مدنيو درعا عالقون في مصيدة مثلث الحدود المغلقةhttps://aawsat.com/home/article/1317716/%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%88-%D8%AF%D8%B1%D8%B9%D8%A7-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%AB%D9%84%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%84%D9%82%D8%A9
تروي هنود النازحة من درعا وقد سبقها حرق شمس يونيو (حزيران) للجبهة ومحيط العينين وما كشفه النقاب وظاهر الكفين، معلناً صعوبة رحلة النزوح: «3 أيام أمضيتها على الطريق حتى وصلت إلى أهلي في ريف دمشق». فقد انحشرت بين عدد لم تقدره من أجساد الفارين في شاحنة مكشوفة، بعد تدبير وساطات عدة لعبور حواجز الفصائل المعارضة ومن ثم حواجز النظام ليسمح لهم باللجوء إلى دمشق. تقول هنود التي فرت من طفس بريف درعا، إنها في البداية توجهت مع شقيقاتها وأطفالهن إلى الحدود الأردنية، لكن الجانب الأردني أغلق الحدود، وعانت مع مئات الآلاف من النازحين هناك الأمرين؛ «جوعاً وعطشاً ومرضاً وشمساً قاتلة». لم ينتظروا وعادوا أدراجهم لكن ليس إلى طفس، إذ اتجهت شقيقاتها وأطفالهن إلى الحدود مع الأراضي المحتلة من إسرائيل، بينما اختارت هنود مغامرة الهروب إلى ريف دمشق: «حكى معي شقيقي وهو موظف في الحكومة وطوال السنوات الماضية كان يخشى الذهاب إلى درعا خوفاً من أبناء عمومتي المعارضين، وطلب مني المجيء إلى دمشق، على أن أجد من يتدبر أمر خروجي من درعا والوصول إلى حواجز النظام ومن ثم سيتولى هو الأمر». وتضيف: «جاء معي عدد لم أقدره من الأهالي بينهم امرأة و5 أطفال وصبايا ورجال مسنون، تكدسنا في صندوق سيارة بيك أب واستغرق الطريق معنا 3 أيام من الرعب»، إذ لا يسمح النظام لأهالي درعا من المدنيين بالنزوح إلى دمشق. آمال، سيدة نزحت من درعا إلى دمشق قبل 4 أعوام، وتقيم في شقة مع 3 عائلات من أقاربها كلهم نساء وأطفال: «الرجال يحاربون في درعا أو قتلوا أو في المعتقلات». وتضيف: «لولا أن زوجي وزوج ابنة عمي يعملان في الخليج منذ 20 عاماً، لكنت الآن مع أولادي على الحدود مع الأردن نموت من العطش». وفي تقرير صدر يوم أمس (الأحد)، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن عمليات القصف والقتل والتدمير، التي بدأتها قوات النظام المدعومة من روسيا منذ منتصف يونيو (حزيران) تسببت في «نزوح ما لا يقل عن 198 ألف شخص من قرى الحراك، وناحتة، وبصر الحرير، والمليحة الشرقية، ونوى، والحارة، وعقربا، توجهوا نحو القرى الجنوبية والقرى الحدودية مع الأردن، كما توجَّه قسم آخر باتجاه الشريط الحدودي مع منطقة الجولان، اضطر الآلاف منهم للإقامة في المدارس، ومراكز إيواء تمَّ إنشاؤها على عجل، وبإمكانيات مُعظمها محلي، ومُهيأة لطاقة استيعاب محدودة جداً».
تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
تسببت مخاوف الجماعة الحوثية من ملاقاة مصير «حزب الله» اللبناني أو نظام بشار الأسد في سوريا، في تصاعد حدة الخلافات والتنافس داخلها، وبروز انقسامات جديدة حول مستقبلها، في ظل تقليص النفوذ الإيراني، وبروز رغبة غربية في إخراج طهران من المنطقة.
وتسببت تطورات الأحداث التي تشهدها المنطقة، مع ممارسات الجماعة داخلياً، وتنافس أجنحتها على النفوذ والثروات، إلى جانب تصعيدها في البحر الأحمر وهجماتها على إسرائيل، والردود العسكرية الأميركية البريطانية والإسرائيلية؛ في إثارة مخاوفها من احتمالية نشوء توجه دولي يتوافق مع رغبة محلية وإقليمية لإنهاء انقلابها في اليمن.
وذكرت مصادر محلية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن انقسامات كبيرة ظهرت في أوساط الجماعة الحوثية خلال الأشهر الماضية، مع صعود مطالب بإحداث تغييرات فعلية في هيكلها القيادي، والاستجابة لدعوات وجهود السلام، والتصالح مع مختلف الأطراف داخلياً وخارجياً، لتجنيبها مصير «حزب الله» اللبناني، أو نظام بشار الأسد في سوريا.
وبيَّنت المصادر أن ما زاد الانقسام في أوساط الجماعة لجوء قادتها إلى التوقف عن استخدام أجهزة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية، بسبب مخاوفهم من أن تُستخدم في التجسس عليهم أو اغتيالهم، كما جرى لآلاف من عناصر «حزب الله» اللبناني في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى جانب نزوح غالبيتهم من منازلهم إلى منازل مستأجرة، واتباع وسائل تخفٍّ متعددة.
وبالإضافة إلى ذلك، توقفت غالبية القيادات الحوثية عن حضور الاجتماعات واللقاءات الاعتيادية، ولجأت إلى وسائل معقدة للتواصل فيما بينها.
وتسببت هذه الإجراءات الاحترازية في انقطاع التواصل بين مختلف القيادات، وعدم معرفة غالبيتها بما يجري التخطيط له للتعاطي مع مختلف التطورات الداخلية والخارجية، واتخاذ قرارات وتنفيذ إجراءات دون تنسيق.
وحسب المصادر، فإن الانقسامات الأخيرة التي تشهدها الجماعة، مردُّها إلى خلافات كبيرة بشأن التعاطي مع التطورات الأخيرة في المنطقة؛ حيث ترى بعض القيادات ضرورة تقديم تنازلات للأطراف المحلية والإقليمية والدولية، لتجنب مصير «حزب الله» ونظام بشار الأسد، بينما فريق آخر يصر على استمرار التصعيد، وعدم الرضوخ لأي ضغوط عسكرية كانت أو سياسية.
مخاوف وإصرار
وضعت الشخصيات التي تطالب بتقديم التنازلات كثيراً من المعطيات الميدانية والسياسية التي تعدُّها مؤشرات إلى احتمالية خسارة المواجهات التي تخوضها الجماعة، ومن ذلك الخسائر الكبيرة في العتاد والمعدات التقنية الحديثة والنوعية، مثل مواقع الصواريخ والطائرات المُسيَّرة والرادارات، نتيجة الضربات الأميركية البريطانية، وفق توضيح المصادر.
وإضافة إلى ذلك، فإن الضربات الإسرائيلية تسببت في خسائر اقتصادية كبيرة؛ خصوصاً في قطاع الطاقة الذي استهدفه الطيران الإسرائيلي، خلال هجماته الثلاث على المنشآت التي تسيطر عليها الجماعة.
وترى هذه الشخصيات أن المواجهة مع الغرب وإسرائيل لم يعد لها داعٍ، وأنها تأتي بالضرر أكثر مما تحقق من مكاسب؛ خصوصاً بعد اضطرار «حزب الله» إلى الدخول في اتفاقية تهدئة مع إسرائيل، وسقوط نظام الأسد في سوريا، ما يجعل الجماعة شبه وحيدة في المعركة، ويسهل هزيمتها مع تراجع الغطاء الإيراني.
وحذَّر هذا الجناح من أن الضربات الغربية والإسرائيلية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية المفروضة على عدد من الشخصيات، تسببت خلال الأشهر الأخيرة في أزمات معيشية بدأت معالمها أخيراً بحدوث نقص في الوقود والسلع الغذائية، ولم يجرِ التركيز عليها إعلامياً؛ لأنها لم تشكِّل فرقاً كبيراً عن الوضع السائد قبلها.
وفي مقابل هذا الرأي، يصرُّ جناح آخر على استمرار المواجهة مع الغرب وإسرائيل، باعتبار ذلك أحد أسباب قوة الجماعة وحصولها على التأييد الشعبي محلياً وإقليمياً، وحتى على مستوى العالم، لكون هذه المواجهة تأتي رداً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويذهب هذا الجناح -الذي وصفته المصادر بالعقائدي- إلى أن الضربات الجوية لن تضرَّ الجماعة ما دامت تُحكم سيطرتها ونفوذها على الأرض، وأن الخسائر في العتاد والمنشآت لا تكفي لهزيمتها، وهي خسائر يمكن تعويضها من خلال الموارد المحلية والدعم الخارجي.
كما يتوقع هذا الجناح أن الضربات الغربية والإسرائيلية ستخفف الأعباء، في مواجهة المطالب الشعبية بتحسين الأوضاع المعيشية، وصرف رواتب الموظفين العموميين وتوفير الخدمات، وسيسهل استغلالها في مواجهة الحكومة الشرعية التي دأبت الجماعة على وصفها بالعميلة للغرب وإسرائيل.
العودة إلى العقائديين
وفي منظور الجناح العقائدي؛ فإن الحكومة الشرعية ليست مستعدة في الوقت الحالي للعودة إلى المواجهات العسكرية، ولن تحصل على ضوء أخضر للعودة إلى المعارك ما دام المجتمع الدولي يأمل في إمكانية نجاح جهود السلام، إلى جانب أن الغرب يخشى من حدوث فوضى تتسبب في مزيد من المخاطر على طرق الملاحة الدولية.
ووصلت الصراعات بين أجنحة الجماعة الحوثية إلى المطالبة بالإطاحة بالقيادي مهدي المشاط، رئيس ما يُعرف بـ«المجلس السياسي الأعلى» (مجلس الحكم الانقلابي) حسب مصادر صحافية يمنية، وتعيين القيادي المقرب من زعيم الجماعة قاسم الحمران بدلاً عنه.
وتشير المعلومات التي جرى الكشف عنها إلى أن قيادة الجماعة تسعى إلى إعادة تماسك هيئاتها القيادية، بما فيها «المجلس السياسي» الذي أدى صراع الأجنحة إلى إضعافه، بتولي شخصيات فضَّلت مصالحها الشخصية ومساعيها للإثراء على مصالح الجماعة، وتسببت في غضب شعبي عليها.
وكانت الجماعة الحوثية قد شكَّلت في أغسطس (آب) الماضي حكومة جديدة، غير معترف بها، أطلقت عليها اسم «حكومة التغيير والبناء»، وكشفت «الشرق الأوسط» حينها عن تعيين قيادات عقائدية لتسيير أعمال هذه الحكومة، من خلال مناصب ثانوية فيها، في حين يمارس رئيسها وغالبية أعضائها مهام شكلية.