الإضافة إليه حسب شخصية صاحبتها ومتطلباتها. وهذا ما تعنيه «الهوت كوتير» بالأساس: أناقة وفخامة تُفصل على المقاس. أنا من المصممين الذين يؤمنون بأن الـ«هوت كوتير» لا يجب أن تعيش في بُرج عاجي، فهي لكل الأيام والمناسبات. يمكنني مثلا أن أقدم تصاميم هندسية للغاية لكن عملية ومريحة في الوقت ذاته، فهذا ليس صعبا أو مستحيلا. ثم لا بد أن أشير إلى أني كثيرا ما أتفاجأ بشجاعة المرأة وأعجب بقدرتها على تحمل الكثير من الآلام من أجل أن تتألق في مناسبة ما. لهذه المرأة التي لا يهمها شيء بقدر ما تهمها أناقتها وتفردها، أقدم تصاميم فنية بأبعاد ثلاثية. وأنا مدين لها لأن الأمر بمثابة تمرين لذيذ ومثير على كل المستويات، بما فيه الجانب السيكولوجي.
- الموضة تغيرت كثيراً على ما كانت عليه أيام زمان، وهو أمر مثير للغاية. فكم الاقتراحات والخيارات لا تُقاوم وتخاطب كل الأذواق والميزانيات. خذي مثلا الموضة الراقية، فهي تتمازج بتناغم مع الموضة الجاهزة التي تطرحها المحلات الكبيرة بأسعار زهيدة. المأخذ الوحيد بالنسبة لي أن هذه التغيرات تؤثر أحيانا على بعض المبادئ المتأصلة، كما أن الإدمان على شراء الأزياء المخفضة في موسم التنزيلات تؤثر سلبا على كثير من العلامات والمصممين.
- مر أكثر من عقد من الزمن على انطلاقي مستقلا، ولا أعتقد أن الأساس الذي انطلقت منه في البداية تغير، لأن لا حبي للخطوط الواضحة والبسيطة والحركة ولا طريقتي في استعمال المساحات في القطعة الواحدة تغيرا. التأثيرات الفنية هي التي تتغير لتنعكس على المزاج العام أو تيمة كل تشكيلة. عشر سنوات مرت مثل البرق، وأشعر بأننا اليوم نعيش بداية مرحلة جديدة تفرضها التغيرات التي يمر بها العالم. ولا أنكر أنني أشعر بالراحة أني مستقلا لا أخضع لإملاءات أحد رغم أن الثمن الذي أدفعه يكون أحيانا غاليا.
فمنذ بداية مسيرتي اكتشفت أن الفنان بداخلي يرفض العمل تحت سيطرة أحد. كما أني أجد أن الحرب على السلطة أو القوة عقيمة لا تخدم سوى أصحاب الأنا المتضخمة وتُتعب من يتعاملون معهم. لهذا نأيت بنفسي عن كل هذا وركزت على الإبداع والابتكار بعيدا عن كل هذه المنافسات والحروب الجانبية التي تستنزف الكثير.