في شارع المتنبي ببغداد... الأكلات والمشروبات تزاحم الكتب

عصير «الحاج زبالة» الشهير لم يتغير مذاقه على مر السنين

الكتب على قارعة الطريق
الكتب على قارعة الطريق
TT

في شارع المتنبي ببغداد... الأكلات والمشروبات تزاحم الكتب

الكتب على قارعة الطريق
الكتب على قارعة الطريق

الذي يدلف إلى شارع المتنبي من جهة ساحة الميدان فمحلة الحيدرخانة يمر بسلسلة عوالم باتت من معالم بغداد التراثية «سوق هرج، سلسلة مقاهي أم كلثوم فالزهاوي فحسن عجمي وقبلها شربت الحاج زبالة الشهير». والأخير كان الشراب المفضل للباشا نوري السعيد والوصي عبد الإله في العهد الملكي ومن ثم عبد الكريم قاسم وأحمد حسن البكر فصدام حسين في العهود الجمهورية. لم يتغير مذاق «حاج زبالة» برغم تغير العهود والأنظمة والحروب والاحتلالات. أما من يدخل الشارع من جهة جسر الشهداء الذي سمي تيمنا بقتلى وثبة «يناير» (كانون الثاني) عام 1948 فإنه يشتم على بعد عشرات الأمتار ألذ مذاق لأشهى أنواع الكبة يطلق عليها في العراق «كبة السراي» وهي إحدى الماركات التجارية المعروفة في العراق. والسراي الذي تحول إلى سوق للقرطاسية المدرسية هو مقر الحكومات في العهد الملكي وقريبا منه ساحة القشلة التي تضم ساعة بغداد. أما وثبة 1948 فقد حصلت بسبب المعاهدة التي وقعتها حكومة صالح جبر في العهد الملكي مع بريطانيا وسقطت على إثرها جراء الاحتجاجات الجماهيرية حيث كتب الشاعر محمد مهدي الجواهري بين المحتجين إثر سقوط أخيه جعفر قتيلا «أتعلم أم أنت لا تعلم... بأن جراح الضحايا فم».
لم يتغير شيء في معالم شارع المتنبي سواء قبل تفجيره الشهير خلال شهر مارس (آذار) عام 2007 مما تسبب بمقتل نحو 30 متسوقا وتدمير مقهى الشابندر أحد أشهر مقاهي بغداد، أو بعد إصلاحه بمبادرة قام بها آنذاك نائب رئيس الوزراء برهم صالح. المكتبات الكبيرة تمتد على طول الشارع من الجهتين بينما نشر باعة الكتب كتبهم يوم الجمعة من كل أسبوع وهو تقليد بدأ منذ ثمانينات القرن الماضي. وما يميز الكتب المعروضة داخل المكتبات عن تلك المعروضة على قارعة الطريق هو الجمع بين القدم والحداثة فضلا عن الفرق في الأسعار بالإضافة إلى إمكانية الحصول على كتب نادرة سواء من حيث القدم أو من حيث نفادها من الأسواق حيث يكون المتنبي هو السوق الوحيد للكتب الذي يوفر مثل هذه الخدمة لزبائنه. وطبقا لما قال ستار الشمري وهو أحد رواد الشارع يوم الجمعة لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يميز المتنبي اليوم عن المتنبي على عهد النظام السابق هو حرية الكتب المعروضة على فاترينات المكتبات ومنها تلك الكتب التي كانت موجودة في زمن صدام حسين ومن بينها التي تمجده أو تمجد نظامه بينما في ذلك الزمن لم نكن نحصل على كتب المعارضة إلا عن طريق الاستنساخ وبشكل سري تماما».
ومع أنه من الصعب على المرء أن يجد موطئ قدم في الشارع إلا بصعوبة بالغة فإن هذا لم ينعكس على حركة بيع الكتب. وفي هذا السياق يقول صلاح المرهج وهو أحد أقدم باعة الكتب في الشارع منذ تسعينات القرن الماضي لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة التي نعاني منها الآن أن المتنبي كأنه فقد وظيفته الأساسية وهي تجارة الكتب بيعا وشراء لصالح أعمال أخرى الأمر الذي أثر كثيرا على مبيعاتنا». ويضيف المرهج أنه «بعد فتح القشلة والمركز الثقافي كثرت الفعاليات والمؤتمرات والندوات والتظاهرات وشتى أشكال الاحتجاجات الأمر الذي جعل الحركة مزدحمة كثيرا في الشارع لكن ليس من قبل رواده الأصليين بل من قبل زوار جدد لا يعنيهم أمر الكتب والثقافة في شيء بقدر ما يعنيهم الفعاليات الأخرى».
لكن في الجانب الآخر من الصورة وفي إطار فعاليات مستمرة كل يوم جمعة تخصصت بها دار «المدى» يقول علي حسين مدير تحرير جريدة المدى لـ«الشرق الأوسط» إن «دار المدى وهي جريدة ودار نشر ومكتبة أخذت على عاتقها عقد فعاليات كل يوم جمعة تتناول قضية ثقافية أو فنية يشارك فيها عدد من المتخصصين» مبينا أن «الفعالية المعقودة الآن ونحن نتحدث هي عن المخرج الراجل بسام الوردي علما بأن هذه الفعاليات لم تتوقف منذ عام 2007 حتى حين تم تفجير الشارع مثلما هو معروف».


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.